لم تعد صافرات الإنذار أمرا مزعجا للأوكرانيين، بل باتت قصصا مألوفة لا تدفع الكثيرين منهم إلى تحريك ساكن. في أحد المقاهي راحت النادلة تنتقل من طاولة إلى أخرى تطلب منهم بأدب الاحتماء في الداخل بعد دقائق من إطلاق صواريخ الإنذار إيذانا بقدوم صواريخ روسية، أغلق الجميع أجهزة الكمبيوتر المحمولة، وحمل الشباب حقائب الظهر، وسكبوا القهوة من أكواب صينية إلى أكواب بلاستيكية. وبعد عشر دقائق، كان معظم الزبائن مستقرين على مقاعد خشبية في مرآب تحت الأرض بالمبنى، لم يكن هناك قلق ولا اضطراب، وأعيد تشغيل أجهزة الكمبيوتر المحمول، وتجدد شرب القهوة، واستؤنفت المحادثات على الهواتف الذكية. قصة لافتة ترويها صحيفة «واشنطن بوست» التي ترى ما يحدث بات أشبه بـ «تمرين روتيني يومي سلس.. إذ إنها عادات في زمن الحرب أصبحت طبيعة ثانية في أوكرانيا». القلق مستمر بعد 16 شهرا من الحرب، اعتاد مواطنو العاصمة الأوكرانية، المدينة الحيوية والمتطورة التي تنتشر فيها المقاهي في كل زاوية تقريبا، منذ فترة طويلة، على التحذيرات اليومية من الغارات الجوية، إذ يسارع البعض إلى محطات مترو الأنفاق أو الملاجئ الأخرى، لكن كثيرين لا يحركون ساكنا ويراهنون على نظام الدفاع الجوي للمدينة لإسقاط الصواريخ أو الطائرات من دون طيار الروسية، وينتظرون تطبيقا حكوميا يخبرهم عندما ينتهي الخطر. وتنقل الصحيفة الأمريكية عن كاترينا لوباتشوك (35 سنة)، مديرة الإنتاج في مركز تجاري «لسوء الحظ، اعتدنا على ذلك.. نتصل بأصدقائنا وعائلاتنا للتأكد من أنهم بخير، لكننا نثق في دفاعاتنا الجوية، في أعماقنا ما زلنا قلقين، ولكن عليك أن تظل هادئاً وتواصل حياتك». قصص طويلة ومثل عشرات الآلاف من الأشخاص الآخرين في كييف، كانت لوباتشوك تعيش في مبنى شاهق عندما غزت روسيا بلادها، وبعد فترة وجيزة، انتقلت إلى منزل صغير في الضواحي. وقالت «شعرت بأمان أكثر لكوني قريبة من الأرض». وتتذكر يوليا أوبلينسكي، صاحبة محل لمستحضرات التجميل، البالغة من العمر 46 عاما، انفجارا دفع المشاة والسائقين إلى التسابق للاحتماء. وسرد رجل قصة طويلة ومعقدة عن محاولته نقل والدته المريضة وأطفاله الصغار إلى بر الأمان عندما تعرضت كييف للهجوم لأول مرة. وبينما كان يتكلم، اغرورقت عيناه بالدموع. وقال الرجل، وهو عامل مكتب في الخمسينيات عرف عن نفسه بأنه «أوليه» «لم نكن نعرف إلى أين نذهب لم يكن لدينا ما يكفي من المال لمغادرة البلاد، ولم تكن هناك منطقة آمنة في أي مكان. لم أكن أعرف كيف أحمي عائلتي». أمور هادئة وعلى بعد ثلاثة مبان، تؤدي السلالم الرخامية لمحطة مترو أنفاق تيترالنا إلى سوق مزدحم يضم مخبزين ومتجر إلكترونيات وبائع زهور مع مزهريات من الورود والزنابق المستوردة حديثا، ويؤدي درج آخر إلى الطابق السفلي حيث تسير القطارات.. تفتح أبوابها تلقائيا عند انطلاق صفارات الإنذار للغارات الجوية حتى يتمكن الناس من النزول إلى مناطق آمنة. وتمتلك بولينا كيرنيشكو (67 عاما)، محلا لبيع الزهور منذ 20 عاما، لكنها أغلقته معظم العام الماضي، وأصبحت الأمور الآن أكثر هدوءا والعمل مزدهرا، لكنها تبقى دائما مستعدة للهرب والاحتماء في كل لحظة. وقالت بابتسامة واثقة «سمعت صفارات الإنذار صباح أمس.. أحيانا أرتجف عندما تكون صفارات الإنذار طويلة ويبدأ الناس في الركض.. لكنني أتبعهم حتى ينتهي القصف».
مشاركة :