وصف الرئيس الصيني شي جين بينغ أفريقيا، في كلمته التي ألقاها خلال الجلسة الافتتاحية لقمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي التي عقدت عام 2018 في بكين، بأنها أرض تحمل وعودا كبيرة، وبأنها قارة مليئة بالأمل. وأضاف أن أحدا لا يستطيع عرقلة الشعب الصيني أو شعوب أفريقيا وهي تخطو قدما نحو النهوض. يدل خطاب الرئيس شي على أن للقارة السمراء مكانة كبيرة لدى الصين، التي تسعى مع الدول الأفريقية لتحقيق التنمية، والمساهمة في إحلال الأمن والسلام والاستقرار فيها. فالصين ترى أن تحقيق التنمية هو الحل الأنجع لإحلال السلام في أفريقيا. ترتبط الصين والدول الأفريقية بعلاقات قوية ومتينة ازدادت خلال السنوات الأخيرة، إذ تعد الصين أكبر شريك تجاري للقارة ومستثمرا بارزا في مشروعات البنية التحتية. فقد قفز حجم التبادل التجاري بين الجانبين خلال عام 2022 ليصل إلى مستوى قياسي بحدود 282 مليار دولار أمريكية، بزيادة بلغت نسبتها 11% على أساس سنوي. وقد بلغ إجمالي صاد ارت الصين إلى أفريقيا 49ر164 مليار دولار أمريكي خلال الاثني عشر شهرا حتى ديسمبر 2022، بزيادة قدرها 2ر11% على أساس سنوي، وارتفعت وارداتها من القارة لتصل إلى 51ر117 مليار دولار أمريكي في الفترة نفسها. وارتفع حجم التبادل التجاري بالرغم من القيود التي كانت فرضتها الصين بسبب سياسة "صفر كوفيد". ومن بين أكبر الشركاء التجاريين للصين في أفريقيا، أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وتهدف الصين إلى زيادة وارداتها من أفريقيا لتصل إلى 300 مليار دولار أمريكي خلال الأعوام القادمة. ومن ناحية أخرى تعد الصين أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا، إذ بلغ حجم الاستثمار الصيني في القارة الأفريقية 99ر4 مليارات دولار أمريكي في عام 2021. وأفريقيا سوق مهمة للبضائع الصينية، إذ تصدر الصين إليها الآلات والإلكترونيات والملابس وغيرها، فيما تتركز وارادتها من القارة السمراء على السلع الأولية والمواد الخام والموارد الطبيعية كالنفط والحديد والألماس والليثيوم والكوبالت، فضلا عن المنتجات الزراعية. وبنت الشركات الصينية المستشفيات والمدارس والبنى التحتية والمرافئ والمطارات، ولديها مشروعات في التنمية الخضراء، وتتعاون الصين مع الدول الأفريقية لمعالجة التغير المناخي. وأثناء تفشي كوفيد- 19، أرسلت الصين المساعدات الطبية واللقاحات لبعض دول القارة لمساعدتها في مواجهة الفيروس، كما تمول بكين مشروع بناء مقر المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في إثيوبيا. للصين مكانة مميزة لدى الدول الأفريقية، فبكين دعمت حركات التحرر والنضال للشعوب الأفريقية، في سبيل تحقيق الاستقلال. كما أنها لا تفرض شروطا سياسية أو اقتصادية مقابل تقديم المساعدات للدول الأفريقية، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية الأفريقية، ولا تسعى لتحقيق مصلحة سياسية لنفسها خلال الاستثمار والتمويل في أفريقيا، بل تقوم العلاقات بين الجانبين على أساس الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة والعدالة، ومبدأ رابح- رابح. وتلتزم الدول الأفريقية بمبدأ "الصين الواحدة" وتدعم بكين في المحافل الدولية، ولها دور كبير ومهم في مبادرة "الحزام والطريق" التي انضم إليها حتى مارس من هذا العام 49 دولة أفريقية. بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي، تسعى الصين إلى تأمين الاستقرار والسلام في القارة، فقد انخرطت بكين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في أفريقيا. وبحسب الكتاب الأبيض الذي أصدره مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني في عام 2021 بعنوان "الصين وأفريقيا في العصر الجديد: شراكة متساوية"، فإن أكثر من 80% من قوات حفظ السلام الصينية تم نشرها في أفريقيا، وذلك منذ أن شاركت الصين لأول مرة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في عام 1990. وحاليا، تتواجد قوات حفظ السلام الصينية في مالي، جمهورية الكونغو الديمقراطية، أبيي، جنوب السودان، الصحراء الغربية. وتلعب قوات حفظ السلام الصينية دورا كبيرا في تأمين الاستقرار في المناطق الموجودة فيها، وقدم أفرادها التضحية بأنفسهم في سبيل السلام، فمثلا أسفر هجوم إرهابي في مالي عام 2016 على معسكر تابع للأمم المتحدة عن مقتل أحد أفراد قوات حفظ السلام الصينية. وبالإضافة إلى حفظ السلام في المنطقة المتواجدة فيها، تقدم قوات حفظ السلام الصينية الخدمات الصحية، وتقوم بالكشف عن الألغام، وصيانة المطارات، وتجديد الطرق، وبناء الجسور. وفي إطار جهودها لدعم السلام والأمن في القارة، عينت الصين العام الماضي مبعوثا صينيا للقرن الأفريقي، والذي عرض التوسط في النزاعات على أساس إرادة دول القارة. كما رعت الصين العام الماضي في أديس أبابا مؤتمرا حول السلام والتنمية في القرن الأفريقي، يهدف لتوفير منصة لدول المنطقة لتسوية خلافاتها من خلال المفاوضات في محاولة لحل النزاعات هناك، وعقد المؤتمر في أديس أبابا. تعمل الصين مع الدول الأفريقية لتنفيذ سبعة برامج أعلنها الرئيس شي جين بينغ في كلمته خلال افتتاح الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي عام 2021. وتتناول هذه البرامج: البرنامج الصحي والطبي، برنامج الحد من الفقر والتنمية الزراعية، برنامج تعزيز التجارة، برنامج تعزيز الاستثمار، برنامج الابتكار الرقمي، برنامج التنمية الخضراء، برنامج بناء القدرات، برنامج التبادل الثقافي والشعبي، وبرنامج السلام والأمن. ونظرا لموقع الدول الأفريقية المهم في مبادرة "الحزام والطريق" والمنافع التي ستعود على الجانبين من خلال هذه المبادرة يعمل الطرفان على ربط مبادرة "الحزام والطريق" مع تنفيذ أجندة الاتحاد الأفريقي 2063، وجدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة للأمم المتحدة. تتهم الصين بأنها تغرق الدول الأفريقية بالديون، وهذه مزاعم لا أساس لها من الصحة. فالصين مشارك نشيط في مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين التي أطلقتها مجموعة العشرين، كما أنها وقعت اتفاقيات أو توصلت إلى توافقات مع 17 دولة أفريقية بشأن تخفيف الديون. ومؤخرا، خلال زيارة وزير خارجية الصين تشين قانغ إلى أفريقيا، تم توقيع اتفاقيات بين الصين وكل من بنين وإثيوبيا لإلغاء جزء من ديون الدولتين. ستواصل الصين العمل مع الدول الأفريقية لتعميق التعاون، وستزيد من استثماراتها في القارة السمراء، وستعمل لتحقيق التنمية المشتركة ولإحلال السلام والأمن والاستقرار والازدهار وبناء رابطة المصير المشترك بين الجانبين في العصر الجديد.
مشاركة :