صباح اليوم تنطلق في إيران واحدة من أهم الانتخابات في تاريخ البلاد، ذلك أن نتائجها تكشف عن الخفايا والنيات الإيرانية الحقيقية، وما إذا كانت رهانات الغرب عامة، والولايات المتحدة خاصة، على تغيير المسارات السياسية هناك، لصالح من يوصفون بأنهم الجناح المعتدل، هي رهانات صائبة، في مواجهة عتاة المحافظين وكبار المتشددين. يسعى الإيرانيون صباح اليوم لاختيار أعضاء مجلس الشورى، ومجلس الخبراء الذي يتولى تعيين وإقالة المرشد الأعلى ويشرف على أعماله، ويسيطر المحافظون على المجلسين حتى الساعة. يذهب اليوم أكثر من خمسين مليون إيراني لانتخاب 290 عضوًا لمجلس الشورى، و88 لمجلس الخبراء، أما المرشحون فلا يتجاوز من يطلق عليهم المعتدلون أو الإصلاحيون بضع عشرات في مواجهة ثلاثة آلاف مرشح من المتشددين والمحافظين، ما يعني أن نتيجة هذه الانتخابات تكاد تكون محسومة مسبقًا لصالح رجالات الدولة الثيؤلوجية. هل تتمتع هذه الانتخابات بأي مسحة ديمقراطية أم أنها انتخابات إقصائية سلطوية؟ إذا افترضنا جدلاً أن هناك تيارًا إصلاحيًا معتدلاً، كان ولا يزال يحاول تعزيز فرصته في المشاركة في حكم البلاد، وتغيير دفة الأحداث فيها، فإن الواقع يؤكد أن مجلس صيانة الدستور الذي يشرف على الانتخابات ويهيمن عليه المحافظون، قد قطع الطريق على هؤلاء وأولئك، لا سيما الشخصيات البارزة من الإصلاحيين الذين اضطروا إلى خوض المعركة من خلال مرشحين من أصحاب الوجوه غير المعروفة ولا المألوفة للناخب الإيراني، وقد وصل الأمر إلى أن رفض مجلس صيانة الدستور ترشيح حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية حسن الخميني لمجلس الخبراء، حيث تلاحقه تهمة أنه مقرب من الإصلاحيين، فيما جاء التبرير من المجلس يحمل انتقاصًا من الرجل، ووصفه بأنه ليس لديه الإلمام الكافي بشؤون الفقه لترشيح نفسه للانتخابات. هل ظهر وجه إيران الحقيقي في تصريحات بعينها الأيام الماضية؟ خذ إليك ما قاله مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، الأيام القليلة الماضية، من أنه على يقين بأن الانتخابات البرلمانية ستنتج برلمانًا قويًا قادرًا على الوقوف في وجه القوى الأجنبية والولايات المتحدة.. ماذا تعني تلك الكلمات؟ قد تفيد ساكن البيت الأبيض بأن رهانه على الاعتدال الإيراني قضية خاسرة زائفة، في المبتدأ والخبر، إن لم تكن له أهداف أخرى، لا تخفى كثيرًا على أحد مؤخرًا، ضمن سياقات حلف المصالح المشتركة الذي ينطلق من إيران ويمر بتل أبيب ويصل إلى واشنطن. لا يعتد خامنئي بالاتفاق النووي، ولا يراه بداية لطريق تصالحي تسامحي مع الغرب، ينهي عداوة دامت لأكثر من ثلاثة عقود، ولهذا فهو قاطع الرأي بأن الأمة الإيرانية ستصوت من أجل برلمان يضع كرامة إيران واستقلالها أولاً، ويقف في مواجهة القوى الأجنبية التي «محونا نفوذها على إيران». ما الذي يجعل حظوظ المتشددين هي الأعلى في انتخابات اليوم؟ باختصار غير مخل، لا مكان في عقلية الدولة الدينية الإيرانية وملاليها للدمقرطة الغربية، ولا للطروحات السياسية العصرية، فحتى لو كان خامنئي قد وافق على الاتفاق النووي، إلا أنه لا يزال يثير الخوف في أوصال الإيرانيين ويحذر مما يسميه «التسلل السياسي والاقتصادي والثقافي الأميركي إلى داخل إيران»، ليس هذا فحسب، بل إنه وقبل انتخابات اليوم بساعات روّج خامنئي بأن هناك مؤامرة أميركية تستهدف إيران، وكتب، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أن «صمت الرئيس الأميركي باراك أوباما والمسؤولين هو بدافع الخوف»، مضيفًا: «كان الرئيس الأميركي يسعى بوضوح لتثبيط الإيرانيين عن التصويت قبل يومين فقط من الانتخابات، وتصرف الناس على عكس ذلك، وشاركوا بنشاط أكبر».. عن أي مؤامرة يتحدث خامنئي؟ ليس واضحًا بالضبط مقصده، لكن يبدو أن الأمر له علاقة ما بأسعار النفط، وما تتعرض له من تدهور سريع، ولهذا عاد من جديد شعار «الموت لأميركا»، يتردد في جنبات البلاد، من قبل المحافظين، وهو ما حدث بالفعل في تجمع انتخابي للمرشح غلام علي حداد في أحد مساجد طهران، الذي أشار إلى أنهم ورغم دعمهم للمفاوضات النووية، فإنهم لا يثقون بالولايات المتحدة حتى فرضت عقوبات جديدة، ودفعت في اتجاه خفض أسعار النفط، لكي لا تحقق إيران مداخيل مالية عالية. نظرية الشك والريبة الإيرانية للغرب ستدفع ولا شك المحافظين إلى الصفوف الأولى، لا سيما أن 80 في المائة من الاقتصاد الإيراني تتحكم فيه المؤسسة الدينية الإيرانية، والحرس الثوري، وهناك مؤسسة «خاتم الأنبياء»، ومؤسسة «ستاد» التي يشرف عليها خامنئي نفسه، حيث مليارات الدولارات تستغل للتحكم في الإيرانيين في الداخل، ولمد الأذرع في الخارج. كيف سيكون المشهد إذن وبعد الإفراج عن نحو مائة وخمسين مليار دولار من الأموال المجمدة في الغرب لصالح نظام الملالي؟ هل هذا هو الاستقرار الذي تتطلع إليه واشنطن في الخليج العربي أم أنه «الفوضى غير الخلاقة»؟ نتائج انتخابات اليوم في طهران حكمًا ستضع الغرب أمام حقيقة «العمى الاستراتيجي» الذي أصاب مقدراته في الأعوام الماضية، وعليه أن يدفع الثمن كاملاً لإخفاقاته السيزيفية.
مشاركة :