تصف الناقدة د.نادية هناوي النسوية بأنها عمومية أولا: لأن العمومية مصطلح أوسع من أن يكون دعوة اصلاحية ورغبة في المساواة أو رؤية تبشيرية بالتحرر والانعتاق، وثانيا: لأن النسوية غير متناهية حين ينظر إليها بمنظار حياتي خارج نصي، وهي لا نهائية حين توجه إليها مهام إنسانية ما بعد نوعية، وهي لا تخصصية حين يتوقع منها أداء أغراض وتحقيق غايات فوق اعتيادية لتكون النسوية هي السياسة والاجتماع، وهي اللغة والتاريخ، وهي الفلسفة والدين، وهي الجنس والنفس، وهي الميثولوجيا والانثروبولوجيا. وتنطلق هناوي في رؤيتها هذه للنسوية من مقولة يورغن هابرماس "العمومية وثبة إلى خارج الإعادة.. وفي نهاية المطاف تدمير الخط المتصل لكل التواريخ" مؤكدة أن النسوية ما زالت محجّمة الفعل والتوصيف فلا ينظر إليها إلا بوصفها حركة سياسية أو تنظيما اجتماعيا أو تجمعا حزبيا أو حقوقيا، له مطالب محددة كأي تيار فكري جنساني وبيداغوجي يسعى إلى تأكيد حضور ما أو توطيد مسارات وتوجهات تكسبه تأييداً يؤهله لأن يتخصص في ميدان من الميادين البحثية؛ إلى آخر ذلك من المحددات والتحديدات التي هي في تخصصيتها تحرف الحقيقة النسوية وتعيق إمكانياتها وتغيب ماهيتها وأهمية أدوارها الفاعلة والإنجازية. أما ما يجعل النسوية عمومية فهو ما تجده د.هناوي متحققا في الاشتمال على قطبين: الأول تمثله المرأة كمفرد والآخر تمثله النساء كمجموع. وباستقطاب أحدهما للآخر تأملاً وترقباً وتوازناً وجذباً تغدو النسويّة عموميّة حيث المجموع لا يحوز على مكانة الفرد، والكل لا يسود كنظام على حساب الجزء؛ بل المجموع يكمل واحده وهو المرأة المعبر عنها كينونة غير منفصلة عن هذا المجموع ولا مجتزأة سواء في امتلاك أفكارها التي تماشي طبيعتها أو في التعبير عن نفسها مستقلة في نزعاتها ونواياها ومؤثرات وعيها وبخيوط فكرية حركية ووجهات نظر جوهرية مشبعة وموسعة، فيها يغدو المجموع النسوي عاكسا المرأة في انفرادها وموطدا انعكاس النساء في هذه المرأة أيضا. وحينها تكون مبررات توحد الجزء بالكل هي نفسها مبررات استقلال الجزء عن الكل، فلا تُشطَر النسوية العمومية ولا تُقطع ولا تتناقض؛ لأنها المرأة مفكرة في نفسها لنفسها بانية ذاتها من خلال خصخصة شخصيتها متحصنة ومرئية غير متماهية ولا مغيبة. فهي ليست عابرة ولا مفرطة بلا نظام هارموني ينتمي لنظام نسوي هو دائم ومبجل ومتوازن ومزدوج وواقعي، يعترف بالمرأة كيانا منه يتشكل الجوهر والتاريخ. يدور الكتاب في اطار مفهوم اجترحته د.هناوي هو مفهوم النسويّة العموميّة وقصدت به رؤية متبادلة لمجموع نسوي شمولي ذي قوى محورية، وخصصت فصول كتابها الخمسة لتحديد هذه الرؤية وكيفيات العمل على وفقها ومن ذلك ضرورة أن تكون الذات المفردة في صيرورة مع الذوات التي تشبهها، تعمل للحاضر وتستشرف المستقبل بالنظريّة والتطبيق، فتتجاوز هفواتها وتعالج شروخ كيانها، مصححة مسارها بما يلائم تجاربها ويماشي أغراضها وتطلعاتها، وبالشكل الذي يوصل إلى ان تقدم المرأة نفسها لغة وهوية وانتماء وكيانا مستقلا ومتماهيا في فرديته بالكليّة النسويّة. وترى د.هناوي أن ذلك كله سيؤدي إلى أن الجمع بين الفرديّة والكليّة فتتكامل النواقص وتستكمل الاحتياجات وتغدو النسويّة العموميّة مشروعا فكريا وإستراتيجية عملية في داخلها وخارجها، وفي وسائلها وأغراضها الحسية منها والتجريدية، حاضرا ومستقبلا، تاريخا واجتماعا، تفصيلا وإجمالا. فتتوطد بالنسويّة العموميّة قواعد الفكر بدينامية الواحد في الكل والكل في الواحد. وتضيف "ما من شيء يمنح المرأة توكيد ذاتها مثل أن يكون فكرها محوريا ومستقلا، به تدلل على وعيها وأهمية دورها وتأثيرها في ما حولها، ومن خلاله أيضا تثبت تمتعها بقابليات فكرية تنطوي على سمات متنوعة ومتجانسة فيها النسويّة هي الهيكل والتصميم وهي المادة والصيرورة. وتقول د.هناوي أن الفكر المحوري يخدم النسويّة العموميّة من ناحية تجسيده لأغراضها كفكر حر ذي علاقات مترابطة وخطوط متبادلة، به تدافع المرأة عن نفسها مثلما تدافع عن غيرها وتتكلم على غرار ما تكتب، وتتعاطف حين يقتضي منها الموقف التعاطف ولكن باستحكام، وتتقارب حين يستدعي منها الموقف التقارب لكن بحياد، وتتوحد في إبداعها حين تكون منابع قوتها نقيّة تشحذ أفكارها بالوعي النشط والمتوقد، مفصحة عن نشاطها المادي والروحي متمثلة مركزها رصينة ومتوازنة ومبالية وواثقة ومرتبة وذاتية لا تسيطر على الآخر ولا تقبل التبعية له، ولا تستبعد التفكر فيه ومن دون أن تتكئ على التكهن والصدفة والمفاجأة. وتتابع "من هنا يغدو الفكر محورياً وهو يمنح النسويّة العموميّة مساحة للمناظرة والإقناع ومعمارا من الجدال والحجاج بحياديّة وواقعيّة محتواة في الضرورة والحتميّة. فالفكر سلاح من أسلحة النسويّة في المقاومة لا الهجوم. وتكمن فاعليته في التجريد الذي به تُختبر الأشياء وتُجرب بدأب وموهبة فتتجلى قوة فكر المرأة في سعة النسويّة وتنعكس في مرآة المرأة المستقلة مركزيّة النسويّة التي تجد تكاملها في الذكوريّة شمولاً وتحديداً. إذ من غير الممكن أن نتحدث عن فكر محوري ونحن نهمش أو نتجاهل الذكوريّة التي لها فكرها أيضا. وبتعامد الفكرين كمحورين متكافئين ومتغايرين تكون الفلسفة عبارة عن قوة جدليّة اتحاديّة خفيّة بحتميّة موضوعيّة ووعيّ إنسانيّ يرى الواقع من خلال نشاط الإنسان بوصفه كياناً لغوياً ذا طبيعة حيوية، تتموضع في لغته أفكاره التي يظهرها حين يكون واعياً لها ومقتنعاً بها ومسموحاً له التدليل عليها.ولأهمية الفكر بالنسبة للنسويّة العموميّة؛ فإن تجسده يظل رهناً بالكيان المؤنث وما يتصل به من قضايا داخلية صميمية كقضية الهوية والآخر والجندر والجسد والأنوثة والقوة والذاكرة والموضة إلى جانب قضايا خارجية لها صلة بأسلوب الكتابة من الناحية اللغوية والتاريخية وتصنيف الخصائص الفردية للمضمون والشكل ونظريات التواصل والأسلوبية وغير ذلك مما له صلة بالعمليّة الإبداعيّة.
مشاركة :