الخرطوم - قال شهود إن سكان مدينة كادقلي في جنوب غرب السودان بدأوا الفرار من المدينة اليوم الخميس مع تصاعد حدة التوتر بين الجيش وجماعة متمردة، ما يهدد بفتح جبهة صراع أخرى في الحرب الدائرة بالبلاد، في أحدث مؤشر على أن البلد ينفتح على أكثر السيناريوهات دموية. ويأتي الحشد حول كادقلي، وهي عاصمة ولاية جنوب كردفان، بعد عشرة أسابيع تقريبا من بدء القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية والذي يدور أغلبه في العاصمة الخرطوم. وتقع حقول النفط السودانية الرئيسية في ولاية جنوب كردفان التي تشترك في حدودها مع ولاية غرب دارفور ودولة جنوب السودان. واتهم الجيش السوداني الأربعاء الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو بانتهاك اتفاق قائم منذ فترة طويلة لوقف إطلاق النار وبمهاجمة إحدى وحداتها في كادقلي. وتسيطر الحركة على أجزاء من ولاية جنوب كردفان. وقالت قوات البرهان إنها تصدت للهجوم، مقرّة بتكبد خسائر. وقال سكان إن الضربات الجوية للجيش خلال قتاله مع قوات الدعم السريع أصابت اليوم الخميس مناطق بجنوب الخرطوم وإن قوات الدعم السريع ردت بالأسلحة المضادة للطائرات. وقال السكان إن الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع دولة جنوب السودان هاجمت الجيش في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان الأربعاء وهو ما فعلته أيضا قوات الدعم السريع. وذكر سكان كادقلي أن الجيش أعاد نشر قواته اليوم الخميس لحماية مواقعه في المدينة، بينما يتجمع أفراد الحركة الشعبية في مناطق بضواحي المدينة. وأشاروا لانقطاع الكهرباء والاتصالات بالإضافة إلى تناقص إمدادات الأغذية والمستلزمات الطبية. وأدت الحرب إلى اندلاع العنف في دارفور وتكبدت مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور أفدح الخسائر جراء ذلك. وشهدت مدينة نيالا، وهي عاصمة ولاية جنوب دارفور وإحدى أكبر مدن السودان، اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في الأيام الماضية بعد فترة من الهدوء وذلك في ظل انقطاع الكهرباء والاتصالات. وقال شهود إن قوات من الجيش وقوات الدعم السريع انتشرت على نطاق واسع في أنحاء مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور اليوم الخميس في استعداد على ما يبدو للقتال وهو أمر تسبب في إغلاق السوق الرئيسية. وقالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في اليوم الخميس إن الولايات المتحدة أرجأت المحادثات بشأن السودان لأن الصيغة المتفق عليها لا تحقق النجاح المنشود. وأبلغت في لجنة فرعية للشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي بأن اتفاقات وقف إطلاق النار لم تكن فعالة بشكل كامل لكنها سمحت بنقل المساعدات الإنسانية العاجلة. وترعى السعودية والولايات المتحدة منذ 6 مايو/آيار الماضي محادثات بين الجيش السوداني والدعم السريع أسفرت في 11 من الشهر ذاته عن أول اتفاق في جدة بين الجانبين للالتزام بحماية المدنيين وإعلان أكثر من هدنة وقع خلالها خروقات وتبادل للاتهامات بين المتصارعين ما دفع الرياض وواشنطن لتعليق المفاوضات. وتسببت الحرب الدائرة منذ منتصف أبريل/نيسان في نزوح أكثر من 2.5 مليون شخص عن ديارهم وهددت بزعزعة الاستقرار في دول مجاورة تعاني هي الأخرى من الصراع والفقر والضغوط الاقتصادية. وتؤكد المنظمات الإنسانية باستمرار عجزها عن تقديم المساعدات اللازمة للنازحين خصوصا أن العاملين الأجانب فيها لا يزالون بانتظار الحصول على تأشيرة دخول فيما يعاني العاملون المحليون أنفسهم من الحرب واضطروا إما الى النزوح أو الاختباء في منازلهم خوفا من المعارك.. أو باتوا منهكين تماما. أما الانتاج المحلي فيتقلص بشدة وتتعرض الصناعات الغذائية، التي انهارت بسبب حظر دولي على مدى عشرين عاما في عهد الرئيس السابق عمر البشير الذي أطاحته انتفاضة شعبية في العام 2019، للقصف شأنها في ذلك شأن المنازل والمستشفيات. الخرطوم - يتجه الوضع في السودان إلى مزيد من التصعيد وتمدد الحرب واتساع نطاقها لتشمل حركات متمردة مسلحة وتضم عشرات آلاف المقاتلين، مستغلة حالة الانقسام التي فجرها الجيش السوداني بداية بانقلاب على الشركاء المدنيين في الحكم وصولا إلى دفع قوات الدعم السريع التي كان قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) شريكا في مجلس السيادة الانتقالي إلى مواجهة عسكرية لم تكن ترغب فيها واضطرت لدخولها بعد أن تبين لها هيمنة قيادات اخوانية على الجيش وعودة فلول النظام السابق لدوائر الدولة والقوات المسلحة. وفي سيناريو لطالما حذرت منه قوى سودانية، قال سكان في ولاية جنوب كردفان السودانية إن الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال المتمردة حشدت قواتها اليوم الخميس مما أثار مخاوف من انتشار الصراع الداخلي في مناطق جنوب البلاد. ويقود الحركة المتمردة عبدالعزيز الحلو وتضم نحو عشرات الآلاف من الرجال بالإضافة إلى الأسلحة الثقيلة. وقال سكان إنه لم يتضح بعد الموقف الذي قد يتخذه الحلو في الصراع الذي اندلع في العاصمة الخرطوم في 15 أبريل/نيسان بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن حشْد قواته أثار مخاوف من وقوع اشتباكات. وأضافوا أن قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال التي تنشط حاليا بصورة رئيسية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، دخلت عدة معسكرات للجيش حول كادقلي عاصمة جنوب كردفان، مما دفع الجيش إلى تعزيز مواقعه. وأفادوا بأن قوات الدعم السريع أغلقت الطريق بين كادقلي والأبيض الواقعة شمالا. ووقعت في الأشهر القليلة الماضية اشتباكات بين الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال وقوات الدعم. وفي العاصمة الخرطوم التي يتركز فيها القتال، تحدث سكان عن وقوع معارك متفرقة وضربات جوية اليوم الخميس. وتضمنت المعارك اشتباكات في جنوب الخرطوم حول مجمع عسكري يحوي مصانع أسلحة يسعى الجيش لاستعادة السيطرة عليه من خصومه شبه العسكريين. وتسببت الحرب في أزمة إنسانية كبيرة تهدد بزعزعة استقرار المنطقة. ونزح أكثر من 1.4 مليون شخص داخل السودان وفر 476800 آخرين إلى بلدان مجاورة. وخارج العاصمة، تندلع الاضطرابات في إقليم دارفور بغرب السودان والذي يجد صعوبة بالفعل في التعافي من تأثير صراع ونزوح على مدى عقدين. وفي الجنينة بغرب دارفور، المدينة الأكثر تضررا من أعمال العنف في الآونة الأخيرة، قتل محام كان يعمل في قضايا النازحين وثمانية من أفراد عائلته في هجوم على منزلهم هذا الأسبوع، وفقا لنقابة المحامين في دارفور وهي مجموعة تراقب الصراع. وقالت جماعة طبية إن موجة جديدة من الهجمات بدأت أمس الأربعاء في المدينة التي تشهد انقطاع الاتصالات منذ عدة أسابيع. واشتد القتال في الخرطوم ومدينتي بحري وأم درمان المجاورتين منذ انتهاء وقف إطلاق نار استمر 12 يوما بين الجيش وقوات الدعم السريع رسميا في الثالث من يونيو/حزيران. وقد تعرض وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه السعودية والولايات المتحدة في محادثات جدة لانتهاكات متكررة لكنه سمح بتوصيل كميات محدودة من المساعدات الإنسانية. وقال وسطاء لرويترز إن هناك اقتراحا طُرح في مشاورات غير مباشرة في جدة لإقرار هدنة مدتها 24 ساعة ستخضع لرقابة أشد من الهدنة السابقة. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أمس الأربعاء إن محادثات جدة لم تُستأنف رسميا لكن واشنطن ما زالت على "تواصل وثيق" مع الجانبين. وعرقل الصراع في السودان مسعى الانتقال نحو حكم مدني بعد أربع سنوات من انتفاضة شعبية أطاحت بالرئيس عمر البشير بعد ثلاثة عقود من حكم استبدادي. وأعلنت الحكومة السودانية الخميس أن مبعوث الأمم المتحدة الألماني فولكر بيرتس الذي تحمّله منذ أسابيع مسؤولية الحرب الجارية، شخص غير مرغوب فيه في البلاد. وقالت وزارة الخارجية السودانية في بيان إن "حكومة جمهورية السودان أخطرت الأمين العام للأمم المتحدة انتونيو غوتيريش بإعلان بيرتس شخصا غير مرغوب فيه اعتبارا من تاريخ اليوم". وكانت الأمم المتحدة أعلنت قبيل ذلك في تغريدة على تويتر أن المبعوث الاممي يزور الخميس أديس أبابا بإثيوبيا لإجراء سلسلة محادثات دبلوماسية. وكان البرهان طالب من قبل بإقالة الدبلوماسي الكبير واتهمه بأنه مسؤول عن الحرب. وفي رسالة موجهة إلى الأمم المتحدة، اتهم البرهان بيرتس خصوصا "بإخفاء" الوضع القابل للانفجار في الخرطوم قبل اندلاع المعارك، في تقاريره. وكان فولكر بيرتس في نيويورك عندما وجه البرهان رسالته الاتهامية. ولم تمنح سلطات السودان تاشيرات دخول لأجانب منذ بدء النزاع. وأكد غوتيريش حينذاك "ثقته الكاملة" في مبعوثه. لكن في بداية يونيو، مدد مجلس الأمن الدولي لستة أشهر "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان" (يونيتامس) وعلى رأسها بيرتس. وكانت هذه البعثة أنشئت في يونيو 2020 لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان بعد سنة على سقوط الرئيس عمر البشير. ومددت مهمة البعثة كل سنة لمدة عام واحد.
مشاركة :