بيروت هيلة ناصر: من نور الظلال، أراد الفنان علي طلال سلمان أن يرسم بريشته واقع المدن، كما يراها مبعثاً للفرح رغم الواقع الحزين.. تماماً، كما رسم وجوه البورتريه منطلقاً من العقلية ذاتها، فنان متشعب المواهب الفنية، الرسم كما النحت والتصوير ميدانه، هاجسه كل ما يدور في فلك الفن، يعود إلى العرض التشكيلي، بعد غياب ما يزيد على العشر سنوات، بمعرض فردي، هو الثاني له، ليقدّم رؤية وتجربة فنان بأسلوب فردي يتشارك مع المتلقي في نظرته لقيمة محتوى العمل الفني، حتى تغدو لوحاته قريبة إلى نبض الناس وأحلامها. 42 عملاً بأحجام متوسطة وصغيرة توزعت في قاعة دار الندوة، راعى فيها توزيع اللوحات، وفق منطق الموضوع. المدينة ومؤثراتها، البورتريه، ومشاهد طبيعية، نفذت جميعها بألوان الأكليريك، بأساليب متنوعة. في تناوله موضوع المدينة، الذي يتبناه كمشروع تشكيلي هادف، يقول: هو عملية تجميل وإعادة إحياء أشباح لمدينة يُفرض عليها القبح، للأسف بتنا نتحسر على الماضي الذي كنا نشتمه في الماضي. يضيف بعض اللوحات حيث الأضواء المنبعثة من المدينة رسمتها نتيجة التأثر بوضع غزة، والمدن التي تربَّينا فيها، لذا هدفت إلى أن أُبرز الجمال من دون النظر إلى القبيح الذي بتنا نراه على شاشات التلفزة، كأنه مشهد طبيعي اعتيادي. لا يقيّد الفنان نفسه بحدود مكانية للمدينة التي يرسمها، فيقول كل لوحة مؤسسة من أكثر من مدينة، إنها المدن التي سكنتها وتأثرت بها، سواء في الشام، القاهرة، باريس.. أو مدن عبور السبيل، ويضيف ما أضعه دائماً على اللوحة هو منظر طبيعي، يمكن لأي كان أن يشعر بالانتماء له، منظر جامع لكي يشعر به، كونه هو من سيمتلك إحدى ذكرياتي على قطعة من القماش وبعض الألوان، وسيأخذها له وليس للاحتفاظ بها، في الخزانة، حيث وجد أن أفضل وسيلة لكي يتبلور ذلك أن يرسم بالطريقة الأقرب إلى القلب، لأن أغلب المبدعين رسموا المباني بأدق تفاصيلها، وكان بإمكان الكاميرا أن تؤدي المهمة. في لوحات الطبيعة، المجردة من المدينة، يبدو الأمر مختلفاً، يقول في هذا الصدد الحب لها يقتصر على أن أفرح بها لنفسي، بينما المدينة هي المكان الذي أكتشفه بريشتي. بين معرضه الحالي، وما سبقه، لا يبتعد سلمان عن فكرة يؤسس عليها، كأسلوب متميز في الرسم، محورها أن كل ما رسمه كان على ضوء الشمعة بالليل، أو على مساحات يتسلل إليها الضوء عبر الستائر المغلقة، ويعلل بقوله: عند انقطاع التيار الكهربائي تصبح اللوحات سوداء على الحائط وتخسر تفاصيلها بانتظار الضوء ليتعرف الناس إليها.. قررت أن أعطيها الحياة لكي لا ينقطع النفس عنها، ولكي لا تصبح جزءاً من الحائط من دون مبرر. من هنا أهمية الاسم (نور الظلال) لأنه النور من دون ضوء مباشر أو من خلال ضوء خافت.. رسمت الأحياء دائماً والنوافذ مضاءة. يشير سلمان إلى خصوصية طفولية تطبع رسومه، فيعود إلى مرحلة من حياته كان يود حينها تذكر شيء، حين كانت تحكمه عقلية الولد الصغير الهارب من الدخول في التفاصيل والهموم. بالنسبة لاعتماده الأسلوب التجريدي أكثر من الواقعي، يُفسر ذلك بالقول: كونه يسمح للمشاعر أن تبرز بحرية أكثر، كما أن حرية اللون مطلقة ومفتوحة وغير تابعة لمعيار. وهو يضيف أن لكل فنان حرية تحديد المعايير التي ينطلق من خلالها، حيث قرر هو السير على خطى غير محددة مبدئياً، فهو لا يعتمد أسلوباً محدداً، وبشكل عام لا ينتمي لمدرسة محددة بالرسم، بل لفئة من الرسامين ممن يحصرون التعبير في اللوحة بخصوصية مشاعرهم، بدلاً من أن يقدّم اللوحة ويقول للمتلقي كيف عليه أن يشعر. عن جذور الفن في حياته، يقول: تربيت بين أحضان الفنانين بحكم نشأتي في دار صحفية جامعة، كنت ضمن عداد الأشخاص في الجلسات التي كانت تجمع والدي طلال سلمان صاحب جريدة السفير بالفنانين العرب كوني أصغر أشقائي، وأول من علمني تقنيات الرسم كان المرحوم موسى طيبا، وقد تابعت علاقتي بالورقة، والقلم، واللون والتجربة، وحتى محاولة نسخ الصورة مع أني لا أحبذها. تخصص سلمان في الجامعة، في الفنون الجميلة، وحصل على كورسات التخصص، متقناً أصول الرسم، والنحت، والتصوير، والمسرح والديكور من دون التخصص في مجال محدد، وهو يختم حديثه، بقوله الفن بابي، وكل ما يتمحور حول الفن هو موضع اهتمامي، وعليه فإني أترك لنفسي نافذة حرية ضمن كل تجربة جديدة، والآن أنا أرسم.
مشاركة :