قال المفكر والفيلسوف والمترجم الجزائري محمد شوقي الزين لـ «الاتحاد»: «إن ما تشهده الإمارات من دينامية ثقافية وفكرية يُثير الإعجاب والاهتمام. آخرها بيت الفلسفة في الفجيرة الذي نظم مؤتمره الفلسفي الدولي الأول، وكان لي الحظ بأن أسهم بشكل متواضع في هذا الحراك الثقافي عندما شاركت سابقاً في أعداد من مجلة (الإمارات الثقافية)، بمعدل مقال شهري بين 2018 و2019، وكذلك مشاركتي في مجلة (التشكيل) بين الحين والآخر بمقالات فلسفية حول الفن والجماليات. ثم إن جائزة الشيخ زايد للكتاب هي قيمة مضافة في هذه الدينامية الثقافية والفكرية الإماراتية التي ترتقي إلى مصاف الجوائز العالمية، وتكافئ الأعمال ذات الجودة الفكرية الراقية، حرصاً من دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي على إبراز الوجه المشرق للثقافة العربية على جميع المستويات الإبداعية من أدب وفكر وترجمة، ولا شك في ذلك بسبب ما تبذله دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي من جهود جبارة في سبيل تحسين العروض وتجويد العطاءات. فهي تسير بالفعل وفق سياسة ثقافية محكمة ومنسجمة، متعددة الروابط التثقيفية والتربوية. لقد أدركت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي بأن تكوين الإنسان يمر عبر الثقافة، وتُسخر لذلك الوسائل المادية والبشرية لإنجاز هذه الفلسفة التكوينية في شقها الثقافي والتربوي، وجهودها في ذلك موفقة ومثمرة». اعتزاز بالترشح حول ترشح أعماله من قبل لجائزة الشيخ زايد للكتاب، يقول د. الزين: «هناك دائماً شعور بالفخر والاعتزاز أن يكون أحد الأعمال في القوائم الترشيحية لجائزة الشيخ زايد للكتاب، لأن المرشح يدرك أن عمله يراعي المعايير في الكتابة أو الترجمة التي تعتمدها لجنة التقييم. وهناك بلا شك منافسة كبيرة للظفر بالفوز، وتبقى المشاركة والتأهل للقوائم مجزية للمرشح وللناشر، لأن ما يناله من ذلك، وفيما وراء التتويج من عدمه، هو التعريف بالعمل الذي نال بالحظوة». ويؤكد د. الزين: «أتذكر أنني تلقيتُ بسرور خبر وصول ترجمتي عن ميشال دو سارتو (الثقافة بالجمع: سياسات ثقافية جديدة)، إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها السابعة عشرة لعام 2023/2022، وهي المرة الثانية التي يرشح فيها أحد أعمالي للقائمة الطويلة، وقبل ذلك كان الكتاب الضخم (الثقافة في الأزمنة العجاف: فلسفة الثقافة في الغرب وعند العرب) في 780 صفحة والصادر عام 2013، قد وصل إلى القائمة القصيرة، لكن لم يكتب له الحظ بالتتويج». مهام ثقافية وتربوية يضيف الدكتور محمد شوقي الزين: «إن الكتاب الذي قُمت بترجمته وعنوانه (الثقافة بالجمع: سياسات ثقافية جديدة) من أهم كتب المفكر الفرنسي ميشال دو سارتو (1925-1986)، الذي كان مجهولاً في العالم العربي. وبفضل رسالتي في الدكتوراه حول فلسفته العملية وترجمتي لكتابه (ابتكار الحياة اليومية)، أصبح اليوم معروفاً ومتداولاً في الدراسات التاريخية والفلسفية والسوسيولوجية. يعالج كتاب (الثقافة بالجمع) السياسات الثقافية الجديدة الممكن تبينها من أجل الاضطلاع بالمهام الثقافية والتربوية، وربط الثقافة بالمدرسة والجمهور والجامعة والمعرفة العلمية. وتتخذ الثقافة هنا مدلول الرابط بين ميادين متعددة وهي المدينة والفن والإشهار والمدرسة والجامعة، زيادة على الهندسة الاجتماعية للمعرفة كما تناولها هربرت ماركيوز وأبجديات الثقافة بين الإنتاج الثقافي والاستعمال اليومي في القراءة والفرجة. ويتجاوز دو سارتو بداهة الاستهلاك في المجتمع المعاصر ليتحدث عن (ذكاء الاستعمال) ويدافع عن فكرة أن الإنتاج له حياة ثانية في الاستعمال، ولا مجال لنعت من يتناول المنتوجات الثقافية بأنه مستهلك منفعل، بل هو مستعمل فاعل، يتملك المنتوج ويزيحه عن معاييره الأصلية ليتصرف به كما يشاء. كانت فكرة دو سارتو التداولية جديدة في عصره، ولا تزال تمتاز بالجدة والأصالة. هذا ما يُفسر نجاح نظريته حول (ذكاء الاستعمالات) في الأوساط الأنثروبولوجية والاجتماعية».
مشاركة :