تعتبر الزراعة أهم الموارد الطبيعية التي تتميز بها المناطق الجنوبية في السعودية، وتتميز باحتوائها على منتجات مختلفة من الفواكه الإستوائية، وكذلك النباتات العطرية مثل الريحان والكادي والورد، والبن. ومن أشهر الزراعات هناك خاصة في جبلي شدا الأسفل والأعلى بالقطاع التهامي من منطقة الباحة "البن الشدوي". ولهذا البن قصته وشهرته وطرق غرسه والعناية به التي تُعدّ الأصعب من بين مختلف الأشجار بصفة عامة؛ وهذه الشجرة العجيبة المعروفة بمذاقها الحلو طريقة أخرى مختلفة، حيث يشكل حجم إنتاجها من الجبل الواحد من 600 إلى 1000 مُدّ لتحصيل الخَراج الذي كانت تنزل به الدّواب قديما ليذهب إلى إمارة المنطقة، في حين يصل إنتاج البُن حاليا على حدّ قول أهالي الجبلين ما يقرب من 1000 مدّ سنويا. وفي هذا الصدد قال الباحث في علم الآثار الدكتور أحمد قشاش الغامدي إن تسمية البُن بالبن الشدوي نسبة إلى جبلي شدا الأعلى والأسفل بالباحة، مشيرا إلى أن زراعة البُن تقتصر في المملكة على الجبال المرتفعة نسبيا في جنوبها كجبال فيفاء، وبني مالك، وعسير، وجبلي شدا الأسفل والأعلى في الباحة. ومن جانبه قال علي الغامدي أحد مزارعي البُن من أهالي شدا بحسب "واس": إن زراعة البُن تمتد إلى ثلاث سنوات، تبدأ في أواخر فصل الصيف على أن يكون قِطافه في بداية صيف السنة الرابعة، ومن ثم يتم تجفيف وفرز مكونات ثمرة البُن، ويُنقل بعدها إلى أسطح المنازل لنشره وتجفيفه تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أيام. وأضاف أن البن يُجمع ويُبعد عن أشعة الشمس ليومين داخل البيوت، ثم يُعاد نشره مرة أخرى فوق الأسطح لخمسة أيام، عندها يتحول لون حبات البن من الأحمر إلى الأسود في حين يخف وزنه نتيجة فقدانه الرطوبة والماء جراء التجفيف. ويجرش البن على الرحى بعد رفع حجر الرحى الأعلى درجة معينة ليتناسب مع حجم حبات البن، وهناك من يجرشه بحجارة خاصة أعدت خصيصا لهذا الشأن بعدها يتم فصل القشرة عن الصرف كل على حده ليتسنى بيعه بهذه الصورة وحسب رغبة الزبون. ويصف الغامدي طريقة سحق البن وفصل القشرة عن اللب بما يُسمى بـ"الصرف"، حيث يُجرش بعد فصل القشرة عن الصرف كلٌ على حده، ليتسنى بعد ذلك بيعه حسب رغبة الزبون، لافتا النظر إلى أن بعض متذوقي القهوة العربية يفضلونها من القشر، وبعضهم من الصرف الخالص، وهناك من يخلطهما معا، ولكل طريقة مذاقها الخاص. وعن اختلاف ألوان حبّات ثمرة البُن قبل الحصاد بيّن الغامدي أنه عندما تُصبح الحبوب جاهزة للحصاد يتحول لونها للأحمر، ومن ثم يتم قطف الحبوب كافة من الشجرة، فتسقط على مشمع يُوضع على الأرض، وفرزها وإبعاد البذور غير الناضجة، وتُغمر الحبوب في الماء داخل خزانات ونقعها لمدة تراوح ما بين 17- 36 ساعة حتى تتشرب الماء، بهدف فصل النواة عن اللب، وتمريرها على قوة دفع مياه عالية ليُزال ما تبقى عليها من رواسب. أما فيما يخص عملية البيع فقد قال علي الغامدي: آخر ما تم بيعه من إنتاج البُن في مهرجان الربيع الذي أقيم أخيرا في محافظة قلوة في تهامة، حيث جرى بيع أكثر من 500 مُدّ يراوح سعره من 300 إلى 400 ريال للمدّ الواحد، وكذا بيع أكثر من 400 شتلة لشجرة البُن بأسعار تتفاوت ما بين الـ100 إلى 200 ريال للشتلة. ويتشبث أهالي جبال شدا بزراعة البُن المتميز النادر مذاقه للمحافظة على ما تبقى من موروث أمتد لمئات السنين لمزارعي البن العربي، آملين إمتاع العالم بتذوق فنجال من القهوة الشدوية المحلية.
مشاركة :