«25 فيلسوفاً للزمن الراهن»: هكذا يفكر عصرنا

  • 2/27/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كيف يفكر العالم اليوم؟! أو بالأحرى من يفكر في العالم اليوم؟ هل حلّت التلفزة، بغثها وسمينها، محل كل فكر؟ وهل صارت أرقام البورصة هي المكان الوحيد الذي تتوجه إليه أنظار قسم كبير من أبناء البشرية، فيما تتوجه أنظار قسم كبير آخر ناحية الإرهاب والدماء السائلة في كل مكان وناحية التدخلات العسكرية التي تجد مبرراتها ومسوغاتها في فكر منحرف تشتغل عليه أجهزة الاستخبارات؟ هل هذه هي، كما يقول البعض، النتائج المباشرة للعولمة؟ هل العولمة هي نسف لآخر إمكانات التفكير العقلاني لدى الإنسان في «قرية العالم الواحد» التي نعيش فيها؟ هذه الأسئلة تبدو مشروعة في وقت يصبح فيه نجوم التلفزيون «قادة الفكر»، ويتحول فيه من يفترض بهم حقاً أن يكونوا قادة فكر، إلى نجوم تلفزة تهمهم صورتهم التي يظهرون بها على الشاشة أكثر مما يهمهم ما يقولون. غير أن الأمر في عمق أعماقه، ليس على هذا السوء. وليس فقط لأن هناك حركات مناهضة للعولمة، وتحركاً عالمياً مناهضاً لما يشن من عدوان، وأصحاب ضمائر حية، من الناس العاديين أو من الصحافيين أو من المثقفين، قادرون بعد على أن يتظاهروا ضد جدار فصل عنصري أو ضد تكبيل حرية الفكر أو ضد إرهاب ما. > الأمر ليس على ذلك السوء، لأن ثمة بعد من يفكر في هذا العالم. والتأمل العميق لم ينته بانتهاء سارتر وديلوز، وانحسار أفكار إريك هوبسباوم برحيله، وتضعضع بقية مدرسة فرانكفورت، على الأقل في نسختها التي أجبرها هتلر ونازيوه على التأمرك. فهربرت ماركوزه لم يكن نهاية العالم على سبيل المثال. ولاكان وفوكو ودومزيل، لم يأخذوا معهم، حين ماتوا – تباعاً – آخر الأفكار. ولم يصبح الفكر التقدمي والاعتراضي مجرد نشاط جماعي تقوده منظمات بيئية، مثل غرينبيس، أو منظمات إنسانية مثل «أطباء بلا حدود» ومؤسسات حقوق إنسان مثل «العفو الدولية». أبداً... أو هذا ما يقوله لنا، على الأقل، ملف ضخم أصدرته مجلة «لو نوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية قبل سنوات تحت عنوان «25 مفكراً كبيراً من شتى أنحاء العالم». هل تعرفون مثلاً أنطوني آبيا؟ مايكل والترز؟ أمارتيا سن؟ يون إلستر؟ مارتا نوسباوم؟ جاكو هنتيكا؟ سلافوج زيزيك؟... > إنهم، بحسب الملف، 25 مفكراً يشكلون «ضمير زمننا الذي نعيش فيه وطليعة عالم الغد». ويقيناً أن الفكرة في حد ذاتها، تبدو مطمئنة منذ البداية. ولهذا يبدو هذا الملف كبير الأهمية، في زمن كان يخيل إلينا فيه أن الفكر الحر والعقلاني قد انتهى على مذابح «نهاية التاريخ» و»صراع الحضارات». فهؤلاء المفكرون... إذ يأتون من بلدان متنوعة، يبدون في مجموعهم متناقضين كلياً، مع الفكرة السائدة عن مصير الفكر، منذ انتهت الحرب الباردة، وحل البنتاغون محل البانتيون. طبعاً قد يشعر القارئ العربي بالحزن، إذ لا يجد بين هؤلاء المفكرين عربياً واحداً... ولا نعتقد أن الذنب في هذا، ذنب الملف نفسه، طالما أن أي مراقب معني يمكنه أن يتساءل بمرارة، عما يسهم به «الفكر» العربي الراهن في فكر العالم وحضارة العصر. إذ، بفعل انشغال مفكرينا بالصحافة والتلفزة، واجترار التبريرات للماضي على حساب التاريخ. وبفعل الحالة الدفاعية التي يعيشها الفكر العربي بين مطرقة العالم المتطور بوتيرة هندسية لا حسابية، وسندان الفكر المتخلف الذي همه أن يعيد الإنسان العربي قروناً إلى الوراء، يكاد يغيب الفكر العربي تماماً، بحيث تصبح إنجازات فؤاد زكريا وعبدالله العروي وزكي نجيب محمود... مجرد ذكريات من الزمن الجميل. ونحن نعرف، وهذا الملف يؤكد لنا، أن فكر العالم، وفهم العالم من داخل العالم، ليس محطة انتظار، بل هو اندفاعة دائمة إلى الأمام، فإذا نظر إلى الوراء فما هذا إلا ليقول، كما قال شبان ثورات طلاب العام 1968: «أركض يا رفيقي... إن الماضي يطاردنا». > طبعاً ليس من شأننا في هذه العجالة أن نحصي كل الأفكار التي يحملها هؤلاء المفكرون المجهولون عموماً داخل الحلقات النخبوية، ولا ينطبق هذا مثلاً على ستانلي كافيل، الأميركي الذي يقوم جوهر فكره على تطوير فلسفة تعتني بكل ما هو عادي ينتمي إلى الحياة اليومية، إلى دراسة التفاصيل والفوارق في حياة كل يوم، ولكن على ضوء نزعة شكوكية مستمدة مباشرة من تصور لما كان من شأن ديكارت أن يكون عليه لو أنه عاش بيننا اليوم. لكنها، في المقلب الآخر، حال السنغالي سليمان دياني، الذي ينطلق من مزاوجة بين منطق الفيلسوف بول ريكور، وأفكار الباكستاني المسلم محمد إقبال والثقافات المحلية الشفهية، للتساؤل حول السيرورة المتواصلة التي يشتغل عليها الفكر الروحي منذ أقدم الأزمان، وحتى أزمان آتية. بالنسبة إلى الأرجنتيني نستور غارسيا كانكليني، فإن العولمة في الوقت نفسه الذي هي فيه سيرورة اقتصادية تنحو إلى توحيد الثقافات في مثال واحد، تؤدي أيضاً إلى إطلاق عملية تنبعث من الصناعات الثقافية، لتعيد تنظيم الفوارق بين الثقافات من دون أن تمحوها. وهذه الفوارق نجدها لدى المفكر الهندي سودير كاكار، الذي، إذ يقارن الثقافة الهندية بما يعتبر لا وعياً في الغرب، يصل إلى تحليل حاذق لصراع الحضارات، ولكن منظوراً إليه على أنه صراع إيجابي يعبر الروح، ولا يقيم تعارضاً بين القارات. غير أن زميله الروسي فلاديمير كانتور، يهتم أولاً، انطلاقاً من مثال أعلى حضاري رسمه لنفسه، بتطوير عمل فكري، يقوم مبدأُه الأساسي في التعارض بين مفهوم الطبيعة في بعدها المدمر، ومفهوم الحضارة، كمرحلة أسمى من مراحل الثقافة. > أما الأميركي أيان هاكنغ، الذي يعتبر في الأوساط الفكرية فيلسوف الحركة والمتحرك، فإن عمله كله – والذي يبدو في جزء منه استطراداً لعمل ميشال فوكو – يقوم في دراسة تاريخ الحاضر ولكن عبر أركيولوجيا معرفية تسمح لنا «بفهم الكيفية التي يفكَّر بها الآن». والطريقة هذه هي التي تشغل بال البرازيلي كانديدو منديس، الذي يعتبر شخصية محورية فكرية في بلاده، حيث يرأس جامعة تستقبل كبار المفكرين في العالم، ويراهن هو على تقدم بلده من أجل خلق أطر نظرية تبدع بدورها حراكاً أساسياً في الفكر المعاصر في العالم. وفي مقابله نجد المفكر النرويجي يون آلستير يشتغل على فلسفة يهيمن عليها هم إعادة النظر في العامل العقلاني المسيطر اليوم على نظريات القرار والاختيار الاجتماعي، وذلك خاصة عبر إدماج تصرفات وضروب سلوك تبدو في الظاهر لا عقلانية. > أما الغاني كوامي انطوني آبيا، فإنه يتفرد بين أقرانه هؤلاء بنزعته شديدة الانتقاد للمركزية الغربية في ميدان الفلسفة، لذلك نجده منكباً على دراسة مصائر التقاليد الثقافية المختلفة، سواء أكانت مكتوبة أو شفاهية، وأكانت غربية أو شرقية، متحدثاً في طريقه عن حظوظ كل منها في الوصول إلى الساحة العامة. في المقابل نجد الإيطالي جورجيو أغامبن، المتأثر بهيدغر، يهتم بتحويل فكرة العلاقة بين الكينونة والزمن إلى إشكالية جديدة من إشكاليات دراسة التاريخ، بقطع تام «مع كل شكل من أشكال التواصل الخطي، وكل فرضية لاهوتية مسبقة» كما يؤكد. ومواطنه، الفوضوي، اليساري السابق، والذي وضع أفضل أعماله وهو في سجن فرنسي، طوني نغري، يعتبر اليوم مركز الثقل في تجديد الفكر الماركسي، على الصعيد العالمي، ولكن انطلاقاً من تجربة إيطالية تعود جذورها إلى غرامشي، بالطبع... لذلك نراه يدخل مفهوم «العامل الاجتماعي» بوصفه عنصر الثورة الجديد في عالم صار الموضوع السياسي الأساسي فيه موضوع التعددية. > ومن البديهي أن في إمكاننا أن نواصل هذا العرض البرقي المسهب لأفكار فلاسفة الزمن الجديد وفلاسفة الزمن المقبل، لكن الأمر يحتاج إلى صفحات وصفحات للتوقف عند رؤيوية كارلوس ماريا فيلاس، أو واقعية الإنكليزي سايمون بلاكبورن النسبية، أو تنطح الألماني أكسيل هونين لإكمال ما بدأه وريث مدرسة فرانكفورت، يورغن هابرماس، أو عمل أركيولوجي الحداثة، الكندي تشارلز تايلور، أو أفكار الساخر الليبرالي ريتشارد رورتي وغيرهم. لكن المفيد في نهاية الأمر هو أن نلاحظ أن وسط كل هذا الرهط من المفكرين الذكور، ليس ثمة سوى امرأة واحدة هي الأميركية مارتا ناسباوم، التي يقدمها الملف على اعتبارها «محامية البشرية»، ما يحيلها من خانة الفكر، إلى خانة الجمعيات الخيرية. ومع هذا نُفاد هنا بأنها هي نفسها التي اختارت لنفسها هذا اللقب، على رغم أنه يضئل من شأن فلسفة أساسية تقوم على أساس التركيز على أن الفكر الفلسفي، حتى خارج إطار المسائل التقنية، إنما هو في حقيقته أداة، موضوعة ويجب أن توضع أكثر، في خدمة تحسين أوضاع البشرية.

مشاركة :