عرفات - (أ ف ب): أمضى الحجّاج يومهم أمس بالصلاة والدعاء عند جبل عرفات قرب مكة المكرمة، في ذروة مناسك الحجّ التي شارك بها أكثر من 1.8 مليون شخص في أجواء شديدة الحرارة. وفي الساعات الأولى من فجر أمس الثلاثاء تدفق الحجّاج على صعيد عرفات لأداء الركن الأعظم من الحجّ، بعدما أمضوا الليل في مخيّمات مكيفة في وادي منى، على بُعد سبعة كيلومترات من المسجد الحرام في مكّة المكرّمة. ونفر الحجاج بعد مغيب الشمس إلى مزدلفة. وبقي الحجاج طوال اليوم في الموقع نفسه، يصلّون ويبتهلون ويتلون القرآن الكريم، والكثير منهم اعتلى جبل الرحمة وجلسوا بين صخوره. وبعد غروب الشمس توجّه الحجّاج إلى مزدلفة، في منتصف الطريق بين عرفات ومنى، ليبيتوا في الهواء الطلق، قبل بدء رمي الجمرات اليوم الأربعاء أول أيام عيد الأضحى. ووصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمس الثلاثاء إلى منى لتفقد الحجاج والوقوف على جودة الخدمات المقدمة لهم، وفق وكالة الأنباء السعودية الرسمية. ورغم تعبيرهم عن سعادتهم، يشكوا الحجاج هذا العام من الحرارة الشديدة، فيما بلغت درجة الحرارة في منى أمس الثلاثاء 48 درجة مئوية، بحسب قناة الإخبارية. وفي طريق خروجه من عرفات أمس الثلاثاء، قال الموظف المصري صبحي سعيد (56 عاما) وهو يتصبب عرقا: «سعيد جدا لكنني منهك للغاية. أشعر بجفاف شديد». وحددت قوات الأمن السعودية نقاط دخول وخروج من المنطقة الجبلية الواسعة. وحلقت طائرات مروحية عسكرية فوق الجبل. وانتشر رجال أمن يحملون مظلات بيضاء في أرجاء المكان. ويُقام موسم الحجّ هذا العام بدون أي قيود لناحية أعداد الحجاج أو أعمارهم، بعد ثلاثة مواسم كان فيها الحج محدودا على خلفية تفشي جائحة كوفيد. والحجّ أحد أكبر التجمّعات الدينيّة السنويّة في العالم، وذكرت الهيئة العامة للإحصاء أمس الثلاثاء أن «إجمالي أعداد الحجاج لموسم حج 1444هـ بلغ 1.845.045 حاجًّا وحاجَّة». ووصل أكثر من 1.62 مليون حاجّ من خارج المملكة، على ما أعلنت السلطات السعوديّة يوم الأحد. وفي 2019 شارك نحو 2.5 مليون مسلم من جميع أنحاء العالم في المناسك. لكنّ تفشي فيروس كورونا أجبر السلطات السعوديّة على تقليص الأعداد إلى حدّ كبير، فشارك فيها فقط 60 ألف مواطن ومقيم عام 2021 مقارنة ببضعة آلاف عام 2020، و926 ألف حاج في 2022. وقد يكون الحجّ مرهقًا جسديًا، حتّى في الظروف المثاليّة؛ إذ يؤدي الحجاج المناسك، والكثير منها في الهواء الطلق، تحت شمس حارقة وفي أجواء خانقة، تتسبب في كثير من الأحيان في ضربات شمس وحالات إعياء إضافة إلى توقف عضلة القلب، حتى إن الهواتف الذكية تتوقف عن تأدية بعض المهام ما لم «تبرد». وتوقع المركز الوطني للأرصاد أن تتراوح درجات الحرارة في مكة بين 43 و45 درجة نهارا خلال موسم الحج. وأقامت السلطات الكثير من المرافق الصحّية والعيادات المتنقّلة وجهّزت سيّارات إسعاف ونشرت 32 ألف مسعف لتلبية احتياجات الحجّاج. وحذرت الحجاج من التعرض «لضربات الشمس»، وأقامت مركزا صحيا مخصصا لاستقبال حالات الإجهاد الحراري. وفي أرجاء المكان تمركزت شاحنات كبيرة توزع المياه الباردة وأخرى توزع أكياسا بلاستيكية بها مأكولات خفيفة. وانتشر عمال يحملون أكياسا خضراء لجمع مخلفات الحجاج، فيما كتب على حاويات القمامة الخضراء «معا.. للحفاظ على أطهر بقاع الأرض». ويعد تحمُّل بعض مناسك الحج مشقة، إذ لا يمكن للرجال وضع قبّعات منذ لحظة الإحرام ونيّة الحجّ. وخلال هذا الأسبوع شوهِد كثيرون في المسجد الحرام يحمون أنفسهم بالمظلات وسجّادات الصلاة والأوراق المقوّاة، فيما تُغطّي النساء رؤوسهنّ بالحجاب. وقبل توجهّه إلى عرفات، أعرب المهندس الأمريكي أحمد أحمدين (37 عاما) عن سعادته لأن «الله اختاره من بين ملايين» المسلمين لأداء الحج. وتابع بحماس: «أحاول التركيز في الدعاء لأهلي وأصدقائي والصلاة لأنها فرصة لا تتكرر». واليوم الأربعاء، يبدأ الحجّاج في رمي الجمرات، آخر أهمّ المناسك قبل أن يتوجّهوا إلى المسجد الحرام في مكّة لأداء «طواف الوداع» حول الكعبة، في أوّل أيّام عيد الأضحى. وعلى مر العقود، وقعت الكثير من الحوادث راح ضحيتها المئات بسبب عمليات تدافع في الأماكن الضيقة، لكنّ لم تسجل أي حوادث كبيرة منذ عام 2015 حين تسبّب تدافع أثناء شعائر رمي الجمرات في منى قرب مكة بوفاة نحو 2300 من الحجيج في أسوأ كارثة على الإطلاق في موسم حج. وقامت السلطات السعودية بعدها بتشييد مبنى ضخم متعدد الطوابق مخصص لرمي الجمرات لتفادي أي ازدحام أو حوادث.
مشاركة :