عواصم وكالات تعرَّضت مناطق تسيطر عليها المعارضة شرقي دمشق إلى ضرباتٍ جويةٍ مكثفةٍ نفَّذها النظام أمس عشيَّة السريان المفترض للهدنة، في وقتٍ أعلن 97 فصيلاً منضوياً في الجيش الحر القبول بوقف القتال. وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس ما لا يقل عن 26 غارة جوية وحالة قصف مدفعي استهدفت بلدة دوما في منطقة الغوطة الشرقية قرب العاصمة. وعاين عمال إغاثة في المنطقة مقتل 5 أشخاص على الإثر. وتخشى المعارضة من مواصلة نظام بشار الأسد استهداف مقاتليها بذريعة أنهم من جماعتي «داعش» و»النصرة» الإرهابيتين المستثناتين من وقف إطلاق النار. وتعد الغوطة الشرقية معقلاً لفصيل «جيش الإسلام» الممثَّل في الهيئة العليا للمفاوضات المعبِّرة عن المعارضة. وشكك القيادي في فصيل «فرسان الحق»، فارس البيوش، في إمكانية التزام النظام بوقف القتال الذي تمَّ التوصل إليه بين أمريكا وروسيا. وأكد البيوش عزم فصيله، المنضوي في الجيش الحر، الالتزام بهدنة حقيقية لكن «الجميع يعلم مدى عدم التزام النظام وروسيا بالاتفاقيات». في الوقت نفسه؛ نشر مرصد حقوق الإنسان تقارير عن قصف جوي في محافظة حلب «شمال»، وقصف جوي ومدفعي حكومي في محافظة حماة «وسط»، وقصف مدفعي حكومي في محافظة حمص «وسط». كما استؤنفت المعارك فجر أمس بين مقاتلي المعارضة وقوات الأسد في محافظة اللاذقية «شمال غرب» حيث يحاول النظام وحلفاؤه استعادة مزيدٍ من الأراضي على الحدود مع تركيا. وأعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية «الكرملين»، ديمتري بيسكوف، أن «طيراننا يواصل عمليته في سوريا لدعم القوات المسلحة واستهداف المنظمات الإرهابية». وأبلغ الصحفيين بقوله «حتى بعد بدء تطبيق وقف إطلاق النار؛ فإن حملتنا ضد التنظيمات الإرهابية لن تتوقف» و»هذه إحدى نقاط الاتفاق بين الرئيسين فلاديمير بوتين وباراك أوباما». وينص الاتفاق الأخير بين الرئيسين على وقفٍ لإطلاق النار يسري منتصف ليل الجمعة- السبت. وزعم النظام أنه سيحترم الاتفاق، وعبرت القوات الكردية عن موقف مماثل. ولا يشمل وقف إطلاق النار «داعش» و»النصرة»، إذ ستظل مواقع التنظيمين هدفاً لهجمات التحالف الدولي ضد الإرهاب والقوات الحكومية الروسية والسورية. واعتبر بيسكوف أن معلومات مرصد حقوق الإنسان حول شنّ بلاده غارات مكثفة على معاقل الفصائل المقاتِلة الجمعة «لا تستند إلى أي معطيات جديرة بالثقة». وكان المرصد أورد أن «الغارات كانت أكثف من المعتاد وكأنما يريد منفذوها إخضاع المقاتلين في هذه المناطق أو تسجيل نقاط قبل دخول الاتفاق حيز التنفيذ» . و»استهدفت الضربات الروسية بلداتٍ مثل دار عزة في ريف حلب الشرقي وتلبيسة في ريف حمص»، بحسب وكالة «فرانس برس». وكان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أكد أن الأيام المقبلة ستكون «حاسمة»، محذراً الأسد وموسكو من أن «العالم سيراقب بانتباه احترام تعهداتهما بشأن وقف إطلاق النار». وشدد أوباما، إثر اجتماعٍ لمجلس الأمن القومي في بلاده مساء الخميس، على مسؤولية كل من دمشق وموسكو «في هذه المرحلة الأولى من المساعي لإنهاء الفوضى». وعقَّب مسؤول أمريكي بقوله «هناك تشاؤم وليس هناك أمل بأن تلتزم موسكو بوقف إطلاق النار»، مُذكِّراً بـ «انتهاكات سابقة» كما حصل في أوكرانيا وجورجيا. ونقل بوتين عن الأسد، الأربعاء، أنه مستعد للالتزام بوقف القتال. وعندما اتصل بوتين الإثنين بأوباما؛ أخبره بأنه سيفعل «ما هو ضروري» لكي توقف قوات النظام المعارك، مطالباً واشنطن بـ «فعل الشيء نفسه مع المعارضة». وأوقع النزاع، الذي اندلع قبل نحو 5 أعوام، أكثر من 270 ألف قتيل وأدَّى إلى نزوح أكثر من 10 ملايين شخص بين الداخل والخارج. ودعا أوباما الجميع إلى «معرفة ما يجب أن يتم». وحثَّ كافة الأطراف على «وضع حد للهجمات بما في ذلك الغارات الجوية» و»إيصال المساعدة الإنسانية إلى المناطق المحاصرة». ورأى أن «كل ذلك سيكون في جانبٍ كبيرٍ منه رهناً باحترام النظام السوري وروسيا وحلفائهما لالتزاماتهم». بينما شكَّك مدير مرصد حقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، في إمكانية تطبيق وقف القتال، ورأى أن «ذلك سيكون معقداً جدّاً نظراً لكون المناطق مختلطة خاصةً في ريفي إدلب وحلب». وأعلنت «العليا للمفاوضات» من جهتها التزام نحو 100 فصيل مقاتل بالاتفاق الروسي- الأمريكي. وجاء في بيانٍ لها تلقَّت «فرانس برس» نسخة منه أن «الهيئة تؤكد موافقة فصائل الجيش الحر والمعارضة المسلحة على الالتزام بهدنة مؤقتة () تستمر مدة أسبوعين». ولفت البيان إلى صدور الموافقة «عقب منح 97 فصيلاً تفويضاً للهيئة باتخاذ القرار فيما يتعلق بالهدنة». وكشفت الهيئة، التي يترأسها رياض حجاب، عن تشكيل لجنة عسكرية «للمتابعة والتنسيق من أجل إنجاح تطبيق الهدنة». وسيترأس حجاب، وهو رئيس وزراء سابق انشق في عام 2012، اللجنة الجديدة. وجدَّدت «العليا للمفاوضات» التأكيد على التزامها بالحل السياسي «الذي يضمن تحقيق عملية انتقال للسلطة ويبدأ بإنشاء هيئة حكم انتقالي، لا مكان لبشار الأسد وزمرته فيها، تمارس كامل السلطات التنفيذية». ونقلت وكالة الأنباء «رويترز» عن مصدر مقرب من محادثات السلام المتوقفة مؤقتاً قوله إن «الأغلبية العظمى من الفصائل المسلحة التي يحقُّ لها المشاركة في وقف القتال عبَّرت عن أنها ستفعل ذلك». وخلال اجتماعٍ استخباراتي من موسكو؛ اعتبر الرئيس الروسي أن تسويةً سلمية للنزاع ستكون «صعبة»، متداركاً «لكن لا حل سواها». وتوعَّد بوتين بمواصلة ضرب «داعش» و»النصرة» بلا هوادة. وخاطب قادة أجهزة الاستخبارات في بلاده قائلاً «إننا نفهم وندرك تماماً أنها ستكون عملية صعبة بل حتى متناقضة ربما، لكن لا بديل عن السير في اتجاه تسوية سلمية للنزاع»، بحسب ما نقل عنه التليفزيون الحكومي. وربط بوتين بين الاتفاق الأخير مع واشنطن و»الدفع في اتجاه تسوية سياسية للنزاع وتوفير الظروف من أجل أن تبدأ مثل هذه الآلية». ونسب إليه التليفزيون قوله «الكفاح ضد هذه المنظمات (داعش والنصرة) سيستمر بلا هوادة، وآمل أن ينطلق شركاؤنا الأمريكيون أيضاً من هذا المبدأ». ومع التوافق على استثناء التنظيمين من أي وقفٍ للقتال؛ لاحظت «فرانس برس» طرح تساؤلاتٍ جمَّة حول سبُل وضع الاتفاق موضع التنفيذ «في ظل سيطرة داعش على مناطق واسعة في سوريا ووجود جبهة النصرة في محافظات عدة». في غضون ذلك؛ أعربت الرئاسة التركية عن «قلقها الكبير» بشأن صمود وقف إطلاق النار. وأفاد المتحدث باسم الرئاسة في أنقرة، إبراهيم كالين، بـ «دعمنا مبدئيّاً وقف إطلاق النار». لكنه أبدى تشاؤمه «بسبب أحداث وقعت في الماضي حين استخدم نظام الأسد اتفاقات هدنة سابقة مماثلة لكسب الوقت». وأعلن كالين خلال مؤتمر صحفي أمس «إننا قلقون جدّاً بشأن مستقبل هذه الهدنة بسبب استمرار القصف الروسي وهجمات قوات الأسد على الأرض». وأخبر الصحفيين بقوله «أُبلِغنا مع الأسف أن الهجمات متواصلة في الوقت الذي أتحدث فيه إليكم في شمال حلب، في أعزاز وتل رفعت وإدلب وجبال التركمان». وسبق لأنقرة إبداء شكوك حول نجاح وقف إطلاق النار، علماً أنها دعت إلى استثناء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري من الهدنة. وتصنِّف الحكومة التركية الحزب وجناحه المسلح، وحدات حماية الشعب، باعتبارهما من المنظمات الإرهابية على غرار «داعش» و»النصرة». وأبان رئيس الحكومة، أحمد داود أوغلو، أمس الأول أن اتفاق واشنطن وموسكو ليس ملزماً لبلاده، وأبدى تصميماً على الرد على أي هجوم يمكن أن يشنُّه المقاتلون الأكراد عبر الحدود. وفي الأيام الماضية؛ قصفت المدفعية التركية مرات عدة مواقع الحزب الديمقراطي الكردي ردّاً على إطلاق نار عبر الحدود من جانب وحدات حماية الشعب. وتنظر الولايات المتحدة إلى الوحدات الكردية باعتبارها طرفاً محليّاً في الحرب ضد «داعش»، لذا طلبت من أنقرة وقف قصفها.
مشاركة :