فلاتر اجتماعية - صالح ناصر عبدالعزيز الصالح

  • 7/2/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يتشكّل المجتمع من مجموعة من الأسر التي تتعايش وفق ضوابط وأنظمة شرعية وقوانين إنسانية, وتدفعها الحاجة البشرية تجاه البقاء إلى السعي لتحقيق الإنجازات وتلبية الحاجات وإشباع الرغبات والغرائز التي تستقيم بها الحياة. وتقود الإنسان في ذلك سماتٌ شخصية منها غريزية نامية متطورة وأُخر مكتسبة, فهناك سمات المخاللة والمحبة والقناعة والرضا والاكتفاء والتواضع والثقة بالنفس والصدق والصراحة والامتنان والقوة والشجاعة والنخوة والمروءة والكرم والإخلاص والأمانة والاجتهاد والإتقان. وفي المقابل هناك سمات الحقد والغيرة والجشع والنهم والتوافه والشعور بالنقص والدونية والكسل والغدر والخيانة والكذب والخداع والضعف والجبن والخساسة والبخل والانتهازية والتملق والتسلق. يمثل الحراك بين الأفراد والجماعات كالتجارة والبناء والوظيفة والمناسبات ميداناً تتجلى فيه هذه السمات، ويكون مدى الالتزام بمتطلباته هو أحد أهم معايير كفاءة الفرد وانضباطه واستقامته. وغالبًا ما تكون مواقف الشدة هي أشبه بفلاتر اجتماعية تنكشف بها حقائق وتسقط بها أقنعة وتتشكل بها قناعات وتتبدل بها أخرى. مناسبات العزاء هي إحدى النماذج الحية التي تجمع كافة أطياف المجتمع بحيث يُصنف كلٌّ بحسب سلوكياته. الأصل في هذه التجمعات حسن السلوك ودماثة الخلق ومراعاة الحال. فما إن يتوافد المعزون, تسُدْ روح الألفة والتراحم والتآخي والتعاون والتعاضد والتكافل والإيثار. وكأي تجمع لابد من شواذ لهذه القاعدة وهم قلة ولله الحمد. فترى اللامبالين الذين يتضاحكون ويتبادلون الحكايا والروايات, والمختالين الذين يتخذونها مناسبة للمفاخرة والمباهاة دون مراعاة لمشاعر الآخرين ولا تقدير لحجم الموقف. وأسوأ هذه النماذج هو الانتهازي المتسلق الذي يتربص وصول أصحاب الشأن الرفيع من المعزين ليمارس معهم أقصى درجات التملق والتزلف والتذلل والرياء واللصوصية عله يحظى بقبول يوصله إلى مبتغًى مادي أو معنوي. لا يمارس هذا الشكل من الاستغلال لهذه الظروف إلا مخادع محتال عديم الذمة والضمير. نسأل الله له العافية. فقد يكون ضحية العوز المصحوب بانعدام الذمة والضمير أو العيش في بيئة غرست في وجدانه الشعور بالدونية والنقص، أو بهما جميعًا. وفي كلا الحالين فمثله كظمآن يلهث خلف سراب بقيع يحسبه ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً. ودائمًا ما تنتهي مغامراته بالفشل وخيبة الأمل. ولو فتشت في حاله لوجدت حظه من الدنيا ضعيفًا رغم ما يبذله من جهود ورغم ما يمتلكه من مهارات وإمكانيات شخصية يراوح بها مكانه ولا يتقدم لأنه لم يسخرها فيما حباه الله بها من أجله.

مشاركة :