اتفقت دول مجموعة العشرين المجتمعة في شنغهاي على اعتماد سياسات تحفيز نقدي وضريبي لدعم الاقتصاد العالمي المتباطئ، بينما يبدو الانتعاش العالمي "غير متساو وأقل من التوقعات"، محذرين أيضًا من عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبحسب "الفرنسية"، فقد أشار وزراء مالية الدول الأكثر ثراء في العالم في بيانهم الختامي إلى المخاطر التي يواجهها النمو والصدمة التي يمكن أن يحدثها خروج محتمل لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وشدد البيان على ضرورة استخدام كل الوسائل من سياسات نقدية وتحفيز ضريبي وإصلاحات هيكلية على صعيد "فردي وجماعي" في الوقت نفسه، مشدداً على أن المصارف المركزية عليها أن تواصل وحتى أن تعزز سياساتها التي تعتبر متساهلة أصلا. وأضاف البيان أن السياسات النقدية ستواصل دعم النشاط وضمان استقرار الأسعار، ولو أنها لن تؤدي وحدها إلى "نمو مستدام"، مشيراً إلى ضرورة تطبيق السياسة المالية التي تقوم على زيادة النفقات العامة لتحفيز النشاط "بشكل مرن". وبدت الخلافات واضحة بين الدول الأعضاء في اليوم الأول للاجتماع خصوصا بعد المعارضة الشديدة لوزير المالية الألماني فولفجانج شويبله لخطط إنعاش مالي جديدة، محذراً من أن المحاولات لتعزيز النشاط الاقتصادي من خلال مزيد من الليونة في السياسة النقدية قد تأتي بنتيجة عكسية بينما خطط الإنعاش المالي التي تعمد الدول بموجبها إلى زيادة نفقاتها العامة "فقدت من فاعليتها". وأضاف شويبله أن "البحث في خطط إنعاش جديدة لا يؤدي سوى إلى تحويل اهتمامنا عن المهام الحقيقية التي علينا العمل عليها، وهي الإصلاحات البنيوية التي لا بد منها". غير أن شركاء ألمانيا التي تعتبر أكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبي وأكثرها حيوية، وفي مقدمهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يبدون استعدادا لمشاطرة هذا البلد خطه المتشدد على صعيد تقويم الميزانية، فيما أكد ميشال سابان وزير المالية الفرنسي أن المصارف المركزية أعلنت استعدادها لبذل جهود أكبر إذا اقتضى الأمر، ولو أن السياسة النقدية لا يمكنها حل كل المشكلات. بعض مسؤولي "العشرين" في لقطة تذكارية ويرى في الصورة إبراهيم العساف وزير المالية وفهد المبارك محافظ مؤسسة النقد. "الفرنسية" وتابع سابان أن أحدا لا يطلب خطة تحفيز مالية على الصعيد العالمي خلافا لما تم الاتفاق حوله في عام 2009، في خضم الأزمة المالية، "ولذلك نطلب من الدول التي تتمتع بوضع أفضل اتخاذ إجراءات أكثر حزما". وتلجأ المصارف المركزية في العالم التي يؤكد المختصون، أنها فشلت في تحفيز النمو، إلى استخدام قوتها الضاربة بأقصى ما يمكنها إزاء تراجع الظروف الاقتصادية واضطرابات الأسواق. ويبدو البنك المركزي الأوروبي على استعداد للتحرك بصورة أنشط، فيما بات "الاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي يلزم مزيدا من الحذر بعد رفع معدلات فائدته الأساسية بنهاية 2015، بينما ذهب البنك المركزي الياباني إلى حد اتخاذ قرار بفرض معدلات فائدة سلبية على أمل تحفيز القروض. من جهته، أكد البنك المركزي الصيني عزمه على الحفاظ على "هامش تحرك" من أجل إدخال مزيد من الليونة على سياسته النقدية، لكن شويبله اعتبر أن البحث في خطط إنعاش جديدة لا يؤدي سوى إلى "تحويل اهتمامنا عن المهام الحقيقية التي علينا العمل عليها وهي الإصلاحات البنيوية التي لا بد منها". ورد مارك كارني حاكم البنك المركزي البريطاني في شنغهاي على بعض المعلقين الذين يتناقلون مقولة مفادها أن "السياسات النقدية استنفدت ذخائرها" في حين إن العالم في خطر وقد يجد نفسه في مأزق ما بين نمو رديء، وتضخم ضعيف، ومعدلات فائدة متدنية جدا، مشيرا إلى أن خطط الإنعاش النقدي يمكن أن تسمح بكسب الوقت من أجل تطبيق الإصلاحات البنيوية. ويتفق هذا الموقف مع الدعوة الأخيرة التي وجهتها واشنطن حيث اعتبر جاك ليو وزير الخزانة الأمريكي أن سياسات الإنعاش النقدي والمالي هي أدوات قوية عند استخدامها بشكل منسق، مشيرا إلى أن الانتعاش العالمي لا يمكن أن يعتمد على الولايات المتحدة وحدها. وشدد مسؤول أمريكي كبير آخر طالبا عدم الكشف عن هويته، على أنه من المهم بشكل متزايد أن تقوم الدول التي تملك هامشا ماليا باستخدامه من أجل تعزيز طلبها الداخلي. ويسجل النمو العالمي تباطؤا وترد إشارات إنذار متزايدة، من هبوط أسعار المواد الأولية إلى اضطرابات البورصات العالمية، غير أن آلان دو سير المسؤول في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والموجود حاليا في شنغهاي لفت إلى أنه إذا كانت تدابير الدعم النقدي ضرورية على المدى القريب، فمن الضروري في أغلب الأحيان إجراء إصلاحات بنيوية لتوفير دعم دائم للطلب والإنتاجية وإنشاء الوظائف. وتمارس واشنطن ضغوطا منذ أشهر عدة حتى تستخدم الدول الفائض لديها لدعم الطلب، في تلميح واضح إلى ألمانيا، وأقر سابان بأن بعض الدول ربما تعارض لأسباب تاريخية أو ثقافية "لكننا الآن إزاء وضع اقتصادي يحتم علينا استخدام أي هامش مناورة متوافر لدينا". وهناك إشارات عديدة تنذر بالمخاطر من بينها تدهور أسعار المواد الأولية وتقلب الأسواق المالية بينما تسجل الاقتصادات الناشئة تباطؤا، وفي هذا السياق، حذر جورج أوزبورن وزير المالية البريطاني من أن حكومة بلاده قد تضطر إلى إجراء اقتطاعات جديدة في النفقات العامة في موازنة الشهر المقبل. وقال أوزبورن "إن غيوم العاصفة تتلبد بوضوح في الاقتصاد العالمي وذلك تترتب عليه عواقب على دول عدة بينها بريطانيا، لذلك، قد نحتاج إلى خفض إضافي للنفقات، لأن بلادنا لا يمكن أن تتحمل أكثر من طاقتها وهذه مسألة سنتناولها في الموازنة". وكان أوزبورن قد أعلن تباطؤ وتيرة الاقتطاعات التقشفية في المراجعة الأخيرة للنفقات في تشرين الثاني (نوفمبر)، لكنه أشار الآن إلى اقتطاعات جديدة في موازنة آذار (مارس) المقبل. وتباطأ الاقتصاد البريطاني بشكل حاد العام الماضي، وشهد اجمالي الناتج المحلي البريطاني نموا بـ2.2 في المائة العام الماضي، بعد أن كان 2.9 في المائة في 2014. وفي الشأن البريطاني تحديدا، اصطف الوزراء للتحذير من خروج محتمل لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأكد وزراء المالية ومحافظو المصارف أن من شأن خروج بريطانيا أن يشكل "صدمة" تؤدي إلى ارتفاع المخاطر المحيطة بالاقتصاد العالمي. ويأمل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إقناع شعبه بالتصويت لمصلحة البقاء في التكتل الأوروبي في استفتاء 23 حزيران (يونيو) رغم فشله في ضم بوريس جونسون رئيس بلدية لندن الذي يحظى بشعبية إلى معسكر مؤيدي بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي. لكن البيان لم يعبر عن أي قلق واضح إزاء الصين حيت تراجع النمو لأدنى مستوى له منذ 25 عاما، وتعهدت الدول بـ "التشاور عن كثب" حول أسعار العملات الأجنبية كما أعادت التأكيد على التزاماتها بعدم خفض قيمة عملاتها لزيادة القدرة التنافسية، وسط مخاوف من أن تقوم بكين بخفض سعر تداول اليوان لتعزيز قطاع الصادرات المتراجع لديها، مع أن المسؤولين الصينيين ينفون ذلك. من جهة أخرى، دعا الوزراء إلى بذل مزيد من الجهود لسد "الثغرات" في مكافحة عمليات تمويل الإرهاب، وقالوا في بيانهم "نحن عازمون على مكافحة تمويل الإرهاب بحزم"، مضيفين أنهم "سيضاعفون الجهود، وسيزيدون من تعاونهم وتبادلهم المعلومات"، مطالبين جميع الدول بالانضمام إليهم في تلك الجهود، عبر التنفيذ السريع لمعايير مجموعة العمل المالية المعنية بمكافحة تبييض الأموال.
مشاركة :