ناقش الدكتور بدر بن سعود محاولة المملكة لرفع حصة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز دورها كوجهة سياحية مرموقة خلال الأعوام السبعة القادمة، وذلك في مقال نشره تحت عنوان “الاستثمار في تجسيد الموت” في صحيفة “الرياض”. ونص المقال على: “المملكة تحاول رفع حصة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي والصعود بها من 3 % إلى 10 % خلال الأعوام السبعة القادمة، وقد وصلت أعداد السياح في 2019 إلى قرابة المليار وخمسمائة مليون، ويشغل القطـــاع السيـــاحي المرتبة الثانيـــة بعد الصناعة وقــبل التقنية، وأضاف للاقتصاد العالمي، في العام ذاته، تسعة ترليونات دولار، ومعها سبعة ملايين وظيفـة، وبعض الدول تتفرد بأشكال سياحية تميزها عن غيرها، ومن الأمثـــلة: كنــدا والسياحة البيئة لشلالات نياغرا، وأميركا والسيــاحة الترفيهية في عالم ديزني، ومصــر والسياحــة التاريخيـة للآثـــار الفرعونية، وأستراليا والسياحة الفنية لدار الأوبرا في سيدني، وفرنسا دولة الثلاثمائة متحف والسياحة الثقافية لمتحف اللوفر الباريسي. السعوديون يتفوقون على غيرهم في السياحة الدينية، بطبيعة الحال، لوجود حرمي مكة والمدينة، إلا أنهم في المجمل لا يعطون اهتماماً كافياً لشكل سياحي جديد بدأ في 1996، وينطوي على جوانب تعليمية وتثقيفية وعلاجية، وقد تم أخذه من الكلمة اليونانية القديمة (تاناثوس) ومعناها تجسد الموت، وتكون بالذهاب إلى أماكن الكوارث والفواجع والحروب بقصد السياحة، ويعرف بسياحة المأساة أو السياحة المظلمة. هناك أكثر من 700 موقع مسجل في قائمة سياحة الموت ينتشر في 90 دولة، ومن أهمها: متحف 11 سبتمبر التذكاري بمدينة نيويورك الأميركية، والانفجار النووي الأول بهيروشيما وغابة الانتحار في اليابان، ومعسكرات الإبادة الجماعية وجدار برلين في ألمانيا، والكوريتان والمنطقة منزوعة السلاح بين الدولتين، ومقبرة (بيرلاشيز) والنصب التذكاري للحرب العالمية الأولى في فرنسا، وانفجار مفاعل تشرنوبل بمدينة (بريبيات) في أوكرانيا، ومتحف الإبادة الجماعي في (كيجالي) برواندا، ومدينة (ميديلين) مكان مولد تاجر المخدرات الأشهر بابلو أسكوبار في كولومبيا، ومعسكــر أوشفيتز الذي أعدم فيه أكثر من مليون إنسان بمدينة (كراكون) في بولندا، ومعسكر (كارانغاندا) في كازاخستان، والإقبال على السياحة المظلمة يأتي لبناء موقف مستقل بشأنها، وذلك بعد الوقوف على تفاصيلها بصورة أدق، ومعاينة مواقعها عن قرب، والارتباط بها عاطفياً وإنسانياً. وجهات السياحة الجنائزية تأخذ أنواعاً مختلفة، من بينها: مصانع المرح المظلم، كحديقة دراكولا في رومانيا، والمعارض المظلمة، كحرب فيتنام والحروب الشبيهة بها، والزنزانات المظلمة، كسجن الكاتراز في سان فرانسيسكو الأميركية، ومعتقل غوانتنامو في كوبا، وسجن نيلسون مانديلا في جزيرة (روبن) بحنوب أفريقيا، وسجن شروسبوري في بريطانيا، وفي الأخير يمكن للزوار الدخول في تجربة محاولة الهروب من السجن، إذا قاموا بدفع مبالغ إضافية مقابل المحاولة، ولن يتم التساهل معهم بطبيعة الحال، حتى يعيشوا التجــــرية بكل ما فيها من معانـــاة وتعب نفسي وجسدي، ومقابر الاستراحة المظلمة، كمقبرة ريكوليتا في الأرجنتين، وضريح لينين في موسكو، وتاج محل في الهند، والمزارات المظلمة كقصر كنسينغتون في لندن، وكذلك مواقع الصراعات المظلمة كالحروب ومعسكرات الإبادة العرقية، وكلها مفيدة في كسر جمود السياحة التقليدية الرتيبة. يعتقد الباحثون بأن الاستمتاع بالقشعريرة التي تصيب الأشخاص عند مشاهدة فيلم رعب، لا تختلف عن متعة الدخــــول في مخاطرة، وأنها تنقـــل الشخص من مرحلة المشاهدة إلى مرحلة المشـــاركة في التجربة، ما يرفع من درجة شعوره بالرضا والسعادة، والسياحة السوداء قد تكون لأغراض معرفية واستكشافية، كزيارة موقع كارثة نووية أو حطام سفينة كـ( تيتانك)، أو لأغراض ترفيهية وتجارية، كزيارة الشوارع والأماكن التي كان جاك السفاح يقتل فيها ضحاياه، وهذه السياحة متى ما أديرت بالشكل الصحيح فإنها ستعطي السياح فهماً أفضل للتاريخ، ونسخة نظيفة في عالم أقل نظافة، وتساعد ضحايا الأزمات على التعافي والعودة إلى الحياة الطبيعة، وتجاوز اضطرابات ما بعد الصدمة. إيرادات السياحة السوداء ارتفعت من 15 مليون دولار إلى 30 مليار دولار، في الفترة ما بين عامي 2015 و2022، أو بمعدل 200 ضعف، ولولا أزمة كورونا لكانت الأرقام أكبر، والمتوقع زيادة مبيعاتها بنسبة 20 %، ووصولها إلى 36 مليــــار في 2030، ويوجـد في جامعــة لانكشـاير البريطانية، معهد لأبحـاث هذا النــــوع من السياحة تم تأسيسه في 2005، والمملكــة لديها مواقع تتوافق مع هذا النمط السياحي، والمفروض أن لا تفرط في حصتها، ومن ذلك: كهف (ماكر الشياهين) البركاني شمال المدينة المنورة، وجبل الحرفة المعروف بجبل الجن في عسير، والذي إذا صعد إليه الشخص يرجع إما شاعراً أو مجنوناً أو لا يعود بالمطلق، والسفن الغارقة في بحر الشعيبة بالقرب من مدينة جدة كسفينة الفهد، وفي البحر الأحمر كسفينة (جورجيوس جي) اليونانية وسفينة الدجاج، ومدينة (عبار) المفقودة في صحراء الربع الخالي، والمختصون وجدوا حصناً وآثاراً قد تفيد في تحديد موقعها، وهذه المدينة لا علاقة لها بإرم قوم عاد صاحبة المئة عامود، لأنها أخفيت بقدرة إلهية وانتهى أمرها تماماً، بالإضافة إلى إقامة متحف افتراضي لتوثيق مذبحة سقوط الدرعية، ولا أشك في أن وزارتي الثقافة والسياحة لديهما مواقع وأفكار أكثر تناسب هذا النوع السياحي المطلوب.”. المصدر: صحيفة الرياض.
مشاركة :