في عام 2009 عندما أطلقت مجموعة «البريكس» التي تضم كلاً من البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا، كانت مسألة إطلاق عملة موحدة لهذه المجموعة الهدف الأول والأهم. فهذه الدول التي تسيطر على اقتصادات كبيرة، سعت ولا تزال لتقليص مساحة هيمنة الدولار الأميركي سواء في التعاملات التجارية أو في سوق العملات عموماً. هذا الموضوع، سيتصدر البند الأول في قمة «البريكس» التي تنعقد الشهر المقبل في جنوب أفريقيا، إلى جانب سلسلة من الموضوعات تتضمن مسألة ضرورة الوصول إلى نظام مالي عالمي جديد، يخلف النظام الذي تم إنشاؤه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذي تسيطر عليه عملياً القوى الغربية، حتى إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، شددا مؤخراً على أهمية هذه المسألة، وضرورة التحول. الاقتصادات المكونة لـ«البريكس» لا تزال تعد الأسرع نمواً، لو استثنينا الفترة الحرجة التي مر بها العالم بسبب جائحة «كورونا». وهي تأمل في رفع مستوى قوتها في توجيه الدفة العالمية. وتعد العملة الموحدة لها منطلقاً أساسياً لتحقيق مجموعة من الأهداف، على رأسها، تقليص حصة الدولار الأميركي في التعاملات العالمية، حيث يسيطر على ما يقرب من 80% من هذه التعاملات، ويستحوذ على 90% من تداول سوق العملات الأجنبية، التي يبلغ حجم تداولها اليومي حوالي 6.6 تريليون دولار، بينما يجري نحو 100% من تجارة النفط عبر العملة الأميركية. الهدف هو تقليص هيمنة هذه الأخيرة، فضلاً عن التخلص تدريجياً من العقوبات الأميركية التي تُفرض بين الحين والآخر على هذه الدولة أو تلك، وكذلك على أي دولة تحاول التعامل مع البلد الخاضع لهذه العقوبات. وقد ظهر هذا واضحاً في أعقاب الحرب في أوكرانيا، وما تلاها من إجراءات أميركية عقابية معروفة على روسيا. لكن المهمة ليست سهلة كما تبدو للوهلة الأولى. ففي السنوات الماضية لم تتمكن العملة الأوروبية «اليورو»، ولا الجنيه الإسترليني ولا الين الياباني من «مناطحة» الدولار في ساحتي العملات والتجارة. ما يعني أن عملة «البريكس» لن تكون سهلة في «ولادتها». إلا أن مسار مجموعة «البريكس»، يمكن أن يتسارع في المستقبل مع توجه دول أخرى تتمتع بمكانة وتأثير على الساحة العالمية لأن تكون جزءاً من الكتلة، أو متعاونة معها. وهذا يعد خطوة أخرى قوية على أكثر من صعيد. ومن هنا، يمكن اعتبار أن قمة «البريكس» المقبلة، ستكون محورية للغاية استناداً إلى التوجهات العامة للدول الخمس الموزعة على أربع قارات. صحيح أن قادة المجموعة لم يتفقوا بعد على اسم العملة المزمعة، لكن الخطوات العملية لتحقيق هذا الهدف تمضي بقوة إلى الأمام. فإذا لم تتمكن من إطلاق العملة قريباً، لأسباب فنية، ربما بدأت بوحدة قياس مشتركة، على غرار ما حدث قبل إنشاء الاتحاد الأوروبي لليورو بسنوات عديدة. لكن بلا شك ستكون عملة «البريكس» مؤثرة بقدر ما تستطيع أن تنال من حصة الدولار على الساحة العالمية.
مشاركة :