ينظم «مخبر الجزري» في «بيت الحكمة»، وبصفة شهرية، باقة متنوعة من البرامج وورش العمل المتخصصة لمختلف الفئات العمرية بغرض تزويدهم بالعديد من المهارات في مجالات التصميم والترميز والتصنيع الرقمي وغيرها، حيث تستهدف هذه البرامج الطلبة في المراحل الدراسية المختلفة، من خلال الورش المكثفة التي تستمر ليوم واحد، أو البرامج التعليمية طويلة المدى، وعلاوة على ذلك، فإن مخبر الجزري يوفر بيئة مميزة لأصحاب الاختراعات والابتكارات من الطلاب وغيرهم لتجربة ابتكاراتهم وتنفيذها على نطاق مصغّر وعالي الكفاءة تحت إشراف كوادر متخصصة لتزويدهم بالإرشاد والتوجيه اللازميْن. ومن البرامج المميزة لمخبر الجزري «ورشة تصنيع الذراع الآلي»، وفيها يتعرف المشاركون على المكونات الإلكترونية المختلفة، مثل محركات السيرفو الإلكتروميكانيكي التي تستخدم لإنتاج عزم الدوران والسرعة، وكذلك طريقة بناء الذراع الآلي والتحكم فيها عن طريق الترميز، وهناك أيضاً ورشة «إعادة تصوّر رحلات السندباد البحري عن طريق البرمجة»، والتي تستهدف تعريف الأطفال من عمر 12 عاماً فأكثر بمفهوم الترميز القائم على الكتل البرمجية، وكيفية استخدامه لإبداع رسوم متحركة تجسّد شخصية سندباد ورحلاته البحرية السبع، بالإضافة إلى إكسابهم مهارات البرمجة المختلفة وتعزيز قدرتهم على التفكير المنطقي وإيجاد حلول فعالة للمشكلات. وخلف جدران «مخبر الجزري» الزجاجية، يمكن معاينة مجموعة مدهشة من آلات التصنيع الرقمي الحديثة، كل منها ينتظر ترجمة الأفكار المبتكرة إلى أعمال ملموسة، بدءاً من الطابعات ثلاثية الأبعاد، وقاطعات الليزر المزودة بأحدث الإمكانيات لنحت الخشب والبلاستيك، مروراً بآلات قطع ملصقات الفينيل، حيث يمكن للطلاب من سن الثامنة فما فوق اختبار عدد كبير من الأنشطة التي تمزج المعرفة العلمية بفنون العمل اليدوي والتطبيقي، كبناء المجسمات الخشبية، وإنتاج القوالب الجصيّة، وطباعة الملصقات على الملابس والأكسسوارات. ولأن التقنية لا تقتصر على المعدات والأدوات فحسب، فإن مخبر الجزري يستكمل مساره التعليمي بإتاحة أجهزة حاسوب مزودة بأحدث التطبيقات والبرمجيات، تتيح لكل الراغبين فرصة لتعلم استخدامها في ورش عمل متخصصة، بما يؤهلهم لتصميم مخططاتهم الهندسية ونماذجهم بأنفسهم قبل مباشرة تنفيذها، سواء عبر الطابعات ثلاثية الأبعاد أو آلات التشكيل الحراري التي تترجم التصورات الخيالية إلى واقع ملموس. ويتجاوز «مخبر الجزري» حدود التكنولوجيا التقليدية ليقدم فرصة مميزة للطامحين في دخول مجال الأتمتة والروبوتات، حيث يوفر الآلات الأساسية لإنتاج الرقائق الإلكترونية اللازمة لتشغيل الأجهزة الكهربائية والروبوتات، مع توفير إمكانية حجز الآلات والأجهزة للراغبين في تصميم مشاريعهم الخاصة. وقبل أن يدخل الزائر إلى «مخبر الجزري» وعالمه التقني، فإنه سيتوقف بالتأكيد عند هذا الاسم، الذي يعد استكمالاً لرمزية «بيت الحكمة» وارتباطه التاريخي ببيت الحكمة القديم في بغداد وما مثله من ازدهار ثقافي ومعرفيّ منذ تأسيسه في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد. وقد سُمي المخبر بهذا الاسم، نسبة إلى العالم والمهندس والكيميائي العربي بديع الزمان أبو العز بن إسماعيل الجزري، وذلك تقديراً لمساهماته البارزة في مجال الهندسة الميكانيكية عبر العديد من المخترعات خلال القرن الثاني عشر الميلادي، مما دفع المؤرخين إلى وصفه بمؤسس علم الروبوت.