رأت أستاذة القانون والعلوم السياسية، د. مشاعل الهاجري، أن «التفاهة تبدأ بشكل فوضوي، وتنتهي بشكل منظم، إذ تبدأ بمحاولات نفعية من منصب يُقتنص هنا ومناقصة تُصطاد هناك، وهي لا تقتصر على دولنا العربية فحسب، بل موجودة في كل مكان، لذا على النُّظم المؤسسية أن تضبط، وعلى النُّظم القيميّة أن تكون موجودة سلفاً، وإلا فالغلبة للتفاهة كما نشهد اليوم». وأسفت لـ «سوء اختيار القياديين في الكويت»، قائلة: «أخشى أننا دولة دواوين أكثر منها دولة مؤسسات، حيث إن أغلب القرارات تُتخذ ليلاً في الدواوين، قبل أن يتم إعلانها صباحاً، علماً بأن المطلوب تغيير عقلية النظام ذاته، ووجود أقلية نخبوية مخلصة، تدرك أهدافها، وتطمح نحو تغيير المجتمع وتحقيق المصلحة العامة، إلى جانب رفع معايير القيم الفكرية والمعرفية والأخلاقية، تماماً كما فعلت كل الدول الناجحة». خصَّت أستاذة القانون والعلوم السياسية د. مشاعل الهاجري، التي خاضت غمار الكتابة والترجمة، متدربي برنامج «الجوهر» للتدريب الإعلامي بحلقة حوارية شيقة أقيمت في فندق فوربوينتس شيراتون تحت إشراف الإعلامية لينا صوان، حول كتاب «نظام التفاهة» للكاتب والفيلسوف الكندي آلان دونو، والذي ترجمته إلى اللغة العربية د. مشاعل، وحقق انتشاراً واسعاً ونسبة مبيعات عالية في جميع أنحاء الوطن العربي. أخطأنا في توجيه الشباب وأعلينا قيمة المال بداية، سألت صوان: «كيف نسير بغالبيتنا وفق الأيديولوجية المسيطرة، والمسماة هنا (نظام التفاهة)؟». وتطرَّقت زينة النصرالله، إحدى المشاركات في برنامج الجوهر، إلى الكتاب الذي جعل الأستاذة المحاضرة في جامعة الكويت تصطاد في الماء العكر. وفي سياق إجابتها، أبدت الأكاديمية والقانونية اهتمامها بـ «منهج الدراسات البينية، بمعنى البحث دوماً في تقاطعات القانون والاقتصاد، القانون والفلسفة، القانون وعلم الاجتماع وغيرها من التقاطعات. وقد لفت نظري كتاب (نظام التفاهة)، وذُهلت بعد الترجمة لحجم العطش المعرفي الحقيقي في الوطن العربي، ولوجود قرّاء يُحسب لهم الحساب، لكن لا نراهم في الساحة الثقافية، وإلى اليوم تردني رسائل من كل الوطن العربي، وهذا دليل على أن العرب يقرأون، ويقرأون بخطورة على عكس ما يُشاع». وعن تحميل الجيل المؤسس الذنب أم الفضل، قالت د. مشاعل: «من النضج أن يتحمَّل المرء دائماً المسؤولية، وألا يلقيها على غيره. لنكن واقعيين، فنحن لن نعدِّل الكون، لكن ما من شخص لا يستطيع التغيير في دائرته الصغيرة، مثال السيدة فارعة السقاف وإطلاقها لبرنامج الجوهر، ومَن يدَّعي عكس ذلك فهو إما كسول أو غير مدرك. لذلك، لا ألوم أحداً على الإطلاق في بدايات الدولة، فهناك ما يُسمى سذاجة البدايات، لكن اللوم يبدأ عندما تتضح الصورة وتُرتكب الأخطاء». وأضافت: «في الكويت، أرى أننا أخطأنا جداً في تربية الشباب وتوجيههم، رغم أن شبابنا رائعون، لكننا أعلينا قيمة المال التي ألحقت بنا الضرر على بقية القيم الحيوية المهمة. وقد اقترحت أن تحمل طائرات الخطوط الجوية الكويتية صور ذوي الاحتياجات الخاصة والأبطال في الألعاب الفردية والرياضية، بما يعبِّر عن رسالتنا كدولة. فالمجتمع يجب أن يكون حياً، وألا يربط تطوره بالحكومات». قطاع غير نشط واعتبرت أنه «لا يمكن لقطاع خاص أن ينهض في ظل قطاع عام غير نشط، ولا يمكن لقطاع عام أن يكون جيداً وفعالاً في حال كان القطاع الخاص ضعيفاً. فلتتوجه المشاريع نحو القطاع الخاص، ولتحتفظ الحكومة بسُلطة التوجيه والرقابة، وهذا دورها الحقيقي». وعن حجم الفساد في الكويت، قالت الهاجري: «لم أقم بقياس الفساد، لكن ألاحظ أنه كلما كثر الحديث عن الحوكمة، زاد الفساد. وربما المسألة لا تتعلق بالحوكمة، لكن يجب أن يسبقها نظام قيميّ، وإلا ستُوظف الحوكمة لأغراض ومصالح محددة. كما أننا انجرفنا كثيراً بموضوع التكنوقراط، علماً بأن الأمور لا تُعدل بهذا الشكل، بل هناك اشتراطات للقيادي، فعقلية القطاع الخاص لا تحقق بالضرورة المنافع في القطاع العام، ما يعني أن الشخص الناجح في القطاع الخاص قد لا يحقق النتائج المنشودة في القطاع العام». أبواب استثنائية وعن مدى اندراج ممارسة الحق الدستوري ضمن مسرحية نظام التفاهة، أوضحت الهاجري، التي تبوَّأت مناصب قيادية عديدة: «كنتُ خائفة من الوصول لهذا الاعتقاد. فنحن مصرّون على خيارنا الديموقراطي، لكن أخشى أن يؤدي الفشل المتكرر إلى فقدان الثقة بالمؤسسات، وهذه لا أسمعها إلا في صفوف الشباب، كون جيلنا مخضرماً، يمتلك خبرة أطول ومرّ عليه الكثير. نحن آخر جيل رأى الكويتيين الحقيقيين المؤسسين وهم في أوج عملهم وحراكهم، رأينا قيمهم وطريقة تعاملهم مع مسائل الدين والاجتماع والعلاقات مع الآخر. رأينا الكويت التي لا يعرفها جيل الشباب، وهي كويت ثانية مختلفة تماماً. وقد بلغ بنا الأمر أن تُفتح لنا أبواب استثنائية خلال مؤتمرات خارجية، فقط لأننا كويتيون. كانت بلادنا زاخرة بالنجاحات الرياضية والاجتماعية والإنسانية والريادة الفنية والمسرحية. لكن المطلوب اليوم من الشباب ألا يسمحوا بهذا الكلام، بل أن يحذوا حذونا على خطى الخبرات والانفتاح». تجاذبات سياسية وردًّا على المشارك أنطوني مخول، أكدت د. مشاعل أن «أهمية الكتاب تكمن في نشره خلال فترة تجاذبات سياسية في كندا، بحيث عبَّر عن منظور الأحداث وربطه بالتفاهة، وانتهى للقول إنه إذا ما استمر نظام التفاهة، فإنه سيشكّل خطراً على المجتمع. وهذه السردية تصلح للتطبيق على كثير من الدول. كما أنه طرح الراديكالية كحل من خلال اتخاذ مواقف حادة». وتابعت: «لم أخف من ترجمة الكتاب، وقد فعلت ذلك بعقلية القارئ وليس الكاتب أو المترجم، لكنه وضعني في مرمى النيران، وتم إسقاط فكرته على المشهد العربي، بحيث لامس (نظام التفاهة) وجع الشعوب العربية. ويبدو أن الوجع واحد في كل الدول العربية، ما جعله عاملاً موحداً، مثله مثل الدين واللغة. غير أن ترجمتي للكتاب لا تعني أنني متفقة مع كل فصوله، هناك بعض المواضع التي تم فيها التعبير بطريقة انفعالية لا أتفق معها، كوني أدعو للهدوء والتفكير والهندسة الفكرية. غير أنني طمحتُ من خلاله ليكون نموذج عمل وخريطة طريق، وربما يصلح للاسترشاد». وأضافت: «أؤمن بالعمل المؤسسي المنهجي، ولا أتحمس للثورة التي تعبِّر عن انفعال أكثر منه استمرارية. وقد رأينا ثورات كبيرة في المنطقة العربية وغيرها، لا شك أنها مستحقة ومهمة، لكن للأسف لم نرَ نتائج ملموسة، لأن الثورة الحقيقية لابد أن يسبقها تمهيد للتربة، شكل من أشكال السماد الفكري، وإلا تكون عبارة عن جيشان عاطفي. أنا مع الثورة الأيديولوجية والفكر الحقيقي أولاً، وهو كفيل بالتعديل في المؤسسات، ومن ثم الثورة على الأرض. فالانفعال والغضب لا يؤديان إلى نتائج بالضرورة». الحل بمؤسسات تتبنى أفكاراً صحيحة ضيفة «الجوهر» المعروفة بجرأتها وصراحتها، اعتبرت أن «الحل ليس بيد فرد بحد ذاته، إنما يجب أن يتم بناؤه داخل مؤسسات تتبنى أفكاراً صحيحة، وبالتالي هندسة الأولويات، واتخاذ الحكومة مواقف شجاعة يسير خلفها المواطنون، حتى لو كانت على حسابهم. وفيما يخص التعليم العام، فهو بدوره لم يبنِ الأدوات الفكرية المحفزة للتفكير النقدي والتحليل والمناقشة. وخير دليل عناوين الصحف في الكويت لا تزال على حالها منذ الستينيات، بمعنى أن طريقة التعليم لم تتغير، لكن للأسف يتم إعلاء قيمة المناهج الدراسية على حساب قيمة المعلم. مع العلم أن الأهمية للمعلم الكفؤ الذي يتمتع بالصلاحيات، والقادر على تحقيق النتائج». وفي إجابتها عن سؤال المشاركة سارة الشيخ، لفتت الهاجري إلى أن «صورة الغلاف تعبِّر عن تفاهة الوظيفة ودور الشخص الذي يدَّعي التصدّر. أما فيما يتعلق بالعنوان وما رافقه من انتقادات كونه لا يُعد ترجمة حقيقية للعنوان الأصلي (الميديوقراطية)، فأنا أتفق مع ذلك، لكن لا ترجمة لهذه الكلمة في اللغة العربية. ولو أنني القارئة فإنني كنتُ سأحبذ وجود مترجم شجاع يتحرك ضمن مساحته وصلاحياته في المقدمة والهوامش». وإذ رأت أن «القوانين تصدر بطريقة ذكية جداً، وما يبدو أنه هامش أو ثغرة فهو لم يفت المشرّع، لكن صاحب السُّلطة يأخذ من القانون ما يريده، وهناك من يستخدمها للاستهلاك الانتخابي فحسب»، قالت: «ما نستطيع فعله في أي مؤسسة أو قانون أن نقلل من الخسائر، فلا يمكن القضاء كلياً على الشر والجهل والسرقة والقتل والفقر والأمراض». وإذ سألت المشاركة هبة نورالدين عن «الخطوات العملية عدا الثورات لحل المشاكل القائمة والحد من سيطرة التافهين»، أجابت د. مشاعل: «لا تقوم الثورات إلا عند وجود قصور في المؤسسات، لكن الحل الأول والأخير يكمن في اختيار قياديين قارئين، بمعنى مطّلعين، يملكون خبرة ويتحلّون بمحصول قيميّ جيد». وجود المرأة في القضاء واجب وفي سياق ردها على المشاركة حوراء الإبراهيم عن تنصيب المرأة في السلك القضائي، قالت الهاجري: «أؤمن بالمرأة والرجل، لكن القضاء في الكويت ذكوري منذ نشأة الدولة الحديثة، مع العلم أن وجود المرأة في المؤسسة القضائية ليس حقاً، إنما واجب، فمسائل العنف الأسري مثلاً كان ينقصها وجود العنصر النسائي، ليس كون المرأة عاطفية، إنما لأنها أم». ورأت أن «الكويت في هذه المرحلة تتطلب مشاركة نسائية أكثر في صنع القرار، لأن المرأة منذ صغرها تُجهّز على الالتزام والانضباط والخدمة والاهتمام، وتحمّل الأعباء والمسؤوليات، ما يجعلها تمتلك مهارات أكثر. لذلك، المطلوب إعادة النظر في تربية الأولاد بمسؤولية أكبر أو إعادة النظر بالمنظومة بأكملها». الرائدة القانونية التي كانت أول من أدخل نظام المعلومات إلى كلية الحقوق، أوضحت أن «الروبوت والذكاء الاصطناعي لن يحلّا مكان الإنسان، فقد أثبت كل اختراع أنه يخلق وظائفه الجديدة. لذا، المطلوب تطوير الإنسان ليسبق الذكاء الاصطناعي بخطوة». وخلال حوارها مع المشارك زياد أمان، تحدثت د. مشاعل عن «أهمية اعتماد النظرية الماركسية لتحليل الظواهر وإدراك خلفية صدور كل قانون والمستفيدين منه». أعربت رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب للوياك ولابا فارعة السقاف عن اعتزازها بجهود الإعلامية لينا صوان وطلاب برنامج الجوهر، الذي «أصبح ذائع الصيت وسط قنوات فضائية عرضت على طلابنا فرص عمل عديدة». كما أشادت د. مشاعل بطلاب «الجوهر» وتميّزهم، وسعة اطلاعهم، وحُسن استعدادهم للحلقة الحوارية. واختتم اللقاء بتسليم السقاف درعاً تقديرية وكتاب شكر للهاجري. يُذكر أن برنامج «الجوهر» للتدريب الإعلامي، هو الأول من نوعه في المنطقة، يُنفذ في موسمه الرابع برعاية شركة المركز المالي الكويتي (المركز)، وجريدة «الجريدة»، وشركة الصناعات الهندسية الثقيلة وبناء السفن (هيسكو)، وفندق فوربوينتس شيراتون. يقدّم البرنامج للشباب العربي ورش عمل إعلامية مكثفة على يد أبرز الإعلاميين العرب، لتدريبهم على فنون ومهارات الحوار الإعلامي، لمحاورة ضيوف رياديين تركوا بصمة في شتى المجالات بالوطن العربي.
مشاركة :