بدأت مخاوف تنتاب الرأى العام فى بعض الدول الغربية، التى رسَّخَت منذ سنوات قواعد قانونية لحماية حرية التعبير، من عودة الرقابة على الإبداع بطرق ملتوية كان أصحابها، حتى وقت قريب، لا يتجاسرون على الإشارة إلى ما أقدموا عليه، بل كانوا يتعمدون إخفاء آرائهم! ففى الأيام القليلة الماضية، لاحت بعض الإشارات المقلقة فى كل من بريطانيا وفرنسا، اللتين هما تاريخياً من أشهر المجتمعات التى دعمت الأفكار التحررية عامة، وخاصة حرية التعبير، عندما دفع عبر أجيال رموز من صفوة مفكريها ضريبة الدم فى سعيهم لإرساء هذه القيم. ففى بريطانيا، صدرت الأسبوع الماضى آخر طبعة من أعمال إرنست هيمنجواى، الذى فاقت سُمعته أن يُقدَّم بأنه الحائز على جائزة نوبل فى الأدب، وقد سجَّل الناشر تحذيراته، ففى رواية ( الشمس تشرق أيضاً)، التى يعتبرها كثيرون من بين أعظم روايات القرن العشرين، إلا أن الناشر حرص على تسجيل إنه قرر عدم فرض الرقابة عليها، وأوضح أن هذا لا يعنى تأييداً لأفكار هيمنجواى! كما قام الناشر أيضاً بتسجيل تحفظاته فى عدة أعمال أخرى لهيمنجواى، بمثل: إن هذه الرواية نُشرِت عام 1926، وأنها تعكس المواقف السائدة فى عصرها! وفى رواية أخرى اكتفى الناشر بتنبيه القراء إلى أن الكتاب نُشِرَ فى الأصل عام 1927! وفى رواية ثالثة: لا يقصد الناشر بتقديم الرواية بالشكل الذى نشرت به فى الأصل، أن يكون مؤيداً للتمثيلات الثقافية أو اللغة السائدة فيها! وقد أعرب البعض عن مخاوفه بطريقة تهكمية من أن يكون هذا اتجاهاً للتعامل مع كلاسيكيات الأدب الإنجليزى مثلما يحدث مع علب السجائر التى تُحذِّر من خطرها على الصحة! وفى فرنسا، وفى عزّ الاضطرابات الأمنية الأخيرة، نتيجة قتل أحد رجال الشرطة لشاب صغير من أصول مهاجرة، فقد أعلن مسئولون أنهم بصدد ملاحقة مواقع الكترونية تشعل الموقف، برغم أن بعض أصحاب هذه المواقع يقولون إنهم لا يُحرِّضون على العنف وإنما هم يُعبِّرون عن آرائهم فيما يحدث! وقد يكون من المفيد أن تُصدِر منظمات حقوق الإنسان فى منطقتنا بيانات ضد هذا الاتجاه، ليس على سبيل المكايدة، ولا بالتعامل بالمثل، ولكن لإظهار أن لدينا أيضاً من يدافعون عن حرية التعبير.
مشاركة :