للوهلة الأولى، قد تضنيك مشقة الطريق، أو يئن جيبك من تكرار دفع الكارتة، وصولا إلى مدينة سمبل على طريق مصر الإسكندرية الصحراوى، غالبًا ستنزعج إذا ما علمت أنك ستفقد رفقة أعز ماتملك -الموبايل- على باب المسرح. أعلم أنك يا عزيزى قد بذلت جهدًا مضنيًا فى إقناع -أولادك- من جيل اليوتيوب والتيك توك، وما على شاكلتهم، وربما طالتك حفنة من التمتمات التي تصفك بالرجعية، حين قررت أن تصحبهم إلى هذا التجربة الفريدة في تجسيد الواقع، والنظر بعمق في مرآة الحياة، التي غلب إيقاع خطاها المتسارعه إدراكنا المختل منذ انطفأت الأضواء ورفع الستار، كنا على موعد مع ذلك المارد العملاق، المايسترو محمد صبحي، المخرج والبطل الذي أدهشني بخطف انتباههم وعقولهم، بأحداث مسرحية "عيلة اتعمل لها بلوك"، وبخفة "بابا ونيس"، أضحكهم وأسمعهم ما يرفضون الانصياع إليه، حدثهم عن الماضي، بينما كانوا يرفضونه، جسّد لهم قيمة الأسرة، وقدسية الأبوين بينما كانوا يُعرضون عن هذا الحديث. القصة محكمة السيناريو، والمايسترو بارع، والإيقاع سريع، وانتقال نجوم المسرح بين فنون الكوميديا، والتراجيديا، والدراما، والاستعراض، والغناء الأوبرالي، أشبه بسيموفنية تعزف للمرة الألف على خشبة المسرح. في شخص القدير محمد صبحي، تحسد الناقد البصير، والمعارض الحكيم، ألبس السياسة والثقافة ثوب الفن، فلم تتوقف ضحكات جمهوره من أبناء الطبقة الوسطى -على خيبتهم- وتردى أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، ولم تخلُ إيحاءاته من نقد لاذع، لما لا، والكوميديا دون رسالة حقيقة، تصبح أشبه بوظيفة البلياتشو أو المهرج. جسدت فصول المسرحية التي لم أمل ولم يمل صغاري على مدار ساعات من شغف المتابعة، ذلك الاحتلال الفكري لجيل كامل فقد أغلى ما يملك، فقد الانتماء للأسرة، ومن ثَمّ للوطن، جيل تلاشت عنده قدسية الأب والمعلم وأعيته اللامبالاه والاتكالية، وأطلق مشهد النهاية نفيرا عاما علّنا نتدارك قبل فوات الأوان. محمد صبحي، الحالة النادرة والاستثنائية في الوسط الفني، التى لم تتلون، ولم تتبدل مواقفه، فجسّد مشواره الطويل، تراكم صادق من القيم التي لم تتناقض، ولم تقدم قربانًا للمجد والشهرة. شق المايسترو طريقه إلى قلوب جمهوره، وافتتح في بداياته استوديو الممثل، مع صديقه وخريج دفعته، الكاتب المسرحي، لينين الرملى، ونجح الثنائي في تقديم مجموعة من أجمل وأنجح المسرحيات في عالم الفن. وقدم العديد من المسرحيات، التي ما زالت شاهدة على مسيرته الإبداعية، منها؛ وجهة نظر، تخاريف، علي بيه مظهر، انتهى الدرس ياغبي، هاملت، الجوكر، طبيب رغم أنفه، كومبارس الموسم، بالعربي الفصيح، وخيبتنا. والعديد من المسلسلات التي لاقت إعجابا وقبولا كبيرًا، منها: فارس بلا جواد، يوميات عائلة ونيس، سنبل بعد المليون، رجل غني فقير جدا، ملح الأرض، شملول، كيف تخسر مليون جنيه، رحلة المليون، أنا وهؤلاء، عايش في الغيبوبة. لتصبح مسرحية "عيلة اتعمل لها بلوك" تتويجًا لهذا المشوار الاستشنائى، فشُكرا للمايسترو الكبير محمد صبحي، على هذه الحالة وهذا العطاء النادر، أمتعتنا وأخذت قلوب وعقول أبنائنا.
مشاركة :