ابتعد التفسير القائل بأن المحكمة الدستورية سلطة رابعة عن البناء التنظيمي للحكم الذي دوّنه الرعيل الأول في تبويب الدستور، الذي جاء تبويباً مُحكماً في باب أول للدولة ونظام الحكم، ثم ثنّى على ذلك في الباب الثاني، بالمقومات الأساسية للمجتمع الكويتي، وجاء الباب الثالث بالحقوق والواجبات العامة، ثم كان الباب الرابع تحت عنوان السلطات. المستشار شفيق إمام تناولنا في مقال الاثنين الماضي الرد على ما قاله البعض، من أن المحكمة الدستورية سلطة رابعة، دون سند من نصوص الدستور الذي هو مصدر السلطات جميعا، وقد أنشئت المحكمة الدستورية بالقانون رقم 14 لسنة 1973، على سند من المادة (173) من الدستور، التي نصت على أن يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين، فالمحكمة الدستورية فرع من السلطة القضائية وجزء لا يتجزأ منها، وهي ليست هيئة سياسية أو حكما بين السلطات، وهي أعلى الولايات قدراً وأجلها حظاً وأعزها مكاناً وأعظمها شاناً وأشرفها ذكراً، بقول المولى عز وجل: «أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ». مخالفة المنهج الأصيل في التفسير والذي قننته المحكمة الدستورية في مجال تفسير نصوص الدستور بأن قررت فيه بأن التوفيق بين النصوص هو المنهج الأصيل في تفسير النصوص الدستورية، وهو يعني التقريب بينها، بما يجعل بعضها يفسر بعضها، فالنصوص لا يفهم بعضها بمعزل عن بعضها الآخر، وإنما تتأتى دلالة أي منها في ضوء دلالة باقي النصوص، الأمر الذي يتطلب النظر إلى تلك النصوص جميعها بوصفها متآلفة فيما بينها، متجانسة معانيها، متضافرة توجهاتها بما لا تنفلت معها متطلبات تطبيقها، أو يبتعد بها عن الغاية المقصودة منها، (قرار المحكمة الدستورية بجلسة 2/2/2003 في طلب التفسير رقم 10 لسنة 2002). وقد ابتعد التفسير القائل بأن المحكمة الدستورية سلطة رابعة عن البناء التنظيمي للحكم الذي دونه الرعيل الأول في تبويب الدستور، الذي جاء تبويبا محكما في باب أول للدولة ونظام الحكم، ثم ثنى على ذلك في الباب الثاني، بالمقومات الأساسية للمجتمع الكويتي، وجاء الباب الثالث بالحقوق والواجبات العامة، ثم كان الباب الرابع تحت عنوان السلطات، ليقسمه الى خمسة فصول، ليقرر في الفصل الأول الأحكام العامة، التي أقامت نظام الحكم في أول مواده، على أساس فصل السلطات مع تعاونها، محددا على سبيل الحصر، السلطات الثلاث في الدولة، التي تمارس السيادة عن الأمة، مصدر السلطات جميعها، وهي: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأفرد الفصل الثاني لرئيس الدولة، والفصل الثالث للسلطة التشريعية، والفصل الرابع للسلطة التنفيذية، والفصل الخامس للسلطة القضائية، التي أفرد أحد نصوصه (162-173)، للمحكمة الدستورية فيما نصت عليه المادة (173) من أن «يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين...». ووقوفا على الغاية من تقرير الرقابة القضائية على دستورية القوانين، في هذا النص، ضمن الفصل الخاص بالسلطة القضائية، والغرض المقصود منه، والذي يفترض أن يكون نص هذه المادة معبرا عنه، لا يمكن أن تكون معه المحكمة الدستورية سلطة مستقلة، وما كان يعوز الدستور أن يفرد لها فصلا سادسا إن أرادها أن تستقل بسلطة عن سائر السلطات، فلا يجوز من خلال تفسير نص هذه المادة وتأويله اصطناع سلطة رابعة، خارج الدستور، وإلا انتهى الأمر الى سن دستور مواز للدستور، الذي صدر بإرادة شعبية. عزل النصوص عن بعضها كما عزل التفسير القائل بأن المحكمة الدستورية سلطة رابعة أو حكما بين السلطات، نص المادة (173) عن نص المادة (50) من الدستور، وعن نص المادة (53) من الدستور، التي اعتبرت القضاء سلطة من السلطات الثلاث، التي تمارس السيادة عن الأمة مصدر السلطات جميعا، بل عزل هذا التفسير نص المادة (173) من الدستور عن سائر نصوص الفصل الخامس الخاص بالسلطة القضائية، والذي وردت فيه هذه المادة، بالقول بأن المحكمة المختصة بمحاكمة الوزراء قد ورد النص المتعلق بها في الفصل الخاص بالسلطة التنفيذية، وهو قول مردود عليه بأمرين: الأمر الأول: أن المادة (173) نصت على أن يعين القانون (الجهة القضائية) التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين، في حين نصت المادة 132 من الدستور، الخاصة بمحاكمة الوزراء على أن «يصدر قانون خاص يحدد الجهة المختصة بمحاكمتهم» دون أن يصف هذه الجهة بـ(القضائية). وقد أجاد الفقيه الراحل د.عثمان عبدالملك قراءة هذا النص وأحسن فهمه واستقصاه استقصاء صحيحا عندما قرر بأن القضاء الذي يختص بالفصل في الجرائم التي تقع من الوزراء وفقا لأحكام المادة 132 هو قضاء سياسي (النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت- ط1989- ص114). إلا أن المشرع الكويتي، حرصا منه على أن يوفر للوزراء المحاكمة العادلة المنصفة، حرص في إصدار قانون محاكمة الوزراء، على أن يعهد إلى القضاء بمحاكمتهم، وهو حرص في محله. الأمر الثاني: أن المادة (132) تخاطب الوزراء، بالنسبة الى الجرائم التي تقع منهم في تأدية أعمال وظائفهم، فمن الطبيعي أن ترد في الفصل الخاص بالسلطة التنفيذية، وقد ورد في هذا الفصل المادة (133) التي نصت على أن «ينظم القانون المؤسسات العامة وهيئات الإدارة البلدية، بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها». فمن نافلة القول بأن كفالة الدستور لاستقلالهما ليس من شأنه أن يجعل من المجلس البلدي أو من هذه المؤسسات العامة سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية، وهي فرع من فروعها. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.
مشاركة :