المغامرة الروسية في الأرض السورية

  • 3/1/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ماذا يجري في سوريا؟ ما هي الحسابات المعقدة والمتشابكة للدول المتورطة مباشرة بالصراع الدائر هناك؟ أين دور الأمم المتحدة تجاه كل تلك الأحداث والتطورات المتسارعة؟ كيف ستتم معالجة الأزمة الإنسانية للاجئين السوريين التي تعتبر واحدة من أكبر وأعقد الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، والتي تم استغلالها إرهابيًا في تفجيرات باريس في (13 نوفمبر 2015م)، والهجوم على صحيفة (شارلي إبدو) في (7 يناير 2015م)، وفي ضبط خلية يتزعمها شخص ينتحل صفة (لاجئ سوري) تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية في ألمانيا في (فبراير 2016م) وهي البلد الذي يستضيف أكثر من مليون لاجئ على أراضيه بسبب سياسة المستشارة (أنجيلا ميركيل) التي تضاءلت حظوظها في تحقيق الفوز في الانتخابات القادمة بعد حادثة التحرش الجنسي الذي تعرض له عدد من الألمانيات في مدينة كولونيا ليلة الاحتفالات برأس السنة (2016م) والتي اتهم فيها مجموعة من (اللاجئين) دون دليل قاطع، ما جعل الأحزاب الألمانية المعادية للمهاجرين تستغل هذه الواقعة استغلالاً سياسياً غير مسبوق. ويأتي التدخل الروسي في سياق التداخلات والتدخلات الدولية والإقليمية لحماية المصالح الاستراتيجية لمختلف الأطراف بعد الاختلاف الأمريكي الروسي على مصير بشار الأسد الذي لم يتم التوصل إلى قرار نهائي بشأنه، وإخفاق التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في هزيمة الجماعات الإرهابية، ليؤكد هذا التدخل الحقائق الآتية: أولاً: حماية روسيا لمصالحها القومية بعد انهيار التوافق الروسي مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بقبول أوكرانيا عضواً بالاتحاد بعد الانتخابات الأوكرانية التي أطاحت بالرئيس (فيكتور يوشتشينكو) الموالي لموسكو، وشعور روسيا بأن أمنها القومي أصبح في منطقة الخطر القصوى بعد أن أصبحت قوات حلف شمال الأطلسي على مرمى حجر من موسكو. ثانياً: قيام استراتيجية التدخل الروسي في سوريا على سياسة التشدد في حماية نظام بشار الأسد، ورفض الحل السياسي، والعمل على استمرارية الصراع وزيادة الدمار والقتل وتهجير الشعب السوري لتعديل ميزان القوى الذي سوف يؤدي - حسب الحسابات الروسية - إلى ضعف النظام السوري وإيران وحزب الله، وتعزيز نفوذها في سوريا لاستخدامه كورقة تفاوضية لأية محادثات متوقعة حول أزمات منطقة الشرق الأوسط. ثالثاً: رغبة روسيا في استعادة دورها كدولة عظمى تقود العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي، الذي هيأت له سياسة الرئيس أوباما المترددة تجاه الأزمة السورية، وخطأها التكتيكي بمنع إمداد المعارضة السورية بالسلاح المتطور للتصدي لطائرات البراميل المتفجرة التي يستخدمها النظام السوري للقضاء على شعبه، والطائرات الروسية التي بدأت بشن ضرباتها الجوية على عدة مناطق سورية منذ (30 سبتمبر 2015م) وسقط ضحيتها مئات الأبرياء، مما عقد الأزمة وأصبحت المفاوضات بين النظام والمعارضة والجلوس على طاولة واحدة للحوار أمر مستبعد جداً. رابعاً: تعمد روسيا عدم تحقيق أي انتصار للمعارضة السورية التي هي خليط من الإسلاميين المعتدلين والمتطرفين، مما يعني انتصار المحور السني على الهلال الشيعي، وما لهذا الانتصار السني من انعكاسات قوية على الأقليات السنية داخل روسيا وعلى الدول الإسلامية التي تقع على حدودها الشرقية بما يشكل تهديدا للأمن القومي الروسي. وفي ظل التطورات المتسارعة والمعقدة للأحداث السياسية في سوريا، وتفاقم الأوضاع الإنسانية وتدهورها، وإصرار بشار الأسد على تدمير المعارضة بدعم جوي روسي بذريعة محاربة التنظيمات الإرهابية وتثبيت قواعد حكمه، والضغوط التي تواجهها موسكو بسبب قصف طائراتها للمعارضة السورية، لتتحقق (لحلفاء الشر) استراتيجيتهم بالسيطرة على مكاسب على الأرض تدعمهم في المفاوضات السياسية حول مستقبل سوريا، ومشاركة المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة في (التحالف الدولي ضد تنظيم داعش) الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، يبقى الموقف الأمريكي غامضا، وإمكانية دخول أمريكا في حرب برية داخل سوريا رهن المجهول، ليتأكد لدينا تعقد الأزمة بترحيب أمريكي مبطن ومتعمد، عبر العمل على استمرار روسيا في تحقيق أهدافها مع حلفائها الإيرانيين وحزب الله، وتمكينهم من بسط نفوذهم على كافة أنحاء سوريا، وإعطائهم قوة تفاوضية تجعل من الصعب أن يتحقق أي تقدم نحو الحل السياسي الذي يقع في زوايا التخبط الأمريكي في إدارة الأزمة السورية منذ بداياتها وحتى الآن. ومن كل ما سبق نستنتج الحقائق الآتية: 1. استمرار الأزمة السورية وتشابكها، وتعقد الوصول إلى حل لإنهائها، وجمود أزمات المنطقة العربية عند مرحلة الصراع، يصب في صالح الولايات المتحدة الأمريكية، فهي دائماً ما تتردد في مواقفها المعلنة بشأن ما يطرح من أفكار لحل الأزمة السورية، بدليل القرار المفاجئ للرئيس الأمريكي باراك أوباما وفي اللحظات الأخيرة بعدم ضرب الترسانة الكيماوية للنظام السوري عام (2014م). 2. سعي الولايات المتحدة الأمريكية لخلط الأوراق من خلال مواقفها غير الواضحة من التدخل الروسي في سوريا، انتظاراً لحدوث متغيرات جديدة على الأرض تخلق من سوريا (أفغانستان جديدة) بكامل تبعاتها العسكرية والخسائر المادية الفادحة التي سيتعرض لها الاقتصاد الروسي بما يؤدي لانهياره كما حدث عندما انهار الاتحاد السوفيتي في (ديسمبر 1991م). 3. ربط الولايات المتحدة الأمريكية مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط والخليج العربي بتحقيق مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير لتنفيذ هدفها الأكبر نحو تغيير الأنظمة العربية القائمة، الذي مازال يشكل هاجساً مقلقاً لدول مجلس التعاون بسبب استمرار الولايات المتحدة بالضغط عليها للقيام بإصلاحات ديمقراطية رغم تجاهلها لأوضاع حقوق الإنسان المتردية والانتهاكات الفظيعة التي يمارسها النظام الإيراني ضد شعبه عند التفاوض والتوصل للاتفاق النووي بين طهران ومجموعة (5+1) المبرم في (14 يوليو 2015م). والآن، وبعد إعلان المملكة العربية السعودية إرسال طائراتها إلى قاعدة (انجرليك التركية) في فبراير الماضي لضرب تنظيم داعش الإرهابي والقضاء على الإرهاب كعنوان، وتأكيد وزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو) في (13 فبراير 2016م) على (ضرورة وجود استراتيجية واضحة حتى تتمكن تركيا والسعودية وكافة الدول من التدخل براً للقضاء على تنظيم داعش)، هل ستشارك الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الحرب؟ أم ستكون مشاركتها بالوكالة كما اعتادت عليه الحكومة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما؟ بقراءة المشهد السياسي وتحليل الأحداث المتلاحقة، ووفقا لمواقف أمريكية مسبقة، من المتوقع جداً أن تبقى الولايات المتحدة بعيدة عن أرض المعركة الحقيقية، وسوف يستمر الرأي العام الأمريكي ضد أي تدخل مباشر على الأرض، لأسباب تاريخية لها صلة قوية بحرب فيتنام عام (1976م)، وتزايد القلق في أمريكا والغرب من تزايد أعداد المسلمين في العالم الذي سيصل عام (2050م) إلى (2.8 مليار) وتخوفها من انتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة التي سيست الدين وتمارس العنف والإرهاب. المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون

مشاركة :