بكين - بدأ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون اليوم الاثنين زيارة رسمية إلى الصين تمتد لخمسة أيام كاملة بدعوة من نظيره الصيني شي جينبينغ وذلك بعد فترة وجيزة من زيارته المثيرة للجدل إلى روسيا، فيما ينظر الغرب بقلق إلى تنامي العلاقات بين الجزائر وكلّ من موسكو وبكين.وذكرت القناة الصينية "سي جي تي إن" أن الرئيس الجزائري وصل إلى مطار العاصمة بكين الدولي في زيارة تأتي بعد توقيع الجزائر والصين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي اتفاقية إستراتيجية مدتها خمس سنوات لتعزيز الاتصالات والعلاقات الثنائية. وتأتي الزيارة قبيل نحو شهر من انعقاد قمة "بريكس" بجنوب أفريقيا حيث يبدي الرئيس الجزائري اهتماما بالانضمام إلى هذه المنظمة التي تضم إلى جانب روسيا والصين وجنوب أفريقيا كلا من البرازيل والهند. و"تدخل الزيارة في إطار تعزيز العلاقات المتينة والمتجذرة وتقوية التعاون الاقتصادي بين الشعبين الجزائري والصيني"، وفق بيان الرئاسة الجزائرية. ولكن الجزائر تعول أيضا على دفعة جديدة للشراكة الإستراتيجية الشاملة مع الصين الموقعة في 2014 لتنويع اقتصادها، والاستفادة من خبرتها في الصناعات التحويلية والتكنولوجيات الدقيقة والمتطورة. ويراهن الرئيس تبون على الثقل الذي تمثله الصين داخل بريكس في إقناع بقية الدول الأعضاء بالموافقة على انضمام الجزائر للمنظمة، كعضو ملاحظ أولا، ثم عضو كامل الصلاحيات. وسبق أن أعلنت الصين دعمها الكامل وترحيبها الكبير بانضمام الجزائر إلى مجموعة بريكس، خلال لقاء السفير الصيني بالجزائر لي جيان بالأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية عمار بلاني، في مارس/آذار الماضي. وبذلك تكون الجزائر ضمنت دعم أهم بلدين في مجموعة بريكس وهما الصين وروسيا التي أعلنت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف أن "الجزائر بمؤهلاتها هي المنافس الرئيسي" للانضمام إلى بريكس. ومن المقرر أن تعقد قمة بريكس في جنوب أفريقيا ما بين 22 و24 أغسطس/آب المقبل وقدمت نحو 20 دولة طلب انضمامها إلى بريكس بينها السعودية ومصر والإمارات ونيجيريا وإثيوبيا والسنغال. بينما أعلنت الجزائر في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 تقديمها طلبًا رسميًا للانضمام إلى منظمة بريكس بعدما تمت دعوة الرئيس تبون، في يونيو/حزيران 2022 للتحدث خلال القمة التي عقدت بالصين. لكن الانضمام إلى بريكس يحتاج توفر جملة من الشروط لم يتم الاتفاق بشأنها أو الإعلان عنها وهو ما أشار له الرئيس الجزائري أكثر من مرة تصريحا أو تلميحا، حيث قال في أحد تصريحاته الصحفية "عضوية بريكس تعتمد على الظروف الاقتصادية التي تعتمدها الجزائر إلى حد كبير". لكن العديد من المحللين والسياسيين يربطون ذلك بحجم الاقتصاد وتنوعه وانفتاحه على الأسواق الدولية وحجم الصادرات ونسبة النمو والتعداد السكاني والمساحة الجغرافية، واستقلالية القرار السياسي. ومن الصعب أن تتوفر كل هذه الشروط في دولة واحدة لكن الجزائر لها عدة تحديات فهي أكبر بلد أفريقي مساحة وليست لها ديون خارجية تستحق الذكر ما يمنحها استقلالية في قرارها السياسي ومعدل النمو السكاني عال (1.34 في المئة) وغالبية سكانها من الشباب وتعتبر أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي في أفريقيا ورابع أكبر اقتصاد في القارة. لكن أبرز العقبات أمام انضمامها إلى بريكس عدم تنوع اقتصادها واعتمادها على مداخيل النفط والغاز وتواضع ناتجها الداخلي الخام وعدم انفتاحها على الأسواق العالمية بالشكل الكافي. ويراهن الرئيس الجزائري على معالجة هذا الخلل في الاقتصاد حيث وضع نصب عينه رفع الناتج الداخلي الخام فوق 200 مليار دولار بعد أن كان 145.74 مليار دولار في عام 2020 ليرتفع في 2022 إلى 191.9 مليار دولار، وفق بيانات البنك الدولي ومن المتوقع أن يصل إلى 206 مليارات دولار نهاية العام الجاري. وهذا الارتفاع في الناتج الداخلي الخام راجع لسببين الأول مرتبط بارتفاع مداخيل النفط والغاز بعد انقشاع سحابة وباء كورونا واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والثاني ارتفاع الصادرات خارج المحروقات. ونجحت الجزائر في رفع الصادرات خارج المحروقات من 1.7 مليارات دولار في عام 2019 إلى 5 مليارات دولار في عام 2021، ثم إلى 7 مليارات دولار في 2022، بحسب أرقام رسمية. ويقول تبون "الجزائر التي لم تتجاوز صادراتها خارج المحروقات في 2018 و2019 ما نسبته 3 بالمئة من إجمالي الصادرات، تحقق اليوم 11 بالمئة وبنهاية 2023 أو بداية 2024 ستصل هذه النسبة إلى 16 بل إلى 22 في المئة". كما عدلت الجزائر قوانين الاستثمار لتجعلها أكثر مرونة وجاذبية للشركات الأجنبية وتواصل شق طريقين استراتيجيين نحو موريتانيا ونيجيريا يربطها بعدة بلدان في غرب وقلب إفريقيا لتعزيز التجارة الخارجية مع الدول الإفريقية وفتح خطوط جوية مع عدة عواصم إفريقية. وتمثل الصين رهانا كبيرا بالنسبة للجزائر من أجل استغلال قدراتها المنجمية خاصة الحديد الخام في منجم غار جبيلات (جنوب غرب) باستثمار ملياري دولار واستغلال وتحويل الفوسفات في منجم وادي الهدبة (شرق) بنحو 7 مليارات دولار وتطوير منجم الزنك والرصاص في وادي أميزور ببجاية (شمال) لا سيما إنجاز مشروع ميناء الحمدانية بمدينة شرشال (شمال) والذي من المخطط له أن يكون أكبر ميناء في إفريقيا ويشكل إحدى اللآلئ الصينية في مبادرة الحزام والطريق. وجميع هذه المشاريع فازت بها شركات صينية التي انطلقت في بعضها وتأخرت في أخرى على غرار ميناء الحمدانية بشرشال. لذلك فزيارة تبون إلى بكين تهدف إلى تسريع تجسيد هذه المشاريع والخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق وكذا الخطة الثلاثية (2022 - 2024) للتعاون في المجالات الرئيسية. ومن المرجح أن يتم التوقيع على اتفاقيات جديدة خاصة في قطاع المناجم حيث تتوفر الجزائر على عدة خامات على غرار الذهب واليورانيوم، لاسيما المعادن النادرة التي يشتد عليها الطلب في تصنيع الرقائق الإلكترونية والأسلحة المتطورة والهواتف النقالة والتي تخوض فيها بكين وواشنطن لعبة شد الحبل. كما تسعى الجزائر لاستفادة من الخبرة الصينية في مجال الصناعات الدفاعية والفضاء والتكنولوجيات الحديثة. ومن المرتقب أن يتم الإعلان خلال الزيارة عن مجلس أعمال مشترك جزائري صيني لتمكين رجال الأعمال من كلا البلدين من البحث في تنفيذ مشاريع شراكة مثمرة ومربحة للطرفين، وفق المقترح الجزائري. ومن المتوقع أن يبحث الرئيسان الصيني والجزائري مسألة هيمنة الدولار على المعاملات التجارية الدولية، حيث سبق وأن بحث تبون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القضية نفسها. وكانت الصين تعتبر الشريك التجاري الأول للجزائر منذ 2013، لكن يبدو أنها فقدت هذه المكانة لصالح إيطاليا، التي بلغت مبادلاتها التجارية مع الجزائر في عام 2022، أكثر من 16 مليار دولار بحسب الرئيس تبون وتراجعت فيه المبادلات بين الجزائر والصين إلى نحو 7.3 مليارات دولار في عام 2021، منها أكثر من 6.3 مليارات دولار صادرات صينية، وفق موقع The Observatory of Economic Complexity، في غياب إحصائيات عن العام الماضي.
مشاركة :