أظهر تقرير جديد لمنظمة العمل الدولية، أن الأزمات المالية والاقتصادية، والتفاوت المتزايد في الدخول الذي شهدته القارة الأوروبية في السنوات الأخيرة قد أثر بشدة في المجموعات السكانية ذات الدخل المتوسط، التي تراوح إيراداتها بين 60 و200 في المائة من المعدل المتوسط للدخل، وأدت إلى تقلص الطبقة المتوسطة في أوروبا إلى معدلات مقلقة. وأعدت المنظمة تقرير "الاتجاهات في عالم العمل": ما الآثار على أوجه عدم المساواة والمجموعات ذات الدخل المتوسط" بالتعاون مع المفوضية الأوروبية، وأسهم فيه مختصون من 15 بلدا أوروبيا، وتم تقديمه في مؤتمر رفيع المستوى في بروكسل. وقال دانيال فوجان - وايتهيد، مؤلف مشارك في التقرير، إن جميع بلدان الاتحاد الأوروبي تقريبا شهدت تقلصا في حصة إجمالي الدخل الذاهب إلى الطبقة المتوسطة، وبالتالي انخفاضا في حجم طبقتها المتوسطة. وحذر من أن "ظهور طبقة وسطى ضعيفة" يؤدي إلى انخفاض في الطلب الكلي، ويضع فواصل على النمو في الأجل الطويل، وقد يؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي. ويعالج التقرير مسألة عدم المساواة في الدخل من زاويتين مختلفتين: الأولى، تحديد العناصر والاتجاهات السائدة في مجال العمل، التي تكون قد أسهمت في عدم المساواة في الدخل. والأخرى، معالجة أوجه عدم المساواة من وجهة نظر فئات الدخل المختلفة، ليس فقط من النقيضين الشهيرين، الأعلى والأسفل، بل من وجهة نظر مختلف درجات الفئات ذات الدخل المتوسط، أو ما تم تصنيفه عموما "الطبقة الوسطى". ويقول مختصون في المنظمة: إن الطبقة الوسطى في معظم البلدان الأوروبية قد نمت بسرعة في الثمانينيات والتسعينيات، مدفوعة أساسا بالزيادة في مشاركة كل من المرأة والرجل في سوق العمل، وظهور نموذج الإيراد - المزدوج للأسر المعيشية، ما أهلها إلى الانتماء للطبقة الوسطى. على سبيل المثال في إسبانيا، نما معدل مشاركة الإناث من 29 في المائة في عام 1986 إلى 53 في المائة في عام 2014. ويؤكد التقرير أن تطور نموذج الأسرة ذات الدخل المزدوج ساعد على زيادة حجم الطبقة المتوسطة. في الوقت ذاته، يبدو أن العقد الماضي قد جلب بعض التآكل للطبقة المتوسطة، فقد كشفت جداول التقرير عن ظهور توسع في عدد الأسر ذات الدخل المتوسط دون مستويات الحد الأدنى لدخول الطبقة الوسطى في معظم البلدان الأوروبية، خاصة الشرقية منها. ويضيف التقرير أن الهيكل المتغير للوظائف والمهن، والعوامل الإضافية الناجمة عن الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة، كزيادة في معدلات البطالة خاصة بين الشباب، وثبات الأجور الحقيقية أو انخفاضها، وإجراء تخفيضات في كل من العمالة والأجور في القطاع العام، والاضطرار إلى العمل بدوام جزئي تقريبا في جميع المهن في القطاعين العام والخاص (الحالة الأخيرة سجلت زيادة كبيرة منذ الأزمة المالية) جميعها أسهمت في تآكل الطبقة الوسطى في أوروبا خلال العقد الماضي. ويشير التقرير إلى أن التآكل في الطبقة الوسطى أنشأ نوعا من الحلقة المفرغة: الأزمة أضعفت الطبقة الوسطى، ما أدى بدوره إلى خفض الطلب الكلي، وبالتالي تعميق وإطالة الانكماش الاقتصادي. "هذا الاتجاه يثير القلق، خصوصا لأنه يؤذي الشباب أكثر من أي فئات أخرى، حسبما أوضح وايتهيد فوجان. ويضيف: "البطالة المرتفعة جدا بين الشباب يمكن أن تؤدي إلى ظهور احتمالات أقل في بقائها ضمن الطبقة المتوسطة، ما يؤدي إلى إيجاد فجوة بين الأجيال. على النقيض من ذلك، فإن انخفاض معدلات بطالة الشباب في بلجيكا أو ألمانيا ساعد الأجيال الشابة على تحقيق الانتماء، أو المحافظة على البقاء ضمن صفوف الطبقة الوسطى. بعض المهن التي مثّلت الطبقة المتوسطة تقليديا، مثل المدرسين، والأطباء، والعاملين في الإدارة العامة، لم تعد بعد الآن، خاصة المدرسين، تنتمي بصورة منهجية إلى الفئات المتوسطة الدخل. فقد ازداد عدد العقود المؤقتة في القطاع العام سريعا في جميع أنحاء أوروبا، وهكذا لم يعد الأمن الوظيفي هو القاعدة الأساس في القطاع العام، كما لم يعد هذا القطاع يمثل العنصر الأساس في نمو فرص العمل للطبقة المتوسطة كما كان الحال في الماضي.
مشاركة :