مخاطر كامنة تحت مسمى "إزالة المخاطر" ويجب وقف تسييس سلسلة التوريد العالمية

  • 7/19/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن عبارة "إزالة المخاطر" قد اُستعيض بها تدريجيا مؤخرا عن "فك الارتباط" لتصبح تتردد على لسان الساسة بشأن السياسات الأمريكية والغربية تجاه الصين. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، علنا إن العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي ليست عدائية، كما لا يتفق "فك الارتباط بالصين" مع مصالح أوروبا، وينبغي للدول الأوروبية ايلاء اهتمام لعملية "إزالة المخاطر". وفي وقت لاحق، أشار بيان صادر عن قمة مجموعة الدول السبع في هيروشيما إلى أنه يتعين إزالة مخاطر الصين وليس فك الارتباط بها. وفي الوقت ذاته، أدلى مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى بتصريحات مماثلة في مناسبات أخرى. وقالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، خلال زيارتها للصين في الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة لا تسعى لفك الارتباط بالصين، بل إلى إزالة مخاطرها، أي تحقيق تنوع سلسلة التوريد. وفي غضون الأشهر الأربعة الماضية، عدلت الولايات المتحدة والدول الغربية جميعها تعبيرها حول سياستها تجاه الصين، ولم يحدث ذلك صدفة، بل يعكس أن الدول الغربية أدركت في نهاية المطاف أنه من المستحيل فك ارتباطها بالصين بعد تبنيها سلسلة من الإجراءات الهادفة للاحتواء والحصار ضد الصين، إذ إنها لم تتمكن من إيجاد حل بديل لسلسلة التوريد الصينية خلال فترة قصيرة، فاُضطرت إلى تليين موقفها المتشدد. ورغم أن مصطلح "إزالة المخاطر" يبدو أقل تشددا من "فك الارتباط بالصين"، إلا أنه يشير إلى عدم تغيير جوهر السياسة الغربية المتمثل في "استبعاد الصيننة" وتنطوي كلمة "المخاطر" أيضا على موقف سلبي تجاه التعاون مع الصين، وكانت مظهرا آخر لتفوق السياسة على السوق. ولا يمكن الاستهانة بالمخاطر الكامنة التي تشكلها عملية "إزالة المخاطر" على سلسلة التوريد العالمية. وقالت فون دير لاين إن الاتحاد الأوروبي يولي أكبر قدر من الاهتمام لمسألة إزالة المخاطر في القطاع الاقتصادي، ويحرص على الحفاظ على مكانته الريادية في مجالات الرعاية الصحية والتكنولوجيا الرقمية والتقنية النظيفة، دون التأثر بالمصدر الوحيد للإمداد. ويماثل ذلك ما تزعمه الولايات المتحدة بأن إزالة مخاطر الصين تتركز على قطاعات سلسلة التوريد والتقنيات. وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، في مقابلة صحفية إن الولايات المتحدة تحرص على ضمان أن سلسلة توريدها ومنتجاتها الحاسمة لا تعتمد على أي من الدول الأخرى. ولا شك أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين والغربيين المذكورة جميعها تستهدف الصين، والغرض منها هو ضمان مكانة ريادية للدول الغربية في الصناعات الناشئة. ولكن، كما ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية في تعليق لها، فإن التدابير لتقليل مخاطر الروابط التجارية مع الصين تتسبب نفسها في العديد من المخاطر. ويواجه العالم في الوقت الراهن تحديات ضخمة ناجمة عن ضعف التعافي الاقتصادي، وأصبحت مسألة "كيفية تجنب انزلاق الاقتصاد العالمي نحو الركود" ذات أولوية بالنسبة لكثير من الدول. وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، أثناء حضورها لمنتدى التنمية الصينية في مارس الماضي، إن الصين ستظل مساهمة رئيسية في النمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات المقبلة، وإذا نظرت الدول الغربية إلى تعاونها مع الصين كـ"مخاطر" بدلا من فرص، فلن يؤدي ذلك إلا إلى إعاقة التعافي الاقتصادي العالمي وتفاقم عوامل عدم الاستقرار وعدم اليقين في العالم. وحافظت الصين بثبات على مكانتها كـ"مصنع العالم"، باعتبارها الدولة الوحيدة التي تمتلك كل الفئات الصناعية المدرجة على التصنيف الصناعي للأمم المتحدة. وأظهرت بيانات ومعلومات صادرة عن وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية أن القيمة المضافة لجميع الصناعات تخطت حاجز 40 تريليون يوان في عام 2022، مشكلة 33.2% من إجمالي الناتج المحلي، وتبوأ قطاع الصناعة الصيني المركز الأول عالميا لمدة 13 عاما متتالية. ولا نبالغ إذا قلنا إن الصين محور قطاع الصناعة في العالم. وحتى في ظل الضجيج الذي أثاره الحديث الغربي عن فك الارتباط بالصين، مازالت التجارة الصينية الأمريكية ونظيرتها الصينية الأوروبية تحققان نموا مخالفا للتوقعات، حيث ارتفع حجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة من 540 مليار دولار إلى 760 مليار دولار خلال الفترة ما بين عامي 2019 و2022، وفي الوقت ذاته، زاد حجم التجارة بين الصين وأوروبا 710 مليارات دولار إلى 850 مليار دولار، بحسب إحصائيات ومعلومات صادرة عن الجمارك الصينية. وأكدت "دويتشه فيله" الألمانية في تقرير نُشر على موقعها أنه رغم تردد أصوات داعية لتقليل الاعتماد على الصين في البلاد، فمازالت ألمانيا تستورد بضائع بقيمة 191.9 مليار يورو من الصين، بزيادة نحو الثُلث عما كانت عليه في عام 2021، وأصبحت الصين بذلك أهم شريك تجاري للبلاد للعام السابع على التوالي. ومن الملاحظ أن مكانة الصين المحورية في سلسلة التوريد العالمية تتشكل بصورة طبيعية في ظل العولمة الاقتصادية، وليست نتيجة للتدخل السياسي. ولكن الدول الغربية، بدافع التحيز الأيديولوجي، تحاول أن تعطل تخطيط سلسلة التوريد العالمية عبر الوسائل السياسية، لذلك، كان الإفراط في التسييس هو أكبر خطر يواجه سلسلة التوريد العالمية. وأطلقت الحكومة الأمريكية الإطار الاقتصادي لإندو-باسيفيك في العام الماضي، وذلك بهدف تقليل اعتمادها على المنتجات الصينية وتحقيق نقل سلسلة التوريد الأمريكية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ولكن وجهت أكثر من 30 مجموعة للأعمال، بما فيها غرفة التجارة الأمريكية، رسالة مشتركة مفادها بأن الإطار الاقتصادي لإندو-باسيفيك صرف نظره عن مصالح العاملين الأمريكين في مجال التصدير. ونظرا لامتلاك الصين سلسلة صناعية متكاملة وعددا كبيرا من العمال الناضجين والمهندسين الممتازين، بالإضافة إلى سوق ضخمة تحتضن أكثر من 1.4 مليار نسمة، فتتمتع البلاد بقوة جذب لا تُقاوم للشركات المتعددة الجنسية. وإذا دفعت الحكومة الأمريكية قسرا نقل سلسلة التوريد، فيعد ذلك بمثابة إجبار الشركات الأمريكية على دفع ثمن أبهظ للتحيز الأيديولوجي الأمريكي. وأظهر تقرير صادر عن البنك الدولي أن متوسط معدل إسهام الصين في النمو الاقتصادي العالمي تجاوز 30% خلال الفترة ما بين عامي 2013 و2021. وأوضح ذلك أن الصين تمثل فرصة للتنمية العالمية بدلا من المخاطر. وما يُسمى بـ"إزالة مخاطر الصين" ليس أكثر من مجرد تلاعب سياسي يهدف لإساءة استخدام مفهوم الأمن القومي وتشويش أنظمة السوق العالمي. ومن أجل دفع النمو الاقتصادي العالمي وضمان سلامة واستقرار سلسلة التوريد العالمية، فإن المهمة الأكثر إلحاحا في الوقت الراهن هي إزالة التسييس.

مشاركة :