في عجز العقل عن تصور المدى الذي تذهب إليه الأسماء الذهبية وتغادر إلى فضاءات الذاكرة، يودعنا عراب الصحافة وعميدها الاسم الشاهق السامق، أحد رموزها وصناعها محمد علي الزهراني، يغادر بسيرة ذاتية نقشها من زمن الإبهار، والازدهار الصحفي وتجذرت له الثيمة والشيمة، معطرة بالهيل والزعفران محملة بأشواق التاريخ، ورائحة الزمن الوردي، صنعها بعقل رائد وفكر نقي وإرث صحافي رصين، مسيرة امتدت جذورها من وريد الميلاد، حتى وريد الرحيل المعطر برياحين الأغنيات الوثيرة، وأناشيد القناديل المسفرة، عاشها منسجماً مع نفسه طوال حياته الصحفية نظيف اليد والقلب واللسان، بدون رياء أو تملق أو نفاق لأحد من زمن التحديات والمعضلات، عاش حياته الصحفية في دفاع مستميت عن الحقيقة والتي كادت في زمن ما أن تذهب بمستقبله الصحفي.. غايته تصويب المسار الخاطئ وإنارة الدرب الصحيح. وجسدها أبو أيمن أنموذجاً صحافياً جديداً في خلق المذهلات وصنع المدهشات لا يثبت في مكان حتى يشد الرحال إلى آخر مهتماً بالاستثنائي ولا ينظر إلى العادي، يمشي على سجادة صاحبة الجلالة بضمير حي ونفس مطمئنة، وأفكار عميقة، مبنية على التحري والمتابعة والاستنتاج معرضاً عن الإبداعات المصطنعة والرقميات المزيفة، حتى أناخ راحلته ووضع قلمه في يومه الأخير، مسجلاً رقماً صعباً في الصحافة السعودية تشهد له سيرته الذاتية وكل الرتبيات الصحفية التي عمل فيها. كان الأداء الصحفي في ثقافة محمد علي الزهراني عملاً سياسياً وقضية وطنية، وقدم لنا إبداعاً صحافياً سوف يبقى طويلاً، إبداعاً لامس فيه الإنسان البسيط أظهرمعاناته بأعماقها وأبعادها، بلغة تعانق جمال الأبجدية بريقاً ووعياً مؤدلجاً بعقيدة النجباء، وقدرة النبلاء، وتطلعات لآفاق ليس لها إلا السماء، ولا سقف لها إلا سحابات الهطول، في زمن يعز على الغير تحقيق ما أنجزه وما قدمه لمقلة عينه ورمشها وجفنها، ونورها لوطنه بفيض عطر ووفاء، وعذوبة انتماء موقناً ومردداً على الدوام إن الوطن هو الحقيقة بحذافيرها، وجذورها، وأصولها، وفصولها وفواصلها مؤمناً بأن الأوطان لا تزهر، ولا تثمر، ولا تسفر أقمارها إلا بضياء كوكبة من أبنائها المخلصين الجادين في إظهار الحقائق بوطنية عالية مخلصة.. تجلد بصبر الأنقياء ووعي النجباء، والنبلاء في كل ما أسند إليه من مهام في أرجاء الوطن، حتى ملأ الجهات الأربع توصيفاً واقعياً فريداً حقيقياً لتحسين نوعية الحياة، وبما يعود بالنفع المباشر على حياة المواطنين. علمته الفروسية والشهامة كيف يشد لجام المراحل متفرداً متسلحاً بعاطفة الحب لوطنه، يرسخها، ويكرسها، ويحرسها فأزهرت سماؤه بالغيمة الممطرة، وأثمرت أرضه بالعناقيد المبهرة. أبا أيمن نلت الرضا بالإجماع فكنت مثالاً يحتذى، ونموذجاً يقتدى، وممن امتلكوا سجايا التسامح ونقاء الروح، وأصبحت في عرفنا الصحفي: (مختار الصحاح).. ملأتنا ذكرياتك زهواً وفخراً وسيؤلمنا غيابك، وستبقى أنموذجاً لكل الرجال المفعمين بالحكمة والرزانة والاتزان في الذاكرة، وناقوساً يدق في تضاريس الوجدان الإنساني، وستبقى إبداعاتك الصوت المجلجل في محاريب الصحافة لتعبر أعوامك المقبلة على صهوة طموحات وأحلام جديدة ليستمر عطاؤك أكثر أناقة، وأرضك مزينة بنجمة حارسة وغيمة غافية. أبا أيمن طبت وطابت أيامك وسنين عمرك، وحماك الرحمن الرحيم من عثرات الزمن، ومن عواتي الدهر.
مشاركة :