موسكو وواشنطن ترسمان خريطة جديدة للشرق الأوسط

  • 3/2/2016
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

أثناء الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، وقبل أن تتضح نتائج المعارك على مختلف جبهات القتال، استبق الحلفاء الأوروبيون انتصارهم على السلطنة العثمانية بالتفاوض على تقاسم «تركة الرجل المريض». فخلال آب (أغسطس) 1914، وبعد أقل من مرور ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب، اجتمع ممثلون عن فرنسا وبريطانيا وروسيا في العاصمة الروسية بطرسبورغ، وتوافقوا على أن يتقاسموا أراضي الدولة العثمانية بما يتوافق مع مصالح دولهم. وتوصل ممثلو الدول الثلاث خلال آذار (مارس) 1915، إلى اتفاقية سرية تحدد حصة كل دولة في هذا التقاسم. وبعد أن اكتشفت روسيا مواصلة الفرنسيين والبريطانيين التفاوض بمعزل عنها، ثارت ثائرتها، فهرع إلى بطرسبورغ في مطلع آذار 1916 المفاوض البريطاني مارك سايكس والمفاوض الفرنسي جورج بيكو، وعقدا اجتماعاً مع وزير الخارجية الروسي سازانوف، واتفقوا على أن تنال روسيا حصتها من التركة العثمانية في مناطق أرضروم وترابيزوند وكردستان والموصل، وأن توافق على ما تقرر فرنسا وبريطانيا حول تقاسمهما الولايات العربية للسلطة العثمانية، وعلى هذا الأساس جرى التوقيع على الاتفاقية السرية الفرنسية– البريطانية التي عُرفت باتفاقية سايكس– بيكو في 16 أيار (مايو) 1916. ورسمت هذه الاتفاقية خريطة للدول التي نشأت في الولايات العربية فور انتهاء الحرب العالمية سنة 1918، فيما غرقت روسيا في حرب أهلية إثر نشوب الثورة البولشفية سنة 1917، وانكفأت عن المطالبة بحصتها من التركة العثمانية. اليوم، في ذكرى مرور مئة سنة على اتفاقية سايكس- بيكو، كيف يبدو المشهد في منطقة الشرق الأوسط؟ أول ما يلاحظ المراقب للأحداث الجارية في المنطقة، هو أن الخريطة التي رسمتها الاتفاقية المشار إليها لدول هذه المنطقة تهتز، وتمر معظم هذه الدول بأزمات كيانية بالغة الخطورة. انقسامات طائفية ومذهبية وعرقية، تخوين وتكفير، تقتيل وتهجير، وحروب عبثية مدمرة تنهك شعوب المنطقة وتشردها وتدخلها في حالات بؤس ويأس. تحولت المنطقة العربية في الشرق الأوسط الى أتون نار وساحة للصراعات الإقليمية والدولية، وكل طرف له مشروعه وخريطته للمنطقة وفقاً لما يخدم مصالحه. للإيرانيين مشروعهم وخريطتهم وهلالهم الشيعي، ولتركيا مشروعها المناهض وخريطتها للمنطقة، بما يوحي بتجدد رغبتها في إعادة ما للسلطنة العثمانية. وبالطبع لإسرائيل العنصرية المغتصبة لفلسطين مشروعها التوسعي بإقامة دولة إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات. وفي مواجهة هذه المشاريع الإقليمية، يتخبط العرب ويتنكرون لقوميتهم التي توحدهم، ويتوزعون شيعاً وقبائل تتقاتل بدوافع مذهبية وطائفية، وتدمر كل ما من شأنه حمايتها ويكفل مواكبتها التطور والتقدم في العالم. هذا هو واقع الحال الإقليمي المتفجّر، فكيف تتعامل القوى العالمية العظمى مع أحداث الشرق الأوسط؟ في المبدأ، تبرز الى الواجهة اصطفافات أبرزها الدول الغربية وحلفاؤها تديرها الولايات المتحدة التي تسلمت زعامة العالم بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار محور الاتحاد السوفياتي، تقابلها روسيا العائدة إلى الحلبة الدولية ومعها تحالف يضم دولاً عدة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ونتيجة لموقعها الجغرافي والاستراتيجي، وطمعاً بما تملك من ثروات وإمكانات، تحولت منطقة الشرق الأوسط ساحة صراع بين القوى الدولية، من دون الأخذ بالاعتبار إرادة شعوب المنطقة ومشاريع قياداتها. الجميع في منطقة الشرق الأوسط يجد نفسه أمام حقوقه المسلوبة، وإرادته المنتهكة، ومصيره المجهول. فما الذي يحاك للمنطقة في كواليس القوى العظمى؟ على رغم التباينات في المظاهر والمواقف، والاختلافات التي يضخّمها الإعلام الاستـــخباري التابع لهــذه الكتلة أو تلك، يمكن استخلاص الحقائق التالية: انتهاء الدور الأوروبي الفاعل في العالم، وتحول أوروبا إلى جمعيات خيرية تتحمل وزر المآسي الغذائية والصحية في العالم من جهة، ومن جهة أخرى تحولها ملجأً لكل هارب من حرب أو فقر أو جوع أو مرض. أما الولايات المتحدة، الزعيمة الأحادية للعالم منذ تسعينات القرن الماضي، فقد سعت لأن تُحكم سيطرتها ونفوذها في مختلف أنحاء العالم، فتدخلت سياسياً واستخبارياً، وأحياناً عسكرياً، لتسيير الأمور وفقاً لمصالحها، غير أن تطوّرات الأحداث أثبتت فشل هذه السياسة في أفغانستان كما في العراق وأوكرانيا، واليوم في سورية على سبيل المثال. ونتج عن الفشل انكفاء أميركي قاده الرئيس أوباما، الذي قرر الانسحاب العسكري من أفغانستان والعراق، وعدم التورُّط عسكرياً في أي مكان، مع السعي إلى تصحيح علاقات الولايات المتحدة مع دول كانت تعتبر عدوة، مثل إيران، والتمسُّك بالموقف التاريخي الداعم بالمطلق لإسرائيل المغتصبة لفلسطين والمشرّدة للشعب الفلسطيني ولمشاريعها العنصرية العرقية والدينية الهادفة الى تفتيت الدول المجاورة وإغراقها بحروب أهلية طائفية ومذهبية وعرقية تستنزف قواها البشرية وإمكاناتها المالية والاقتصادية والحضارية، وهذا ما يفسر عدم جدية وجدوى ما تقوم به الولايات المتحدة من جهود استعراضية في مواجهة تنامي المنظمات الإرهابية التي تنشأ تحت شعارات طائفية ومذهبية باسم الإسلام، البريء من كل هذه الادعاءات المخرّبة والمدمّرة. في المقابل يبرز في منطقة الشرق الأوســط دور جــــديد لروســـيا فاعل سياسياً وديبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً، مع قبول أميركي ضمني طالما أن المشروع الروسي يلتقي مع مشروعه ومع مصالح إسرائيل. وهنا السؤال: هل نحن على أبواب اتفاق جديد بديل من سايكس– بيكو، أبطاله الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، يرسم خريطة جديدة لدول الشرق الأوسط أساسها التوزيع الطائفي والمذهبي والعرقي، مع حفظ مصالح إسرائيل، على غرار الوعد الذي نالته الحركة الصهيونية قبل مئة سنة؟ وحدها التطورات الميدانية على أرض الواقع تجيب عن هذا السؤال، ويبدو أن الأمور سائرةٌ في هذا الاتجاه. ولعل التوافــق الروسي– الأميركي الأخير الــقاضي بفرض هدنة في سورية على جـــميع أطراف الداخل الــسوري وسائر المتدخلين الإقليميين في الحرب السورية، والتي تولى الرئيس الروسي فلاديمــير بوتين هاتفياً إبلاغ مضمون القرار المتخذ وضرورة التقيد به، وإعلان الجميع الموافقة على الطلب، هو أصدق دليل على ما قدّمنا حول اتجاه الأحداث. يضاف إليه دليل آخر تمثّل بإيفاد السلطة الإسرائيلية أحد وزرائها إلى موسكو وحصوله على ضمانات تكفل لإسرائيل وحدها حرية الحركة والتصرف في سورية.     * كاتب لبناني

مشاركة :