لا ريب أن الاستقرار المالي هو الدعامة الاساسية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وهو الهدف الأساسي للتنمية المالية في مختلف دول العالم، وهو ضمانة تحقيق الأمن المالي وتعد تقنيات التكنولوجيا التنظيمية عناصر فاعلة ومؤثرة في تحقيق الاستقرار المالي عبر استخدامها توليفة فاعلة من التقنيات المالية والتكنولوجية المعاصرة، التي تسهم بمساعدة المؤسسات المالية على تلبية متطلبات الامتثال التنظيمي المالي، بفاعلية وكفاءة عاليتين، من خلال شركاتها العديدة. وقد تناولنا نوعين منها في المقالة السابقة وهما شركات الامتثال التنظيمي Regulatory Compliance Companies، وشركات ادارة المخاطر Companies Risk. أما النوع الثالث من شركات التكنولوجيا التنظيمية فهي شركات الجرائم الماليةFinancial Crimes Companies ، فقد شهدت السنوات القليلة الماضية ارتفاعا كبيرا في الجرائم المالية التي تتعرض لها البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، الامر الذي قاد إلى تزايد أعداد الشركات المتخصصة في البحث والتحري وتحليل مصادر ومنافذ الجرائم المالية، باستخدام أساليب وتقنيات جديدة كالذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والتعلم الالي والمحاسبة السحابية، وتقنيات التكنولوجيا التنظيمية الأخرى لمراقبة عمليات الاحتيال والمعاملات عالية المخاطر وعمليات غسل الأموال والتنبؤ بالجرائم المالية عموما وتحديد المستفيد النهائي من الشركات الوهمية. وتبرز أهمية التكنولوجيا التنظيمية من خلال المزايا العديدة التي تقدمها للقطاع المالي والمصرفي، فهي تساعد في مهام الامتثال المختلفة مثل مراقبة المعاملات المالية، ومتابعة التحديثات التنظيمية وإنشاء تقارير الامتثال باعتماد إمكانات الذكاء الاصطناعي في مجالات الامتثال المختلفة، وتساعد في تحسين إدارة المخاطر، واعتماد تطبيقات متطورة لإدارتها باستخدام تحليلات متقدمة للتعلم الآلي لتحديد وتقييم المخاطر المحتملة، وتحديد مسار عدوى المخاطر المالية، والتدخل في الوقت المناسب للحد من اثارها، وهو ما يسمح للشركات باتخاذ قرارات مدروسة وأمنة، بالإضافة إلى تحسين منظومة التحقق من هوية العميل، وعمليات مكافحة غسيل الأموال من خلال مزيج من التقنيات الجديدة كالقياسات الحيوية والذكاء الاصطناعي والتحقق من هوية العميل والكشف عن الأنشطة المشبوهة وغيرها. وتعزيز الأمن السيبراني باستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات مثل جدران الحماية (firewalls) وكشف المتطفلين، والتشفير للحماية من التهديدات السيبرانية وضمان أمن البيانات. فضلا عن الدور الحيوي للتكنولوجيا التنظيمية بتعزيز الشفافية والكفاءة من خلال استخدام تقنية البلوكتشين لإنشاء سجل للمعاملات غير قابل للشطب والتلاعب، مما يزيد من الكفاءة والأمان والشفافية في الخدمات المالية. وعموما، فإن تطور التكنولوجيا التنظيمية وتنوع أدوارها التنظيمية والرقابية باستخدام التقنيات الذكية قد رافق التطورات الحاصلة في التكنولوجيا المالية واتساع تأثيرها على الصناعة المالية، الأمر الذي قاد الى تنوع أساليب منع المخاطر، بدءا من الإنذار المبكر للمخاطر الذي يعد نشاطا بالغ الأهمية للمؤسسات المالية والمصرفية، وتعزيز اللوائح المالية وتنظيم سلوك الأسواق المالية. كما يمكن للتكنولوجيا التنظيمية تعزيز الكفاءة التنظيمية للمؤسسات المالية وخفض الضغط التنظيمي، وخفض تكاليف الامتثال، وتعزيز الامتثال للرقابة الداخلية. كما أصبح من الانشغالات الهامة للماليين مؤسسات وباحثين كيفية تطبيق التكنولوجيا التنظيمية بشكل أمثل لتحسين مستوى مراقبة المخاطر في مجال التمويل لاسيما عبر الانترنت. وتعزيز بناء معايير التكنولوجيا التنظيمية، وتوسيع تطبيق تقنياتها وادماجها في استراتيجيات التحول الرقمي للمؤسسات المالية وبما يسهم في توفير التكاليف والموارد البشرية التي تنجز مهامها التنظيمية. ومما ينبغي الإشارة اليه ان التكنولوجيا التنظيمية وبالتفاعل مع التحول الرقمي لعبت دورا حيويا وفاعلا في تعزيز كفاءة العمليات التشغيلية في القطاع المالي والمصرفي في ظل جائحة كورونا واسهمت في الحد من الاجهاد الذي واجه المؤسسات المالية والمصرفية بسبب إغلاق الأسواق. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :