د. محمد بن عوض المشيخي * من نِعَم الله التي تستحق الشكر ما سخَّره الله لبلدنا العزيز من قيادة حكيمة أبهرت البعيد قبل القريب في هذا العالم مترامي الأطراف؛ فالمُتابعة الحثيثة لأمور الرعيَّة هي السمة السائدة والجانب الأبرز في سلطنتنا الحبيبة؛ فالاطلاع على أحوال الناس وشؤونهم وحل مشاكلهم اليومية نهج اتبعه السلطان هيثم منذ البداية. فيحقُّ للمواطن العماني أن يفخر ويفتخر بسلاطينه الميامين وقادته العظام الذين دخلوا التاريخ الحديث من أوسع الأبواب. فالنهضة المتجددة التي يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق -يحفظه الله- في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قد آتت ثمارها؛ رغم التحديات التي صادفته عند وصوله إلى سدة الحكم في يناير 2020، والمتمثلة في الأزمات الاقتصادية العالمية منها والداخلية، التي عصفت بالعالم خلال السنوات الماضية؛ وكذلك جائحة كورونا التي كانت معضلة رهيبة كادت تقضي على النظام الصحي في السلطنة والمنطقة بشكل عام. لا شك أن حامل راية الوطن ومجدد التنمية الشاملة لعُمان، والذي يسجل له التاريخ بأحرف من نور عزيمته التي لا تعرف حدودًا، ومواجهته بشجاعة لما أفرزت المديونية الكبيرة والتي كادت تضع بلادنا في خانة الدول المفلسة بسبب الديون التي وصلت قبل ثلاث سنوات لأكثر من 18 مليار ريال عُماني، مُشكِّلة بذلك ما نسبته 60% من الناتج المحلي الإجمالي، فقد استطاع السلطان هيثم أن يقود سفينة الوطن في أحلك الظروف وأصعبها على الإطلاق؛ والوصول بها إلى بر الأمان بحكمة واقتدار، بفضل من الله وحنكة هذا القائد الهمام الذي يقود عمان اليوم إلى المجد والمستقبل الواعد. كما أنَّ مُبادرته المبكرة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة لتقليل التكلفة الباهظة لبعض الوزارات التي أصابها الترهل عبر العقود الماضية قد اتَّضح جلياً في أول تشكيل وزاري بعد بضعة أشهر من تسلمه مقاليد الحكم؛ إذ تم دمج بعض الوزارات وإلغاء البعض الآخر، إضافة لاعتماده نهج اللامركزية في اتخاذ القرارات؛ وذلك لتسهيل الإجراءات على المناطق البعيدة ووصول الخدمات الضرورية للمواطنين خارج مسقط، وعلى وجه الخصوص مهام وواجبات المحافظين والولاة في مختلف أرجاء السلطنة. لا شك أنَّ كل عُماني يعتز بالإنجازات الشامخة التي تحققت على أرض الغبيراء منذ فجر السبعين الذي يصادف اليوم الأحد الموافق 23 يوليو؛ حيث انطلقتْ هذه النهضة المباركة من هنا من مدينة صلالة -مسقط رأس السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- إلى مختلف مناطق السلطنة، حاملة معها مشاعل العلم ومبشرة بعهد جديد من التنمية الشاملة طاوية مرحلة تاريخية من العزلة والتقوقع الداخلي. أما في مجال السياسة الخارجية؛ فقد نجحت سلطنة عُمان عبر تاريخها الطويل في اكتساب سمعة وثقة كل الأطراف التي تتعامل معها، خاصة في حل الخلافات الدولية والإقليمية، وذلك نتيجة تراكمات وخبرات هذه الدولة وقيادتها الرشيدة التي تستمدها من تراثها الإمبراطوري العريق؛ إذ كانت عُمان لقرون طويلة إمبراطورية يمتد حكمها ونفوذها من ضفاف الخليج العربي شرقًا إلى شرق إفريقيا، خاصة في القرن التاسع عشر الميلادي. والقيادة العُمانية المتمثلة في السلطان هيثم تملك الكثير من مفاتيح الحكمة والحل والعقد لتحقيق السلام العادل وحل الخلافات في المنطقة العربية، وكذلك في الخليج العربي، فعندما تفصِل عُمان في أي قضية وتقول كلمتها فيها فالكل يسمع ويستجيب؛ بل ويثمِّن توجهاتها ومواقفها الحكيمة شرقا وغربا. لمَ لا وقد انتهجت السلطنة سياسة الأبواب المفتوحة والشفافية والصدق وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير. لقد تابعنا خلال الشهور الماضية نجاح جلالة السلطان هيثم -يحفظه الله- في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الإقليمية التي دخلت في صراعات وخلافات كادت أن تشعل الحروب بين الجيران، خاصة بين ضفتي الخليج العربي؛ وحل وتهدئة العديد من الملفات الساخنة التي تحتاج إلى حكمة وبُعد نظر، وذلك عبر حلول عادلة لتضارب المصالح بين دول المنطقة. ولعل الملف اليمني كان أولى هذه الخطوات الناجحة التي أدت إلى نجاح الوساطة العمانية التي أوقفت نزيف الدم؛ ولو بشكل مؤقت في ربوع هذا البلد الشقيق، وكذلك وقف استهداف دول التحالف المشاركة في حرب اليمن وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة التي كانت المدن في تلك الدول أهدافا يومية لقصف الحوثيين. كما هناك العديد من المصادر المطلعة التي أكدت قيام السلطان هيثم بوساطة ناجحة بين جمهورية مصر العربية وجمهورية إيران الإسلامية؛ بهدف تقارب وجهات النظر بين هذين البلدين الإسلاميين؛ وذلك خلال الزيارتين اللتين قام بهما جلالته لكل من مصر وإيران هذا العام، بينما كان للسلطنة دور محوري في إعادة العلاقات بين إيران والسعودية إلى جانب العراق والصين، اللذين دخلا على الخط في أعقاب الوساطة العمانية التي مهدت لإعادة السفراء بينهما. وفي الختام: ونحن نستذكر اليوم منجزات هذا الوطن؛ هناك قضية شائكة تعود إلى التسعينيات من القرن الماضي، فهي التحدي الأول بلا منازع طوال 3 عقود منصرمة، وتقتضي منا جميعا أن نتعاون في معالجتها حكومة وشعبا، ويتطلب فيها الشفافية والصراحة لأنها تعد قنبلةً موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، وتكون لهذا الانفجار تأثيراته السلبية على أمن المجتمع العماني واستقراره، وعليه فإن الآمال معقودة على القيادة الحكيمة لهذا البلد العزيز، في أن توجِّه بتوقيف تسريح العمانيين من الشركات القائمة والمستمرة في العمل في السلطنة؛ والتعجيل بتوظيف الشباب الذين تجاوزوا عشر سنوات وهم على قائمة الانتظار، وقبل ذلك كله صرف رواتب مؤقتة للباحثين عن العمل بمقدار مائتين وخمسين ريالًا لكل باحث عن عمل. * أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
مشاركة :