عزيزي الشاب: إياك والعمل!

  • 7/23/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

احتفى العالم الأسبوع الماضي باليوم العالمي لمهارات الشباب، وهو اليوم الذي أقرّته الأمم المتحدة في عام 2014 للتأكيد على الأهمية الاستراتيجية لتمكين الشباب مهاريًا لغايات التوظيف وريادة الأعمال. وتشير الإحصاءات الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن نسبة عدد الشباب ستنمو بأكثر من 78 مليون شاب خلال العقد الحالي، يرافقها نموًا في معدلات البطالة بين شريحة الشباب، مما يستدعي استجابة سريعة وفورية من أنظمة التعليم والتدريب لمواجهة هذا التحدي. يقودنا ذلك إلى حقيقة التغيير المتسارع الآخذ بفرض نفسه على بيئات العمل حول العالم. إذ لم تعد "الوظيفة" تحتفظ اليوم بقوامها السابق والتقليدي، بل أنها اكتسبت مفهومًا ومتطلبات وليدة، أساسها الابتكار والمهارة والمعرفة، وانتقلت أولويات الشركات والمؤسسات لتعزيز تنافسيتها من رأس مالها النقدي، إلى رأس مالها البشري الذي بات يشكّل محور التنافسية وجوهر دورة حياة المؤسسات. يعني هذا، أن التطورات التقنية الخاطفة، وديناميكيات سوق العمل المتغيرة، ستعيد رسم مشهد الأعمال تمامًا، فأمام أجيال التقنيات الذكية والبديلة لن تعد هناك من حاجة لاستقطاب كوادر لـ "تأدية" المهام الروتينية التقليدية، وسننتقل تدريجيًا بل وسريعًا من دور الموظف "المؤدّي" إلى استقطاب شريك الأعمال "المبتكر" المتسلّح بالمهارات المرنة والقابلة للتكيّف، والاستثمار إلى الحد الأقصى في العقل البشري لتجويد أداء المؤسسات وتحفيز استمراريتها في عالم لم يعد يعترف سوى بالملهمين والحالمين القادرين على إضافة الأثر المستدام. يتضّح الأمر جليًا إذا ما نظرنا إلى واقعنا المحلي في ظل رؤية المملكة 2030، والتي ارتكزت في منطلقاتها على الإبداع والابتكار كعماد رئيس لأركان الرؤية الثلاث: مجتمع حيوي، اقتصاد مزهر ووطن طموح. فالارتباط العضوي بين الأركان الثلاث والإبداع والابتكار يكاد يمثّل علاقة حاجة واستجابة، تدرك الرؤية من خلالها أن "الإنسان" وتحديدًا الشباب هم وحدهم من يمثلون أوتاد تلك الأركان لذلك لم يكن بغريب أن توجه "الرؤية" جُلّ عنايتها على الاستثمار في الموارد البشرية مع عنوانها العريض: المستقبل لا يتسّع لمن يعمل فحسب بل إلى من يبدع فيما يعمل!. بمجاراة ذلك؛ فُتحت مسارات التنافسية على امتداد الأفق أمام الشباب التوّاقين لإثباث قدراتهم والتحليق عاليًا، وتلاحقت المبادرات الرامية إلى إنضاج بيئة حاضنة للابتكار ومُحفزة للإبداع، ليجد الشباب السعودي اليوم أنفسهم أمام سيل من الفرص السانحة لتنمية المهارات وإطلاق الطاقات الإبداعية للولوج بثقة في أسواق التوظيف، واقتناص ما يتطلعون إليه من فرص تنسجم مع إمكانياتهم ومكتسباتهم المعرفية وتلبي طموحاتهم. المسألة إذًا لا تستدعي جهدًا فكريًا وذهنيًا فحسب، بل تتطلب من الشباب إرادة صلبة مقرونة بالرغبة والسعي الدائم لاكتساب مهارات تثبّت أقدامهم على سكة التميّز والإبداع، تبدأ من الشغف بالتعلّم المستمر وملاحقة نتاجات العلم، وإرفاقها بالمرونة اللازمة للتكيّف مع المتغيرات والتأقلم مع سوق العمل، والاهتمام المتواصل للتمكّن قياديًا والتحوّل إلى مصدر إلهام للآخرين، ولا تتوقف عن تنمية مهارات التخطيط والتنظيم والقدرة على إدارة الأزمات وتحويل التحديات إلى بدايات جديدة للتفوق والتطور. وأمام التوجهات التقنية الهائلة، وزيادة الاعتماد على مفردات الربط الفائق والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والعوالم الافتراضية، فإن التمسّك بحقيقة الإنسان الأزلية وكينونته الاجتماعية يجب أن تبقى حاضرة ومحصّنة من التفريط أمام الإفراط بالعناية بـ "الزائرين الجدد"، وهذا يستدعي حتمًا أن تبقى مهارة الاتصال الشخصي والمهني على رأس أولويات الشباب وتنميتها في صدارة اهتماماتهم حتى لا يجدوا أنفسهم وقد تحولوا إلى مجرّد ماكينات فاقدة لخصائص التفاعل مع محيطها، منزوعة المشاعر، خالية من القدرة على التعبير، غير آبهة لواقعها ومجتمعها بل أسيرة لنزعة التفوق وتحطيم الأرقام القياسية وتصدّر منصّات التتويج وحصد بريق الشهرة! فأي ابتكار أو إبداع خالٍ من الحواس العصبية ويجرّد المرء تباعًا من جوهر وجوده ويدفعه لقطع أواصره بمحيطه ومجتمعه وإنسانيته وقيمه، سيكون ابتكارًا خاويًا هدّامًا، لا يمنح بقدر ما يأخذ. فالإنسان ولد ليكون ويبقى إنسانًا!

مشاركة :