«روسيا والولايات المتحدة، وهما دولتان رائدتان في مجموعة الدعم الدولية لسورية، تسعيان إلى تسوية سلمية للأزمة السورية، وهما مصممتان على التعاون الكامل». هذه مقتطفات من إعلان روسي - أميركي مشترك غير مألوف في الأعوام الماضية. فقد مضى زمن طويل على إعلانات مشتركة مماثلة. والأمر لا يدور فحسب على مضمون البيان المشترك، بل كذلك على نبرته. تقدم موسكو وواشنطن نفسَيهما على أنهما الجهة المبادرة إلى العملية الدولية الأبرز والصراع الأكثر مدعاة للقلق، وعلى أنهما الجهة الضامنة. وقياساً على العلاقات القائمة بين البلدين في العامين الماضيين، فإنّ هذه المقاربة البناءة لا مثيل لها. وهذا بغضّ النظر عمّا سيحدث لاحقاً. ولكن ماذا تعني الاتفاقات المعقودة؟ قبل أسبوعين، قلت إنّ فشل المحادثات في جنيف ليس النهاية بل هو تأجــــيل لعملية ديبلوماسية فعلية وغير وهـــمية. ولكن، أولاً، تمس الحاجة الى تحديـد الأولويات. فالتسوية السياسية الديبلوماسية والمساومة على مستقبل سورية يجب أن يسبقهما وقف لإطلاق النار مستدام مع فك الارتباط بين المتواجهين. ووفق نص البيان المشترك، فإنّ هذا ما يجب أن يحدث الآن. ومن السابق لأوانه القول إن كانت الهدنة ستؤدي إلى بدء عملية سياسية حقيقية في جنيف. واستعجال بشار الأسد بتحديد موعد الانتخابات النيابية في نيسان (أبريل) لا يفضي إلى مفاوضات مثمرة. فهذه إشارة واضحة للمعارضة بأن أحداً لا يريد تقاسم السلطة، ولن يعترف غير قلة بشرعية التصويت. لكن، ومهما كان الأمر، وفي ظل قتال دائر على الأرض، لا أمل في بلوغ تسوية حول مستقبل سورية. وأخذت الولايات المتحدة وروسيا على عاتقهما تسوية الأزمة السورية. ولن يعود البلدان إلى زمن «الحرب الباردة»، حين كانت القوتان العظميان تقرران مصير العمليات السياسية الرئيسية في العالم. إذ ازداد عدد اللاعبين الذين يرغبون في المساهمة، إيجاباً أو سلباً. ولكن عدد القوى القادرة على المساهمة أقل بكثير من عدد تلك المعلنة. وتورط عدد من القوى الفاعلة في المنطقة بعمق في الأزمة، سواء سعياً وراء حلّ الأزمة أو استخراج أقصى فائدة منها. واضطرت الدول التي انتقدت في الماضي تدخل القوى الخارجية، الى تشجيعها على المشاركة، إثر غرقها في المستنقع السوري. واليوم، الأهم والأكثر مفاجأة، هو سياسة تركيا. فمشاركتها في المعضلة السورية ساهمت في تفاقم التوتر. ويغيب في شكل لافت دور الاتحاد الأوروبي، الذي ينوء تحت ضغوط كبيرة على وقع تدفق اللاجئين الوثيق الصلة بالاضطرابات في الشرق الأوسط. وعلى رغم أنه (الاتحاد الأوروبي) من الأكثر اهتماماً بالتسوية وأكثر المعنيين بها. لا تملك بروكسيل أدوات فعّالة للتأثير في السياسة الدولية، وانشغلت السياسة الاوروبية بالسعي الى اتفاق مع تركيا لمنع تدفق المهاجرين فحسب. وهذا دليل على أن العالم القديم سينصرف، في السنوات المقبلة، الى حلّ المشاكل الداخلية، والتخلي عن الطموحات الخارجية. ولا يجب التفاؤل كثيراً ازاء خطط «وقف إطلاق النار». فتاريخ الصراعات يقول أن الهُدن تخرق مراراً وتكراراً، وقد يندلع القتال العنيف في أثنائها. والمهم هو أن يدرك الطرفان أنّ مواصلة الحرب لن تحقق لهما أي مكاسب، بل قد تؤدي إلى خسارة مكتسبات سابقة. وتجاوز الصراع السوري منذ وقت طويل، حدود الحرب الأهلية. واليوم الصراع هذا مرشح للتحول من نزاع إقليمي إلى نزاع دولي. والعالم يحتاج إلى مثال أو قدوة تفيد بأن الدولتين الأكبر نفوذاً عسكرياً وسياسياً في العالم (ويتضح اليوم أنهما روسيا والولايات المتحدة) قادرتان على الجمع، في آن واحد، بين حال العداء والخصومة وبين امكان الاتفاق على سبل الخروج من خطر معين. ولا شك في أن وجه التسوية في الأزمة السوريّة لن يرضي أحداً، لا في الولايات المتّحدة ولا في روسيا، ولا حتّى في المنطقة. ومع ذلك، ووفق تعريف هنري كيسنجر للتسوية، فهي حلّ وسطي يتساوى فيه امتعاض الأطراف منه. في عالم اليوم يُستبعد أن تجد معادلة أكثر إيجابية. * محلل سياسي بارز، عن «روسيسكايا غازيتا» الروسية، 23/02/2016، إعداد علي شرف الدين
مشاركة :