تابعت باهتمام تفصيلات المشهد الايراني، مرة من خلال القنوات الفضائية واخرى من خلال التقارير التي كتبت عن التغيير في ايران، والعديد من تقديرات الموقف حول هذه الانتخابات، لكن من يعرف ايران كيف تفكر لا يعبأ كثيرا بهذه التقارير، فالواقع شيء مختلف تماما. خلال هذه الفترة كنا على اتصال بعدد من الباحثين في ايران، وكنا نتداول طبيعة التغيرات في المجتمع الايراني، وتم عقد كونفرنس بحثي تحليلي لهذه الغاية، بمشاركة عدد من الباحثين من بريطانيا وامريكا، وقد طلب الينا قبل المشاركة تقديم تصور للانتخابات والمآلات التي ستفضي اليها، وقد أوضحت بأن لا تغيير كبير متوقع في هذه الانتخابات، وان التيار الاصلاحي والمعتدلين لا يختلفون كثيرا عن الاصوليين في العديد من المشتركات بينهم، ولعل أول مشترك ايمانهم المطلق بولاية الفقيه، وهذا وحده يكفي. وعليه فان مؤشرات التغيير التي اقصي بها المحافظون من العاصمة طهران في انتخابات الشورى، وانتخابات مجلس الخبراء، ليست امرا طبيعيا، رغم وجود الظروف الملائمة للتغيير، لكنها كانت تعبر عن خيار سياسي تم تدارسه والاتفاق عليه مسبقا قبل بدء الانتخابات، سمح بترشيح الاصلاحيين وعدم التضييق عليهم. في هذه الانتخابات حصل الاصلاحيون على 30 مقعدا برلمانيا مخصصة لطهران، وكذلك حصلوا على 51 مقعدا من 61 في انتخابات مجلس الخبراء في طهران، ليصل الاصلاحيون والمعتدلون المتوقع في مجلس الشورى ما بين 125-150 عضوا، والمحافظون، لكن صلاحيات مجلس الشورى تظل مقيدة بصلاحيات مجلس الخبراء، فمجلس الخبراء هو من يوافق على ما يصدر عن مجلس الشورى، وهذا يعني ان سيطرة القميين على مجلس الخبراء، رغم سيطرة الاصلاحيين على مقاعد طهران تؤكد ان مهندس الديكور السياسي استطاع بناء هذا الديكور وفقا للحاجات السياسية الايرانية. وعليه فان من يرون أن هذه الانتخابات تؤكد وجود تغيير كبير في ايران، نقول لهم التغيير الاجتماعي والثقافي في ايران كبير، وهناك تغيير في أوساط الشباب الايراني، وان وسائل الاتصال الاجتماعي كانت أكبر من محاولات السيطرة والتوجيه، وهناك مخاوف من التغيير الاقتصادي، ان يساهم بشكل اكبر في تعزيز التوجهات والقيم الليبرالية، خاصة ان المجتمع الايراني منقسم الى مستويات الظاهر منها اولا المستوى الديني والتقليدي والمستوى الثاني الحياة الارستقراطية والليبرالية، والثالث المجتمع السفلي، ويتشارك المستوى الاول مع المستوى الثالث دائما (الفساد والمخدرات وشبكات الدعارة) ولهذا لا تعجب ان ترى المستوى الثالث اكثرهم نشاطا ودينامية في ايران، لكن المستوى الارستقراطي أكثرهم استقرارا وتطورا وثقافة، لكن النظام السياسي الايراني لديه قدرات على امتصاص واعادة توجيه هذا الحراك الى وجهات مختلفة احيانا، وعليه لم نستغرب تعليقات المعارضة الايرانية بتأكيدها ان هذه الانتخابات شكلية وليست حقيقية. التغيير الذي اراده صانع الديكور السياسي فقط فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الغرب، التي صارت ايران قريبة منه، وهو قريب منها، ولا يمكن للغرب الدخول مع ايران في مجالات كثيرة دون تبريرات منطقية للشارع الغربي بأن ايران تغيرت وانها أصبحت دولة مدنية بدلا من كونها ميليشيا ثورية، وان الرئيس اوباما أسهم في دفع ايران لتبني خيارات مدنية، هذا ما ترغب به طهران وواشنطن، كما ان طهران التي دفعت بقرار رسمي باعتلاء الاصلاحيين الحلبة في الوقت الراهن، فانهم ايضا ومنذ فترة يدعمون عبر اللوبي الايراني في امريكا المرشح الديمقراطي هيلاري كلينتون، وان اللوبي دعم حماة كلينتون بـ 250 مليون دولار، ما يعني أن ديمقراطيي ايران وامريكا هما قادة المرحلة القادمة كما ترى ايران. اللافت للاهتمام في هذه الانتخابات ان هناك مخاوف وهواجس بأن مجلس الخبراء الجديد سيكون مكلفا باختيار نائب او بديل عن المرشد علي خامنئي حال وفاته، وان بلدية طهران سمحت لاول مرة للمرشحين بالدعاية المختلفة، حيث ظهر الخطاب الانتخابي ذا مسحة حداثية، واصبحت طهران عبارة عن مختبر اعلاني، وهذا يتزامن مع الانفتاح الجديد، حيث دعت طهران العديد من وسائل الاعلام الغربية على الخصوص، ومراكز الدراسات، ورجال اعمال ومسؤولين في شركات عالمية، والهدف ان القيادة الايرانية رغبت بارسال رسالة للجميع بأن ايران تتغير بسرعة، وان الاجواء هذه مشجعة للتعامل معها. ورغم ان هذه المتغيرات شبه ايجابية، الا ان من الملاحظات ايضا ان هذه الانتخابات وجدت مشاركة ضعيفة لدى ابناء القوميات غير الفارسية، رغم ان الاصلاحيين طالبوا بمنح هذه القوميات مزيدا من الحقوق، واعتقد جازما ان القرار السياسي يعلم ان ايران مقبلة على مشكلة مع القوميات غير الفارسية وانه اراد ان يوجه رسالة لها عبر الاصلاحيين بأن ايران جديدة قادرة على استيعابهم، لكن مجلس صيانة الدستور الذي ينظر في اهلية المرشحين، رفض ترشح 12 من السنة في طهران، ما اضطرهم لدعم الاصلاحيين الاقرب اليهم من الناحية السياسية. اسرائيل الوحيدة التي راقبت الانتخابات بشكل جيد، ويقال ان فريقا اعلاميا يعمل لصالح الصحافة الاسرائيلية زار طهران قبل الانتخابات، وانه انتشر في مدن رئيسة في طهران ومشهد وقم، لقراءة التغيير في ايران واتجاهاته، وان كانت الحجة بأنهم غربيون ويعملون في صحف اسرائيلية، الا ان هذا الفريق استطاع خلال اسبوعين اعداد تصور كبير حول إيران، وامكانية التغيير في سياساتها الداخلية والخارجية، وخلص هذا الفريق إلى أن انتخابات 2009 كسرت حاجز الرمزية الايرانية، بعدما مزق الايرانيون صورا للخميني وخامنئي، وان الاحتجاجات اعطت درسا للسلطة الايرانية بضرورة التغيير الداخلي، ولكن على المستوى الخارجي، فان لا تغيير على المستوى الاقليمي، سوى من محاولات سوف يقوم بها رفسنجاني للتهدئة مع السعودية، فيما توقعت أن تبدي ايران مرونة اكبر في الانفتاح على اسرائيل اذا ما ضمن ايران دعما اسرائيليا لبقاء الاسد في الاطار الفيدرالي المعلن. كما ان اللافت في الانتخابات الايرانية، ان المرأة الايرانية وهي بحسب القوانين الايرانية أكثر قوة في القانون من الرجل، وهي تهيمن على قطاعات استثمارية واقتصادية وتعليمية، في ظل تفضيل الرجال الذهاب الى العسكرية والحرس الثوري، حيث ترشحت 500 امرأة لكن الاشارات تفيد بأن تمثيل المرأة لن يزيد على 20 عضوا في المجلس الجديد. ضمن هذه المعطيات فانه طالما لم يحدث تغيير في مجلس الخبراء والقيادة، ومجلس صيانة الدستور لن يتحرر البرلمان الايراني من سطوة المرشد، ولطالما بقيت هذه المؤسسات بيد المرشد، ظل التيار الاصولي والحرس الثوري الذي ابتلع الدولة سلطة كبيرة يعتد بها في ايران، لكن ما يمكن التعويل عليه، ان التيار الاصلاحي له رؤية مختلفة في خدمة ايران، وان لم تكن بعيدة جدا عن تصورات الاصوليين، وبخاصة فيما يتعلق بالتدخل في الشؤون العربية والاقليمية، وضمن هذا التصور فانه ومن المرجح في حال اصبحت خيوط طهران تل ابيب جارية، فان تحجيم حزب الله سيكون واحدا من نتائج هذه العلاقات.
مشاركة :