رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية مساء الأربعاء لتبلغ بذلك أعلى مستوياتها في 16 عاماً، وعزا ذلك لاستمرار ارتفاع التضخم. وحدد البنك سعر الفائدة الرئيسي لليلة واحدة عند نطاق 5.25 بالمئة إلى 5.5 بالمئة. وترك البيان المصاحب للإعلان الباب مفتوحا لزيادة أخرى. وقال البيان «لجنة (السوق المفتوحة الاتحادية) ستواصل تقييم معلومات إضافية وتأثيرها على السياسة النقدية»، مستخدما لغة لم تتغير كثيرا عن المستخدمة في بيان يونيو وتترك الخيارات مفتوحة أمام البنك. وفي السياق، رفعت معظم البنوك المركزية في منطقة الخليج أسعار الفائدة الرئيسية الأربعاء بعد قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) زيادة سعر الفائدة بنسبة كانت متوقعة إلى حد كبير وهي ربع نقطة مئوية. وعادة ما تسير دول الخليج على خطى البنك المركزي الأمريكي نظرا لربط عملاتها بالدولار، والدينار الكويتي فقط مربوط بسلة من العملات من بينها الدولار. لكن اقتصادات المنطقة ظلت بمأمن إلى حد كبير من ارتفاع معدلات التضخم، وأظهر استطلاع لـ «رويترز» في أبريل أن التضخم في المنطقة من المتوقع أن يسجل ما بين 2.1 و3.3 بالمئة هذا العام وأن يتراجع في 2024. وحذت البنوك المركزية في السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين حذو البنك المركزي الأميركي، لكن البحرين أبقت على سعرين من أصل 4 أسعار لأنواع الفائدة بلا تغيير. ورفع البنك المركزي السعودي سعر إعادة الشراء (الريبو) إلى ستة بالمئة ومعدل إعادة الشراء المعاكس (الريبو العكسي) إلى 5.5 بالمئة، بواقع 25 نقطة أساس لكل منهما. وقال مصرف الإمارات المركزي الأربعاء إنه سيرفع سعر الأساس على تسهيلات الإيداع لليلة واحدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 5.40 بالمئة من 5.15 بالمئة، اعتباراً من الخميس (أمس). ورفع مصرف قطر المركزي أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 25 نقطة أساس أمس الأول، إذ رفع فائدة الإقراض إلى 6.25 بالمئة بينما زادت الفائدة على الإيداع إلى 5.75 بالمئة وسعر إعادة الشراء إلى ستة بالمئة. وقرر مصرف البحرين المركزي زيادة سعر الفائدة الأساسي على ودائع الأسبوع الواحد إلى 6.25 بالمئة ورفع سعر الفائدة على ودائع الليلة الواحدة إلى ستة بالمئة. المركزي الكويتي من ناحيته، قال محافظ بنك الكويت المركزي باسل الهارون، أمس الأول، إن قرارات «المركزي» بشأن رسم وتنفيذ السياسة النقدية تأتي في إطار نهج متدرج ومتوازن يستهدف تكريس الاستقرار النقدي والمالي، والمحافظة على تنافسية العملة الوطنية وجاذبيتها كوعاء مجز وموثوق للمدخرات المحلية، وتعزيز الأجواء الداعمة للنمو الاقتصادي المستدام. جاء ذلك في تصريح صحافي حول أبرز المستجدات النقدية والمصرفية المحلية وجهود «المركزي» في الاستجابة لاضطرابات الأسواق الدولية وأثرها على الأوضاع الاقتصادية الوطنية. وأفاد بأن «المركزي» وفي إطار متابعته المتواصلة للمؤشرات والبيانات الاقتصادية والنقدية والمصرفية محليا وعالميا، إضافة إلى التداعيات الجيوسياسية والتوجهات العالمية لأسعار الفائدة قام منذ مارس 2022 برفع سعر الخصم تسع مرات بإجمالي 275 نقطة أساس. وأضاف أنه تقرر رفع سعر الخصم بواقع 25 نقطة أساس 6 مرات متتالية، وذلك خلال الأشهر مارس ومايو ويونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر 2022 ليصبح عند 3 في المئة. وأوضح أنه تقرر أيضاً رفع سعر الخصم بواقع 50 نقطة أساس في 6 ديسمبر 2022 و25 يناير 2023، ليصبح عند 4 في المئة، فيما أعلن في وقت سابق رفعه بواقع 25 نقطة أساس، ليصبح عند 4.25 في المئة. تحولات جوهرية وحول أدوات وأهداف السياسية النقدية، قال الهارون إنه منذ الربع الأول من العام الماضي تعرض الاقتصاد العالمي إلى تحولات جوهرية، في ضوء ما يشهده من أحداث أثرت بشكل أساسي على ارتفاع معدلات التضخم في العديد من الدول، ما ساهم في تحول السياسة النقدية في أغلب الاقتصادات إلى السياسة التشددية. وبيَّن أن من هذه السياسات التشددية استخدام البنوك المركزية رفع أسعار الفائدة، بغرض تحقيق مجموعة من الأهداف الوسيطة، المتمثلة في الحد من تسارع الائتمان، وتخفيض المعروض النقدي، وبالتالي تحقيق الأهداف الرامية لمكافحة التضخم، وتخفيض الطلب الكلي في الاقتصاد، وهو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي. ولفت إلى أن طبيعة إدارة تلك السياسة تتفاوت من دولة إلى أخرى، وفق ما تقتضيه الطبيعة الاقتصادية وخصوصيتها. وأفاد بأن ما يُعرف بقنوات انتقال آثار السياسة النقدية يكتسب أهمية كبرى لجهة تقييم فاعليتها في تحقيق الأهداف النهائية، إذ يجب أن تكون السُّلطات النقدية على دراية كافية، وتقدير دقيق لتوقيت تأثير قراراتها على المتغيرات الاقتصادية الاسمية والحقيقية. وذكر أن الكتلة النقدية أو عرض النقد بمعناه الضيق (إن 1) شهد تراجعاً سنوياً قيمته 1.3 مليار دينار (4.2 مليارات دولار)، وبنسبة 10.1 في المئة، ليصل إجمالي قيمته إلى نحو 11.4 مليار دينار (37.6 مليار دولار) في نهاية يونيو، نتيجة انخفاض رصيد ودائع تحت الطلب بالدينار بنسبة 12 في المئة خلال الفترة المذكورة، حيث تشكل 84.1 في المئة من التراجع في الكتلة النقدية (إن 1). وعن قناة سعر الفائدة، أوضح محافظ البنك المركزي، أنها تعتبر آلية انتقال رئيسة تؤثر فيها التغيرات على السياسة النقدية وعلى تكاليف الإقراض وقرارات الاستهلاك والاستثمار وكذلك مستوى الودائع. وأضاف أن الهوامش بين الفائدة على العملة المحلية (الدينار الكويتي) والعملة الأجنبية (الدولار الأميركي) تلعب دوراً مهما في توجيه المدخرات، لافتاً إلى سعي «المركزي» إلى الإبقاء على هامش مقبول لمصلحة العملة المحلية، بهدف جذب الودائع الدينارية. وأفاد بأن الهامش القائم بين المتوسطات المرجحة لأسعار الفائدة على ودائع العملاء لدى البنوك المحلية بكل من الدينار والدولار للودائع لأجل شهر بلغ 0.6429 نقطة مئوية في يونيو الماضي، مقابل 0.5830 نقطة مئوية في يونيو 2022، في حين بلغ هامش الودائع لأجل ثلاثة أشهر 0.6424 نقطة مئوية، مقارنة بـ 0.3824 نقطة في الفترة نفسها. وفيما يتعلق بقناة الائتمان لنقل أثر السياسة النقدية التشددية الهادفة إلى تخفيف الطلب الكلي، قال محافظ «المركزي» إنه رغم أثر زيادة أسعار الفائدة على نمو التسهيلات الائتمانية، إلا أن هذا الأثر كان طفيفاً على محفظة القروض لدى البنوك المحلية، إذ سجلت أرصدة التسهيلات الائتمانية تباطؤاً في النمو السنوي من أعلى مستوى عند نحو 11.1 في المئة بأبريل 2022 إلى نمو بنسبة 3.9 في المئة في نهاية يونيو الماضي. واعتبر أن محصلة الضوابط والتعليمات الرقابية الحصيفة التي تنظم التسهيلات الائتمانية الشخصية انعكست في استقرار درجة الانتظام بشكل عام في هذه المحفظة، إذ وصل رصيد القروض المنتظمة إلى 98.5 في المئة من إجمالي المحفظة، كما في ديسمبر 2022. وأشار إلى أنه بفضل السياسات التحوطية والاحترازية استطاع «المركزي» توجيه البنوك لتعزيز مصداتها المالية، وتحصين القطاع المصرفي، لزيادة قدرته على مقاومة الصدمات الخارجية، ليظل قادراً على مواصلة خدمة الاقتصاد الوطني بكفاءة عالية، حتى في ظل أوضاع ضاغطة. مؤشرات السلامة المالية وبيَّن الهارون أن هذه السياسات تعكسها مؤشرات السلامة المالية للبنوك الكويتية، كما في نهاية مارس 2023 من قوة وسلامة أوضاعها المالية، المتمثلة في المعدلات المرتفعة لمعيار كفاية رأس المال عند 19 في المئة، وتغطية السيولة البالغ 158.1 في المئة، وصافي التمويل المستقر عند 113.7 في المئة بنسب تفوق متطلبات الحدود الدنيا، وهي مؤشرات تدعمها معايير جودة الأصول، إذ حافظت نسبة القروض غير المنتظمة على مستواها المتدني تاريخياً، البالغ 1.5 في المئة. وأفاد بأن أرصدة ودائع القطاع الخاص المقيم شهدت ارتفاعاً بنحو 1.7 مليار دينار (5.1 مليارات دولار) بنسبة نمو سنوي 4.7 في المئة، لتصل إلى نحو 37.9 مليار دينار (125 مليار دولار) في نهاية يونيو الماضي، مبيناً أن أغلب الزيادة جاءت من الودائع بالدينار، التي شكلت 95.6 في المئة من ودائع القطاع. وتابع الهارون، أن الودائع بالعملات الأجنبية تشكل ما نسبته 4.4 في المئة من ودائع القطاع الخاص إذ انخفضت بنسبة 0.7 من 1.68 مليار دينار (نحو 6.1 مليارات دولار) في نهاية يونيو 2022 إلى 1.67 مليار دينار (نحو 5.5 مليارات دولار). وبالنسبة للنهج المتوازن والمتدرج للسياسة النقدية للمركزي، اعتبر المحافظ أنه لم يجار البنوك المركزية العالمية في قرارات الرفع المتسارعة لأسعار الفائدة خلال دورة التشديد النقدي التي بدأت منذ مارس 2022 والتي انعكس أثرها على تهديد الاستقرار المالي. وقال إنه في ضوء الاضطرابات التي اجتاحت القطاع المصرفي في بعض الدول ذات الاقتصادات المتقدمة وتداعياتها على توجهات السياسة النقدية العالمية في النصف الثاني من العام الحالي، التي تشير بوضوح إلى قرب انتهاء دورة التشديد النقدي في بعض الاقتصادات العالمية «يواصل المركزي النهج المتوازن لسياسته النقدية». وأضاف أن هذا النهج يستهدف تكريس الاستقرار النقدي والمحافظة على جاذبية العملة الوطنية كوعاء موثوق للمدخرات المحلية وتعزيز الأجواء الداعمة للنمو الاقتصادي المستدام مع الاستمرار في التركيز على تعزيز الاستقرار المالي لوحدات القطاع المصرفي وهو الاهتمام القائم والمستمر للفترة المقبلة مع المراجعة المستمرة للمؤشرات الاقتصادية والنقدية والمصرفية الداعمة للمسار الحالي للسياسة النقدية في ضوء الأثر المتأخر للقرارات السابقة على تلك المؤشرات. وأكد الهارون استعداد بنك الكويت المركزي للتحرك عند الحاجة لتوجيه مختلف أدوات السياسة النقدية لتكريس الأجواء الداعمة للنمو الاقتصادي المستدام والمحافظة على تنافسية وجاذبية العملة الوطنية كوعاء للمدخرات المحلية وفي إطار المحافظة على الاستقرار النقدي والاستقرار المالي. إشادة صندوق النقد أكد الهارون، أن السياسية النقدية لـ «المركزي» تأخذ بعين الاعتبار المفاضلة بين هدفي الاستقرار النقدي والمالي وتعتمد النهج المتوازن والمتدرج في تشديد السياسة النقدية من خلال ضبط المتغيرات والمجاميع النقدية المرتبطة بتنامي معدلات الطلب المحلي والسيولة والائتمان بما يساعد على الحفاظ على الدخل المتاح للمواطنين دون إبطاء معدلات النمو الاقتصادي والخطط التنموية للدولة وعدم الإخلال بنمو الودائع. ولفت الهارون إلى إشادة صندوق النقد الدولي بفعالية السياسة النقدية للبنك المركزي، لاسيما أن الإجراءات الرقابية الحصيفة ساهمت في المحافظة على الاستقرار المالي للنظام المصرفي الكويتي، مؤكداً مواصلة البنك مساعيه الرامية إلى تعزيز ممارسات الإفصاح والشفافية التي دأب على اتباعها في كل أعماله بصفة عامة، إذ أعلن بوضوح الأهداف التي يعمل على تحقيقها والأسس التي استند عليها في اتخاذ قراراته من خلال إصدار تسعة بيانات صحافية تخص قرارات سعر الخصم منذ مارس 2022 تم نشرها على موقعه الإلكتروني. السيولة أفاد الهارون بأن السيولة المحلية أو عرض النقد بمعناه الواسع (إن 2) شهدت ارتفاعاً بنحو 1.7 مليار دينار (نحو 5.6 مليارات دولار) وبنسبة 4.4 في المئة على أساس سنوي لتبلغ نحو 39.7 مليار دينار (نحو 131 مليار دولار) في يونيو الماضي وجاءت هذه الزيادة كمحصلة لارتفاع رصيد شبه النقد وانخفاض رصيد الكتلة النقدية (إن 1). وأوضح أنه في إطار متابعة «المركزي» للتضخم باعتباره ضمن مؤشرات الاستقرار النقدي المرتبطة إلى حد كبير ببنية الاقتصاد وانفتاحه على الخارج واعتماده على تلبية احتياجاته الاستهلاكية على الأسواق الخارجية، فإن البنك يسعى بما يملكه من أدوات نقدية إلى إبقاء معدلات التضخم في حدودها الدنيا وغير ضارة ولا تؤثر بشكل كبير على القدرة الشرائية. وأشار إلى أن قناة سعر الصرف المستندة إلى نظام ربط سعر صرف الدينار الكويتي بسلة عملات تخدم الاقتصاد المحلي وتمنح المركزي مرونة نسبية في إدارة السياسة النقدية مقارنة بالدول التي ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي مباشرة. وذكر أن النهج المتوازن والمتدرج الذي يتبعه البنك لسياسته النقدية الهادفة إلى تكريس الاستقرار النقدي والمالي إلى جانب السياسات الحكومية الأخرى قد أسهما في احتواء التضخم والتخفيف من تأثيراته على الاقتصاد المحلي. وأردف الهارون أن معدل التضخم السنوي تباطأ من أعلى معدل له في أبريل 2022 عند نحو 4.71 في المئة وصولاً إلى 3.8 في المئة خلال يونيو الماضي، ورغم ذلك يلاحظ استقراره عند حدود 3.7 في المئة خلال أشهر مارس وأبريل ومايو ليرتفع قليلاً إلى 3.8 في المئة في شهر يونيو الماضي. وأفاد بأنه عند مقارنة معدل التضخم المحلي مع معدل التضخم لأهم الشركاء التجاريين مع الكويت يتبين الاستقرار النسبي للأسعار المحلية وسعر صرف الدينار الكويتي مقابل العملات الرئيسية.
مشاركة :