اضطرابات عاصفة تلقي بظلالها على العالم، وسط اصطفافات دولية، ومحاولات لعزل روسيا، فيما تلوح في الأفق «أزمة غذاء» مع تطور قضية الحبوب. عوامل مختلفة أضفت حالة خاصة على القمة الروسية الأفريقية الثانية في سان بطرسبرغ، وعكست في تفاصيلها تلاقي مصالح ورغبة الجانبين في تطوير العلاقات، لمواجهة التحديات الواسعة الناجمة عن التطورات الجيوسياسية العالمية، والبناء على نتائج القمة الأولى التي انعقدت قبل أربعة أعوام. أخذت أجواء القمة الثانية طابعاً مختلفاً عن «قمة سوتشي» خريف 2019، بالنظر لاختلاف الظروف السياسية والاقتصادية العالمية، وجملة التطورات العاصفة وما صاحبها من متغيرات على صعيد العلاقات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يؤكده نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، السفير صلاح حليمة.ينوّه حليمة عبر «البيان» بما تحظى به العلاقات الروسية الأفريقية من أهمية في ضوء الأوضاع العالمية الحالية، وجملة التحديات التي تواجهها القارة السمراء، متأثرة بهذه الأوضاع، وإن لم تكن طرفاً مباشراً فيها، بينها: تبعات الحرب في أوكرانيا، ومحاولات عزل روسيا، وصولاً لـ«أزمة الحبوب» الحالية. مساحة وشراكة وبحسب حليمة، القمة الثانية تشكل مساحة مهمة لتطوير العلاقات ومستوى الشراكة الاستراتيجية المتوازنة، لاسيما وأفريقيا تشهد منافسة كبرى بين قوى دولية (روسيا، والصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي)، وأخرى إقليمية، ومع تصاعد التوجهات المرتبطة بإقامة «نظام عالمي جديد»، تتحرك فيه روسيا بصفة أساسية مع دول مجموعة «بريكس» بشكل خاص، يشمل: التوجه لإقامة نظام مالي ونقدي جديد، مبني على أساس التعامل بالعملات المحلية (عوضاً عن الدولار)، فيما دول أفريقية تسعى للانضمام إلى تكتل «بريكس». ويوضح حليمة أن واحداً من أهم الملفات المرتبطة بالتطورات الجارية، هو «ملف الحبوب»، بعد انهيار اتفاقية الحبوب عبر البحر الأسود أخيراً، وحجم الضرر الواسع المحتمل على الدول الأفريقية بشكل خاص، وفي ضوء تفهم روسيا لاهتمامات القارة في حل الأزمة عبر الوفاء بالالتزامات تجاه دول أفريقيا، فيما يخص الحبوب، والأسمدة، وإنشاء مراكز وطرق لوجستية، فضلاً عن تقديم الحبوب بالمجان لبعض الدول (الأشد احتياجاً، والأكثر فقراً). وأعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، استعداد بلاده لتوريد الحبوب مجاناً إلى ست دول أفريقية في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر، هي: بوركينا فاسو، وزيمبابوي، ومالي، والصومال، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وإريتريا)، تقدر بين 25 و50 ألف طن لكل دولة. يضاف إلى الملفات السياسية والاقتصادية التي تجمع الجانبين، ملفات مختلفة، مرتبطة بالأوضاع الأمنية، ومكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، والاتجار بالبشر، فضلاً عن التعاون في قطاعات اقتصادية مختلفة، بينها: الطاقة، والتعدين، والصناعة، والزراعة، والاستثمار في الثروة السمكية، والطاقة النووية والكهرومائية، والسياحة، والتعليم، علاوة على التعاون المشترك في «الأمن الإنساني»، بحسب حليمة. وتحظى العلاقات بأهمية خاصة للجانبين، فمن ناحية روسيا، الساعية إلى التغلب على محاولات «العزلة» التي تلاحقها من الغرب، الداعية إلى تأسيس نظام عالمي جديد، عماده التعددية القطبية، والخروج من هيمنة الدولار. من ناحية مغايرة، تدفع أفريقيا «فاتورة باهظة» بفعل الاضطرابات الداخلية في بعض دولها، كذلك التطورات الجيوسياسية، وارتدادات الحرب الأوكرانية عليها، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها، و«أزمة الغذاء» التي تلوح في الأفق. امتداد استراتيجي وتلتقي مصالح الجانبين في التكامل، لاسيما على الصعيد الاقتصادي، حيث شركات روسية عديدة تعمل في القارة السمراء، طبقاً لخبير الشؤون الأفريقية، رامي زهدي، الذي يلمّح عبر «البيان» إلى الأهمية الاستراتيجية للقارة ضمن مستهدفات السياسة الخارجية الروسية، كون أفريقيا «امتداداً استراتيجياً» على مختلف المستويات، مبيّناً أن موسكو -في ضوء سعيها لكسر الهيمنة الأمريكية- تنظر إلى علاقات الشراكة مع دول القارة باعتبارها فرصة حقيقية، تبرم لأجلها اتفاقات التعامل بالعملات المحلية، والانخراط في «بريكس» (المجموعة الساعية لإطلاق عملتها الخاصة). ويستطرد زهدي أن ما تمثله القارة السمراء كنافذة مهمة لروسيا، في خضم المحاولات الغربية لعزلها، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو. إذ تمثل أفريقيا منفذاً مهماً لروسيا، لاسيما أن دولها تشاطر موسكو الرغبة ذاتها في تطوير العلاقات، لما تعانيه من أزمة نقص الغذاء، واعتمادها، بشكل رئيس، على الواردات، خاصة واردات الحبوب من روسيا وأوكرانيا. ويمكن لروسيا استثمار أزمة الحبوب التي خلقها انهيار «اتفاقية البحر الأسود»، وبنمطية استراتيجية، في توطيد العلاقات مع القارة السمراء، وأخذها إلى مناحٍ أكثر تأثيراً وعمقاً، وفق زهدي. ولا يتجاهل زهدي تأثير التنافس الدولي بشأن القارة السمراء على آفاق العلاقات بين روسيا وأفريقيا، الأمر الذي يضع جملة تحديات سياسية واقتصادية أمام موسكو. تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :