عندما يكتب ياسر المسيليم

  • 7/30/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي، ‏أرادَ السلطان سليمان القانوني أن يهدم إحدى السرايا القديمة، ‏ويقيم واحدة جديدة مكانها، ‏فسأل عن أمهر مهندسٍ في البلاد، ‏فقالوا له: ليس لكَ إلا المهندس معمار سنان! ‏وبالفعل أرسل السلطان في طلب معمار، ‏وأخبره بما يريدُ منه أن يفعل بالضبط، ‏وقبل معمار سنان هذه المهمة ومضى في تنفيذها، ‏إلى هنا يبدو كل شيءٍ عادياً ومألوفاً! ‏ولكن ما هو غير عادي أن السلطان كان يُتابع كل صغيرة وكبيرة، ‏وقد لفتَ نظره أن معمار سنان عندما بدأ بهدم السرايا، ‏استخدم لها عمالاً غير الذين استخدمهم ‏حين بدأ ببناء السرايا الجديدة! ‏فأرسل في طلبه وقال له: ‏يا سيد معمار عندما كنت تهدم السرايا استخدمت عمالاً، ‏ثم استبدلتهم في البناء، لِمَ فعلتَ ذلك؟ ‏فقال له معمار سنان: يا جلالة السلطان، ‏من يصلح للتدمير لا يصلح للبناء! ‏ ‏تأملها بعمقٍ يا صاحبي، ‏من يصلحُ للتدمير لا يصلحُ للبناء! ‏خذها قاعدة يا فتى! ‏من جرحكَ ليس هو الذي سيداويك، ‏لا تبحث عن دوائك حيث كان داؤك! ‏خُذْ جرحكَ إلى مكان قصيِّ بعيدًا عنه، ‏والذي أنزل لكَ دمعتكَ، ‏ليس هو الذي سيمسحها عن خدك! ‏اليد التي تصفعُ ليس هي التي تحضن! ‏والذي كسر خاطرك، ‏ليس هو الذي سيجبره، ‏كُفَّ عن إعطاء الناس فرصاً إضافية! ‏من النضج أن تصل إلى قناعة أنه لا خير يُرجى من بعضهم! ‏ ‏يا صاحبي، ‏لستُ أدعوك لأن تكون قاسياً، ‏تعرفُ جيداً أني أُحبُّ اللين والليّنين! ‏وأنه يأسرني المتسامحون الذين يعضّون على جراحهم ويغفرون! ‏كل ما في الأمر أني لا أريدك أن تكون ألعوبة بيد أحدهم، ‏ولا أضحوكة في فم يتذكر طيبتك، ‏فيحسبها سذاجة ويبتسم! ‏ما أريدكَ أن تفهمه، ‏أنَّ من أمِنَ الفِراق أساء الوصل، ‏وأن الذي يسيءُ إليكَ لأنه ضامن بقاءكَ، ‏عليكَ أن تشعره أن بإمكانك أن ترحل! ‏ ‏يا صاحبي، ‏كلنا نُخطئ ونسيء! ‏ونحن بحاجة إلى أن نغفر للآخرين أخطاءهم، ‏لنجد من يغفر لنا حين نُخطئ، ‏ولكن شتان بين خطأ عابر، ‏يتبعه بعد ذلك اعتذار وجبر وطبطبة، ‏وأن تصرفاً قبيحاً واحداً، ‏يجب أن لا يضيع في بحر كبير من تصرفاتٍ جيدة! ‏ما أردتُ قوله أن تحذر السيء على الدوام، ‏ذاك الذي يجرحك كل مرة، ‏ويختار أن يكسب الموقف ولو على حساب خاطرك، ‏ذاك الذي يؤمن في قرارة نفسه، ‏أنك ستعود إليه بعد أن تداوي جرحكَ، ‏وترمم كسركَ! ‏هذا عليكَ أن لا تدير ظهركَ له كل مرةٍ ريثما تهدأ، ‏وتعود إليه ليعاود هو مرةً أخرى، ‏هذا عليكَ أن تستدير مرةً وتنظر في وجهه، ‏وتقول له: لقد اكتفيتُ! ‏ ‏والسلام لقلبكَ

مشاركة :