الجرائم قد ترتكب لأسباب عدة منها العادي والمتوقع كالأخذ بالثأر أو الدفاع عن الشرف، ومنها ما هو غريب وغير متوقع. من أغرب الأسباب التي ارتكبت بسببه جريمة قتل وسرقة راح ضحيتها سائق سيارة نقل على يد شقيقين أن الشقيق الأصغر يهوى الغناء وطلب منه أحد منتجي الكاسيت مبلغ عشرة آلاف جنيه لإصدار شريط كاسيت بصوته وأقنعه بأن الشريط سوف يكسّر الدنيا وسينقله إلى مصاف الأثرياء كما سيصبح واحداً من كبار المطربين، فأقنع شقيقه الأكبر بمشاركته في ارتكاب جريمة قتل وسرقة لتوفير المبلغ المطلوب، لكن جريمتهما لم تثمر الغنيمة المتوقعة وألقي القبض عليهما لينالا جزاء جريمة من دون مقابل، ومن مفارقات القدر أن صغر صندوق سيارة أحد السائقين أنقذه من الموت في آخر لحظة، بينما تسبب كبر صندوق سيارة ضحية جريمة الشقيقين في مقتل صاحبه من دون أي ذنب جناه. البداية عندما استيقظ السائق جمال (33 سنة) في ساعة مبكرة من الصباح كعادته كل يوم وأيقظ زوجته وطفليه ليستعدا للذهاب إلى مدرستهما الابتدائية القريبة. احتضن الأب ابنته سارة وبعدها ابنه أحمد وأخذ يقبلهما حتى إن الصغيرين تعجبا من تصرفه الذي لم يعتادا عليه من قبل، فأحياناً كثيرة يكون والدهما متعكر المزاج لعدم أخذ كفايته من النوم قبل أن يغادر السرير مضطراً، وفي مثل هذه الأيام علمتهما التجارب أن يبتعدا عن طريقه. رنت ضحكات جمال وتجاوبت معها ضحكات زوجته عندما لم يستطع الإجابة عن تساؤلات طفليه، فهو نفسه لا يعرف سبباً محدداً لما يفعله وحتى لو عرف فلن يستطيع الإفصاح عنه، فمن الذي يعرف أن ساعته قد حانت وأن كل دقيقة تمر عليه لن يمر عليه مثلها مرة أخرى وتقرّبه من النهاية المحتومة التي يعدها له القدر، وحتى لو عرف فهل يستطيع أن يكسر قلب طفليه ويخبرهما؟ غادرجمال منزله مسرعاً وأدار محرك سيارته النقل التي كان قد تركها أسفل المنزل مساء اليوم السابق وانطلق بها إلى موقف السيارات في المدينة.. إنه يعمل على السيارة لحساب إحدى شركات الشحن منذ حوالي 7 سنوات وبعد فترة قصيرة من التحاقه بالعمل اكتسب ثقة صاحب الشركة ومحبة جميع العاملين فيها، كما شعر هو نفسه بالاستقرار، فالمرتب الذي يتقاضاه من الشركة والبقشيش الذي يحصل عليه من الزبائن يحققان له دخلاً كبيراً أغناه عن التنقل بين أصحاب سيارات النقل للعمل لديهم يوماً بيوم، كما يوفر منه مبلغاً محترماً كل شهر حتى يحقق حلم عمره في امتلاك سيارة نقل يعمل عليها لحسابه الخاص، وبعد قليل من وصوله إلى مكانه المعهود في الموقف حضر إليه صديقه أنور الذي يعمل سائقاً أيضاً على سيارة نقل في الموقف ومعه شاب لم يره من قبل وأخبره أنور بأن الشاب الذي بصحبته يبحث عن سيارة لنقل مولد كهرباء إلى قريته في إحدى المحافظات، لكن نظراً لصغر حجم صندوق سيارته أحضره إليه وأوصاه به، وبعد مساومة قصيرة اتفق جمال على أن يدفع الزبون مبلغ 450 جنيهاً ودفع بالفعل 300 جنيه كمقدم وانطلقت السيارة وغادرت الموقف يقودها جمال ويجلس الزبون إلى جواره. مرت الساعات حتى اكتملت خمسة أيام من دون عودة السائق جمال وانفطر قلب زوجته وطفليه من شدة القلق عليه، خاصة أن هاتفه المحمول مغلق باستمرار واتصلت الزوجة مرات عدة بمقر الشركة تسأل عنه، لكن من دون إجابة شافية، كما كان القلق قد دبّ في قلب صاحب الشركة، فأبلغ الشرطة بالاختفاء الغامض منذ خمسة أيام للسائق وسيارة النقل التي يعمل عليها لحساب الشركة، وأكد المبلّغ أنه لا يشك في السائق ولا يشتبه في هروبه وإنما يخشى أن يكون قد أصابه مكروه، خاصة أن هاتفه المحمول مغلق باستمرار وأدلى المبلّغ بأوصاف السائق وبيانات السيارة.. تم تشكيل فريق بحث لكشف غموض الحادث وتم إرسال إشارة لنقاط المرور على الطرق السريعة بأوصاف السائق وبيانات السيارة لرصد خط سيرها، كما تم فحص علاقات السائق بجيرانه وأقاربه وزملائه في الشركة وموقف السيارات وتم التوصل إلى السائق أنور زميل السائق المختفي والذي أدلى بأوصاف الزبون المجهول الذي كان يبحث عن سيارة لنقل مولد كهرباء إلى قريته وروى ما حدث كما تم فحص بلاغات العثور على الجثث المجهولة حتى توصل فريق البحث إلى معلومات تؤكد وصول سيارة بمواصفات السيارة المختفية نفسها إلى المحافظة نفسها التي كان السائق جمال متجهاً إليها، وكان يستقلها شخصان تنطبق أوصاف أحدهما على تلك التي أدلى بها السائق أنور الذي حضر الاتفاق، كما توصل فريق البحث إلى أن أحد المستشفيات العامة استقبل جثة لشخص مجهول وفيها إصابات عدة وتم دفنها في مقابر الصدقة لعدم التعرف إلى شخصيته، وأشار مفتش الصحة إلى أن سبب الوفاة يرجح أن يكون بسبب مصادمة لسيارة مجهولة، كما توصل فريق البحث إلى أن سيارة النقل المختفية شوهدت بحوزة شقيقين كانا يعرضانها للبيع، لكن نظراً لعدم وجود مستندات السيارة معهما فشلت المحاولة، وبسؤال تجار السيارات تم تحديد شخصية الشقيقين اللذين كانا يعرضان السيارة للبيع وتم إلقاء القبض عليهما، وتبين أن الشقيق الأصغر عماد عامل بوفيه هوايته الغناء ويعمل مطرباً في الأفراح وأنه تعرّف إلى أحد منتجي شرائط الكاسيت وطلب منه عشرة آلاف جنيه لإصدار شريط كاسيت بصوته، فأقنع شقيقه الأكبر سامح بالخطة التي وضعها لسرقة أي سيارة نقل وقتل سائقها وبيع السيارة بعد ذلك لتوفير المبلغ المطلوب لتحقيق حلمه في الشهرة والثراء، وأنه تنفيذاً للاتفاق توجّه سامح إلى موقف السيارات وتمكن من استدراج السائق جمال بسيارته واصطحبه إلى منزله، حيث حمل مولداً كهربائياً. وأسطوانتي بوتاجاز وكوريك رفع رمال بينما كان عماد ينتظره على الطريق واستقل السيارة معهما، وبعدما توغلت السيارة في الطريق طلب عماد من السائق التوقف بحجة قضاء حاجته وانقض شقيقه سامح على السائق وقام بخنقه وشل حركته بينما أسرع عماد إلى الصندوق الخلفي للسيارة وعاد حاملاً الكوريك وانهال به على رأس السائق حتى سقط مضرجاً بدمائه ولفظ أنفاسه الأخيرة فقاما بسحب الجثة وألقيا بها على جانب الطريق بعد أن قاما بتفتيش ملابس القتيل بدقة وجرداه من المستندات الدالة على شخصيته ولم يعثرا معه إلا على مبلغ 300 جنيه الذي كان قد أخذه كمقدم نقل الحمولة وتليفون محمول وفرّا بالسيارة هاربين تمهيداً لبيعها واعتقدا أنهما ارتكبا الجريمة الكاملة وسينجوان من قبضة العدالة. وأضاف المتهم عماد في اعترافاته أنه وشقيقه بعد فشلهما في بيع السيارة انتابتهما حالة رعب خوفاً من افتضاح أمرهما فتركاها في أحد الطرق الفرعية وقاما بتحطيم المحمول الخاص بالمتهم كي لا تتبعه الشرطة، حيث تخلصا منه ومن الكوريك الملوث بالدماء في أحد حقول القمح وتم العثور عليهما، وأرشدا إلى مكان ترك السيارة والجثة. أمرت النيابة بحبس المتهمين على ذمة التحقيق بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والسرقة وإحالتهما إلى محكمة الجنايات التي أصدرت حكمها العادل بإعدامهما، وقالت في الأسباب إنها لم تجد في الأوراق أي مبرر لاستخدام الرأفة مع المتهمين اللذين قسا قلباهما وقتلا شخصاً لم يعرفاه من قبل وحرما أسرة من عائلها الوحيد.
مشاركة :