وأتى هذا الإعلان وسط تساؤلات لدى حزب المحافظ الحاكم وحتى حزب العمال المعارض بشأن بعض السياسات البيئية وكلفتها على البريطانيين في خضم معاناة البلاد ارتفاع مستوى التضخم. وثبّت سوناك بخطوته التباين بينه وحزب العمال الذي تمنحه استطلاعات الرأي أفضلية في الانتخابات المتوقعة العام المقبل. وأكد بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء أن "الاستثمار في بحر الشمال سيواصل فتح المجال لمشاريع جديدة، حماية الوظائف، تخفيف الانبعاثات وتعزيز استقلالية المملكة المتحدة في مجال الطاقة". وأشار الى أنه سيتمّ اعتماد "مسار أكثر مرونة لتقديم طلبات" التراخيص، وأن الأخيرة ستخضع لاختبار "توافق مع المناخ" مرتبط بأهداف خفض الانبعاثات. وشدد على أن "الحكومة تتخذ إجراءات لإبطاء الانخفاض السريع في انتاج النفط والغاز محليا، ما سيضمن العرض (المحلي) من مصادر الطاقة ويقلّل الاعتماد على دول عدوانية". وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا اعتبارا من شباط/فبراير 2022 الى ارتفاع أسعار مواد الطاقة عالميا مع فرض دول غربية عقوبات على صادرات موسكو الضخمة من النفط والغاز. ونقل البيان عن سوناك قوله "شهدنا جميعا كيف قام (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بالتلاعب واستخدام الطاقة سلاحا، معيقا الامداد ومتسببا بتباطؤ النمو في دول حول العالم". وأضاف "تعزيز أمننا في مجال الطاقة والبناء على هذه الاستقلالية لتقديم طاقة أكثر نظافة وبكلفة أقل، بات أمرا حيويا أكثر من أي وقت مضى". - "حيلة سياسية" - وشدد سوناك على أن النفط والغاز سيبقيان يشكّلان ربع مصادر الطاقة للمملكة المتحدة حتى إن بلغت صافي الانبعاثات الصفري في العام 2050. ولقي الإعلان البريطاني انتقادات من المنظمات المدافعة عن البيئة. ودانت "غرينبيس" لجوء الحكومة البريطانية الى "حيلة سياسية سفيهة من أجل إثارة الانقسام"، يكون فيها "المناخ (بمثابة) ضرر جانبي". ورأى المسؤول عن المناخ في الفرع البريطاني للمنظمة فيليب إيفانز إنه "بينما تدمّر الحرائق والفيضانات المنازل والأرواح في مختلف أنحاء العالم، قررت حكومة ريشي سوناك التراجع عن سياسات محورية للمناخ". واعتبر مدير منظمة "أوسيانا المملكة المتحدة" هيوغو تاغهولم أن القرار "خيانة للشعب البريطاني من قبل حكومة تركّز بشكل كامل على تحقيق الفوائد على المدى القريب من دون اعتبار لمستقبل أولادنا والأجيال اللاحقة". ويعتبر ناشطون أن وقف عمليات الاستكشاف ضروري اذا ما أرادت لندن بلوغ الحياد الكربوني بحلول 2050. ويتهم هؤلاء المحافظ سوناك بأنه يستخدم سياسات المناخ كأداة سياسية في خضم أزمة غلاء المعيشة، ويضع نصب عينيه الخروج فائزا في الانتخابات على حساب حزب العمّال الذي تعهّد عدم الترخيص لأي عمليات حفر جديدة في بحر الشمال بحال عودته الى الحكم بعد أكثر من عشرة أعوام في المعارضة. وقال سوناك في حوار مع صحيفة "صنداي تلغراف" نشر الأحد "أعتقد أن حظر (استخراج) النفط والغاز من بحر الشمال، كما يقترح حزب العمال، هو أمر غير منطقي على الإطلاق". وحذّر من أن ذلك "سيضعف أمننا في مجال الطاقة" ويهدّد 200 ألف وظيفة وعائدات ضريبية تصل الى 80 مليار جنيه استرليني (103 مليارات دولار). وأتت تصريحات سوناك بعد خسارة المحافظين في دائرتين خلال انتخابات فرعية أجريت في 20 تموز/يوليو، وفوزهم في ثالثة والاحتفاظ بمقعد كان يشغله سلفه المحافظ بوريس جونسون. وأتى هذا الفوز في ظل امتعاض بعض الناخبين من توسيع عمدة لندن صادق خان المنتمي الى حزب العمال، من برنامج لفرض ضريبة على استخدام العربات الأكثر تلويثا. وأكد سوناك في حديثه وقوفه الى جانب السائقين. وكانت حكومته أثارت غضب الناشطين البيئيين بعد الفوز في الانتخابات الفرعية، بتلميحها الى احتمال خفض سقوف بعض الأهداف المناخية للمملكة، في مقابل توفير دعم خجول لبرنامج البلاد لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري. احتجاز الكربون ووفق أرقام هيئة بحر الشمال الانتقالية (هيئة النفط والغاز سابقا)، فإن بصمة الكربون الناتجة عن انتاج الغاز محليا هي ربع تلك الناتجة عن استيراد الغاز الطبيعي المسال. وأكدت الهيئة عزمها على بناء منشأتين إضافيتين لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه على شواطئ بحر الشمال في منطقة أكرون بشمال شرق اسكتلندا وفايكينغ في انكلترا. وستكون هاتان المنشأتان الأوليين على بحر الشمال، وقد تتيحان مع اثنتين أخريين يجري بناؤهما، توفير ما يصل الى 50 ألف وظيفة بحلول 2050. الا أن هذه التقنية الناشئة لا تزال تطرح علامات استفهام بشأن نجاعتها، كما يحذّر ناشطون من أن التركيز عليها قد يشتّت جهود خفض الانبعاثات. ورحّبت مجموعة "شل" النفطية العملاقة المنخرطة في أحد مشروعي احتجاز الكربون في بحر الشمال، بالخطوة. واعتبرت أن المشروعين الجديدين "ركن رئيسي في خطط الحد من انبعاثات الكربون في عمليات بحر الشمال". وأكد سوناك أن حكومته ستمضي "في عملية الانتقال الى الحياد الكربوني"، الا أنها ستقوم بذلك "بطريقة براغماتية ومتناسبة، لا بالضرورة عبر إضافة أكلاف وعقبات في حياة الناس". ووفق استطلاع للرأي نشر في الربيع، أبدى 65 بالمئة من البريطانيين قلقهم من تبعات التغير المناخي، الا أن غالبيتهم عارضت معظم الإجراءات التي تتطلّب منهم بذل مجهود شخصي. وحذّرت خدمات الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة من أن درجات الحرارة القياسية التي تمّ تسجيلها في صيف 2022 وتخطت مرارا الأربعين مئوية، قد تكون "منعشة" مقارنة بما قد يكون عليه الوضع بحلول نهاية القرن.
مشاركة :