كشفت إحدى الرسائل الشخصية لزعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن، عن اشتباهه في وجود شريحة تعقب إلكترونية في سنٍ تمت زراعتها بفم زوجته. الرسالة التي أتاحتها «المخابرات الأميركية»، (سي آي إيه)، هي واحدة من 113 وثيقة حصلت عليها الولايات المتحدة بعد عملية اغتيال بن لادن في أبوت آباد الباكستانية عام 2011، التي تم إطلاق الدفعة الثانية منها الثلاثاء الماضي، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخ منها أمس. وكشفت إحدى الوثائق المفرج عنها، رسالة وجهها بن لادن إلى زوجته، جاء فيها: «علمنا أنك زرت طبيبة أسنان رسمية في إيران، وتخشين مكروهًا من حشوة وضعتها لك، وحبذا أن تفيديني بالتفاصيل عن أي أمر رابك (شككت به) عند أي مستشفى في إيران، أو راب أيًا من الإخوة بأنهم زرعوا له شريحة بأي طريقة»، ويقول في الرسالة: «أهلي الكرام، أرجو أن تصلكم رسالتي هذه وأنتم بخير وعافية»، ويستفسر عن نجله حمزة وتحصيله العلمي، ويطالب بسرعة إخراجه من وزيرستان، ويفضل خروجه يوم الخميس أو الجمعة، لندرة حظر التجول، ويفضل أن تكون لديه بطاقة باكستانية قبل السفر، ويسأل عن أولاد ابنه سعد «يرحمه الله» وكذلك فاطمة وابنتها، و«أما المرض الذي أصابك بالدوخة في إيران»، فيطلب أن تفيده بنوع المرض، والعلاجات التي تلقتها في إيران، مع بعض التفصيل لأعراضه، ومتى بدأ؟ ومتى استمر؟ «ولا يخفى عليكم أهمية التواريخ في الحكم على كثير من الأمور، ونرجو المعذرة، فربما أرهقناك ببعض التفاصيل». ويقول بن لادن لزوجته (يعتقد أنها السيدة خيرية صابر): «أستحسن أن تذهبي إلى طبيبة وتجري عندها (ألترا ساوند)، على المنطقة التي جرى فيها الفحص، فإن لم يظهر جسم غريب نكون قد قطعنا الشك باليقين، أما فيما يخص الأسنان فيا حبذا إجراء أشعة مع إفادتنا بالتاريخ الذي وضعت فيه الحشو». ويستفسر بن لادن من زوجته عن أسباب سفر نجله محمد إلى سوريا والمكان الذي ذهب إليه، والمكان الذي ينوي عثمان التوجه إليه، وهل لديها معرفة بما ينوي الإيرانيون فعله في إطلاق الشيخ سليمان بوغيث وفاطمة (ابنته). «وفي الختام سيأتيكم شخص من طرفنا، فإن كنت أتممت العلاج، وتأكدي من الأمور التي رابتك أمنيا، فحبذا أن تخبري الأخ بذلك ليرتب مجيئك في نفس اليوم، والجميع عندنا يبلغونك السلام». وتظهر الدفعة الجديدة من الوثائق التي يعود تاريخها بشكل أساسي للفترة ما بين 2009 و2011، هواجس بن لادن الأمنية، وقلقه على أولاده، وتطرقه إلى شؤون عائلية عدة، بما في ذلك الخوف من وجود شريحة تجسسية في إحدى أسنان زوجته. وأفرجت الاستخبارات العسكرية الأميركية عن الوثائق بعدما كانت قد استولت عليها قوات أميركية خاصة في مايو (أيار) 2011، أثناء مداهمة منزل في باكستان قالت الإدارة الأميركية إن مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن كان مختبئًا فيه وإن الجنود الأميركيين قتلوه وألقوا بجثته في البحر بعد نقلها مع مقتنياته إلى إحدى القواعد البحرية العائمة في المحيط الهندي، حسب المعلومات المنشورة في ذلك الوقت. بين الوثائق الجديدة ما هو مكتوب بخط اليد ومذيّل بتوقيع بن لادن، أهمها وصيته التي تشير وثائق أخرى إلى أنها وصلت بالفعل إلى أسرة بن لادن أو على الأقل بعض أقاربه. في المقابل، فإن الكثير من الوثائق مطبوع على ما يبدو من خلال أجهزة كومبيوتر، وهي عبارة عن مراسلات مفترضة صادرة من بن لادن إلى بعض أنصاره المقربين أو أقاربه البعيدين أو واردة إليه منهم. وتتضمن تلك المراسلات التعبير عن مشاعر خاصة ونصائح متبادلة، وآراء ترتفع أحيانا إلى درجة الفتاوى في قضايا دنيوية معاصرة، أو شؤون سياسية حظيت باهتمام بن لادن فقرر الاحتفاظ بها. لكن تلك الأوراق غير مؤرخة في معظمها ومن الصعب معرفة متى كتبت على وجه التحديد إلا من خلال التمعّن في سياقها أو ربطها بزمن الأحداث التي تضمنتها الوثائق. وتشمل رسالة تتناول قضية تعامل «القاعدة» مع طهران، تفضح أن إيران هي «الممر الرئيسي لـ(القاعدة) بالنسبة للأموال والأفراد والمراسلات والأسرى» ويدعو فيها بن لادن إلى «عدم فتح جبهة» ضد الدولة الشيعية. وفي رسالة يبدو أنها كانت موجهة من بن لادن إلى جهة متعاونة مع «القاعدة»، لم يذكر النص اسمها، سوى توجيهها إلى شخص يُدعى الشيخ كارم: «لا أدري لماذا أعلنتم التهديد على إيران؟ وإن رأيي مخالف للتهديد.. وأناقش مسألة إعلانه، وأنه سياسيا يُعتبر خسارة لكم». وبرر بن لادن اعتراضه على تهديد إيران، قائلا: «إيران هي الممر الرئيسي لنا بالنسبة للأموال والأفراد والمراسلات وكذلك مسألة الأسرى». وأضاف بن لادن: «لا داعي لفتح جبهة مع إيران إلا إذا كنتم مضطرين لفتحها لتعاظم أذاها، وإلا إذا كنتم أيضا قادرين على إلحاق الأذى بها. فالرأي عندي تأجيل فتح الجبهة معها، والانصراف كليا لتثبيت دعائم الدولة والقتال ضد الصليبيين والمرتدين». وتابع بن لادن: «وإذا قررتم أنه لا بد من فتح جبهة مع إيران، ورأيتم في أنفسكم القدرة على إلحاق الأذى بها، فالرأي عندي أيضا ألا تعلنوا ذلك، ولا تهددوا به، بل نفذوا ضرباتكم في صمت، وتفهموها أو تتركوها تفهم أنكم الضاربون. لأن هذا أحفظ لسمعتكم إذا لم تؤت الخطة ثمرتها، وأدعى لسهولة التفاوض مع إيران، إذا نالها الأذى الشديد». ومن الرسائل التي يفترض أنها وصلت إلى بن لادن وذيّلت بتوقيع: «ابنك أبو معاذ»، رسالة من الوثائق القليلة المؤرخة، وحسب التاريخ الهجري المدون فيها، فقد كتبت في 2/ 2/ 1432هـ، وهو ما يوافق بالميلادي 8 يناير (كانون الثاني) 2011، أي قبل مقتل بن لادن بأربعة أشهر فقط، أما حاملها فهو رجل مجهول الهوية أشار له كاتب الرسالة بأنه مستعجل لحملها في اليوم التالي لكتابتها. تبدأ مقدمة الرسالة بعبارة: «إلى والدي الغالي» ثم المجاملات الشخصية المعتادة قبل الخوض في الطلب الجوهري لكاتب الرسالة وهو إتاحة الفرصة له «لتلقي التدريب في المعسكرات المتاحة على حسب الظروف». وكتب بن لادن رسالة يحث فيها الشعب الأميركي على ضرورة مساعدة الرئيس الأميركي باراك أوباما في حربه ضد تغير المناخ، وإنقاذ البشرية. والرسالة كانت بين مجموعة من الوثائق نُشرت مؤخرا. وأرجع مسؤولون في الاستخبارات الأميركية تاريخ الرسالة إلى عام 2009، عندما خرج الرئيس الأميركي أوباما متحدثا عن التأثير السيئ والخطير لتغير المناخ. بدأت وسائل الإعلام في نشر أخبار توضح مدى اهتمام بن لادن بتغير المناخ، بعد نشر وثيقة أخرى في شهر مايو العام الماضي، بالإضافة إلى المقطع الصوتي الخاص به، الذي نشرته قناة «الجزيرة» في يناير 2010. وفي الرسالة، المنشورة يوم الثلاثاء، يؤكد بن لادن أن الأزمة الاقتصادية التي وقعت في أميركا عام 2007 - 2008، وسيطرة الشركات الكبرى على الأسواق، والحرب الأميركية على أفغانستان والعراق، كانت من الأسباب الرئيسية التي تسببت في تغير المناخ. كما دعا الأميركيين إلى ضرورة القيام بثورة كبيرة من أجل الحرية، ولتحرير رئيسهم من الضغوط، لمساعدته على اتخاذ قرار عقلاني لإنقاذ البشرية من الغازات والمواد الضارة التي تهدد مصيرهم. وفي رسالة منفصلة، قال بن لادن إن العالم سيكون مكانا أفضل إذا اتجه لمحاربة تغير المناخ، بدلا من شنه حربا ضد الإسلام.
مشاركة :