* كنا بدأنا مشوارنا مع «شاشات رمضان» هنا بتكرار ملاحظة كانت وردت في العام الماضي في مثل هذه الأيام، ملاحظة يعبّر عنها السؤال التالي: «لماذا لا توجد مسلسلات عربية خارج نطاق شهر رمضان؟». الغاية من طرح السؤال هي الإشارة إلى أن وضعًا غير صحيح بات تقليدًا ممارسًا من قِبل معظم المحطات العاملة، إن لم يكن كلها. هذا الوضع هو الذي يدفع بها إلى تخصيص الشهر بالبرامج المسلسلة. ليس أفضلها أو أكبرها أو أهمها إنتاجًا فقط، بل كل تلك التوابع التي كان يمكن لها أن تعرض في أي وقت من أوقات السنة. من تلك، الأدني درجة في النجاح، لنقل مثلاً «أرض النعام» أو «استيفا» أو «إنسان جديد» أو «أهلين جارتنا»، ما كان ممكنًا عرضه بالفعل في أوقات غير رمضانية. قبل رمضان أو بعده. في موسم الربيع أو في فصل الخريف أو الشتاء. ولن تراه سيتأثر سلبًا بذلك الاختيار على الإطلاق. في الواقع، لو أتيح لمثل هذه المسلسلات التي لم تستطع دخول نادي العشرة الأولى الأكثر رواجًا بين المشاهدين، أن تعرض في بقية أوقات السنة لكان ذلك أفضل لها. أساسًا لن تجد نفسها في هذا النوع الحاشد من المنافسة، هذا إذا ما وجدت منافسة على الإطلاق، وثانيًا سيكون لديها الوقت الكافي لتعزيز تلك العناصر الفنية التي من شأنها إعلاء قيمة البرنامج. لكن لماذا لا تفعل المحطات وشركات الإنتاج ذلك؟ هل ما أقوله هنا مخالف للممكن؟ هل هو مستحيل التنفيذ؟ غير منطقي؟ نعم غير منطقي بالنسبة للمنتجين، لكنه ممكن وغير مستحيل التنفيذ وبل، من وجهة نظر الناقد، منطقي تمامًا. كل ما في الأمر القيام بدراسة الواقع على أسس جديدة. * عدّة عوامل تقف وراء حشر أكثر من 40 مسلسلاً وبرنامجًا رمضانيًا في شهر واحد أهمها هي أن شركات الإنتاج تبيع مسلسلاتها بسعر أعلى في رمضان مما لو باعته خارج رمضان. محطات التلفزيون تعرض سعرًا أقل في بقية أشهر السنة. إذ بينما هذه السلعة تباع بمليون دولار هنا أو تتكلف سبعة ملايين دولار هناك، سيجد المنتجون أنفسهم مضطرين لقبول نصف المبلغ ثمنًا لها. ماذا تفعل المحطات بالمسلسل بعد شرائه؟ تبثّه في الأوقات ذاتها التي تبث فيه المحطات الأخرى برامجها وتضع المشاهد أمام اختياراته. لينتقل كما يريد. هناك من يحصي ويخبرها كم من المشاهدين يتابعون هذا المسلسل أو ذاك. * وهذه البيانات بالغة الأهمية، لأنه على أساسها سيتمتع البرنامج الواحد بالإعلانات أو لا. والإعلان للبرنامج أو المسلسل هو إعلان للمحطة، بمعنى أنه من بعد أن تشتري المحطّة المسلسل يصبح كل إيراد يمكن لها أن تجنيه منه هو دخل خاص بها. وهذا طبيعي لا غبار عليه. كثرة الإعلانات على برنامج واحد دليل نجاحه الأعلى والعكس صحيح. ما لدينا، كنتيجة، مجموعة برامج ومسلسلات تُباع للعروض وبناء على ما تحققه من إقبال تعيش أو تموت - ما زال كل ذلك في ميزان صحيح ومتلائم مع «البزنس» طبيعيًا. * ما يخرج عن هذا التنظيم أو المنهج عدم قدرة المشاهد من متابعة نشاط مماثل في خارج نطاق شهر رمضان. هناك جفاف كامل فيما عداه وطوفان من المسلسلات فيه. والجميع يبدو موافقًا على ذلك لأن ثمن السلعة التلفزيونية يرتفع في هذا الشهر عنه في الأشهر الأخرى. ما نحن فيه، إذن، لا يتوقف عند هذا الحد: كتابة مسلسل رمضاني يعني قيام الكاتب بالمطالبة بأجر أعلى مما لو كتب مسلسلاً يعرض خارج رمضان. كذلك الحال بالنسبة لبقية العناصر الرئيسية الأخرى (بالنسبة للعناصر غير الرئيسية الوضع هو ذاته بصرف النظر عن موعد إنتاجه وبثّه). * الاستنتاج هنا بسيط: رمضان يعني إيرادًا أعلى من إيراد أي موسم آخر. والجميع يريد النجاح تجاريًا والبقية غير مهم. هذا هو السبب وراء تكرار المسلسلات ذاتها: صار عندنا «الكبير أوي 5» و«باب الحارة 7» و«القياضة 2» وفي العام المقبل سيكون لدينا، كما يعدنا المنتجون «العراب 2» و«نادي الشرق 2». هذا تطبيق لأسلوب المسلسلات السينمائية الأميركية القائم على أساس أنه إذا ما نجح لديك عمل ما، لا تبحث عن سواه بل عد إليه لأنه كوّن جمهوره. لم تعد هناك حاجة لجمهور جديد. * خارج رمضان، هناك برامج طبخ ورياضة و«توك شو» ومباريات جمال ومواهب وبرامج غنائية وأخرى دينية وثالثة عائلية في غير رمضان وعلى هذا الأساس استوت الأمور وتمددت من عام لآخر. لهذا، على ذلك، لا يزال هناك شيء ما خطأ في هذه الصورة المرسومة والمتداولة. هذا هو: حشد المحطات لكل هذه المسلسلات في شهر واحد هو تأكيد إفلاسها من المشاهدين خارج هذا الشهر. ستجد في المولات المختلفة في الخليج كل ليلة نصف من كان يفضل البقاء في البيت خلال رمضان حبًّا في مسلسل ما. الناس تخرج من منازلها إلى كل أنواع الترفيه الأخرى والإقبال ينحسر تبعًا لذلك. بالتالي، لا تريد المحطات إنتاج أو شراء مسلسل تعرضه بنصف طاقة المشاهدين أو أقل.
مشاركة :