تبدو التوقعات محدودة للغاية بتحقيق اختراق ملموس وجدي في ملف المصالحة الفلسطينية المتعثر منذ سنوات طويلة بعد اجتماع لزعماء الفصائل الفلسطينية في مصر، وفق مراقبين فلسطينيين. وقال المراقبون في تصريحات منفصلة لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الفجوة الكبيرة في المواقف بين قطبي السياسة الفلسطينية حركتي التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس) تصعب من تطبيق اتفاق الأمناء العامين للفصائل الذي انعقد في مدينة العلمين المصرية أمس (الأحد). وبحسب المراقبين فإن فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، وحماس التي تسيطر على قطاع غزة، لم تتمكنا من سد الفجوة الكبيرة بينهما بعد، مما يصعب من توقع اختراق فعلي في ملف المصالحة. واتفق الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية خلال اجتماع عقد بدعوة من عباس لأول مرة منذ سنوات على تشكيل لجنة من بينهم لاستكمال الحوار والعمل على إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية. وألقى الرئيس عباس في ختام الاجتماع الذي استمر عدة ساعات بيانا ختاميا، دعا فيه لتشكيل لجنة من بينهم تقوم باستكمال الحوار حول القضايا والملفات المختلفة التي جرى مناقشتها أمس بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية. وطالب عباس اللجنة بالشروع في العمل فورا لإنجاز مهمتها والعودة بما تصل إليه من اتفاقات أو توصيات، معربا عن أمله في أن يكون هناك لقاء آخر في القريب في مصر تعلن من خلاله الفصائل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. وقال مصدر فلسطيني لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن اللجنة ستضم جميع الفصائل التي شاركت في الاجتماع على أن تتابع التوجهات والقرارات المنبثقة عنه والتي لا بد أن يتم تنفيذها في الفترة القريبة القادمة لتحقيق الوحدة وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني. ولم يحدد الاجتماع جدولا زمنيا لعمل اللجنة، ولكن تم التأكيد على عملها الفوري لمتابعة كافة القرارات والتوجهات، بحسب المصدر. ولفت إلى أن حماس لم تبدِ موافقة بشأن انضمامها لمنظمة التحرير والالتزام بقرارات الشرعية الدولية والانخراط في المقاومة الشعبية السلمية فقط. ويقول المراقبون إن اجتماع الأمناء العامين للفصائل "لم يحقق اختراقا نوعيا بالتوقيع على إستراتيجية سياسية ونضالية تستند للقواسم المشتركة وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات". وقاطعت ثلاثة فصائل فلسطينية، هي حركة الجهاد الإسلامي وطلائع حرب التحرير الشعبية (الصاعقة) والجبهة الشعبية القيادة العامة، الاجتماع، وأرجعت ذلك إلى ما وصفته بـ"الاعتقالات السياسية" من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وقلل عباس في تعقيبه على مداخلات الفصائل المشاركة بالاجتماع من مقاطعة الفصائل الثلاثة، مؤكدا أن أسباب المقاطعة غير منطقية، كما أكد استمرار وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، بحسب ما أفادت مصادر مشاركة بالاجتماع ((شينخوا)). لا اختراقا حقيقيا لإنهاء الانقسام وقال مدير مركز ((مسارات)) للأبحاث والدراسات في رام الله هاني المصري، إن أهم ما جرى في الاجتماع هو الاتفاق على تشكيل لجنة من كافة الفصائل الفلسطينية لكن بدون تحديد مرجعية وأرضية لها لأن معظم القضايا مختلف عليها بين حركتي فتح وحماس. وأشار إلى اختلاف الرؤية والاستراتيجية بين من يركز على المقاومة الشاملة وبين من يتبنى بقاء السلطة والتزاماتها كما هي ويرفض المقاومة المسلحة وكذلك الاختلاف على منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها والاعتراف بقرارات الشرعية الدولية. ورأى أن الرؤية لكل طرف بعيدة عن الطرف الآخر، وهناك تنافس كبير بين الطرفين، مشيرا إلى أن كل طرف لا يشعر بتهديد كبير على سلطته سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة كي يذهب إلى مصالحة وطنية حقيقية وإنهاء الانقسام. وأوضح المصري أن المصالحة الداخلية الفلسطينية تتم في حال تغلب طرف على آخر أو أن تكون هناك مصلحة واضحة للطرفين أو يكون هناك طرف ثالث يكسر الاستقطاب الفصائلي الحاد بين فتح وحماس، متوقعا استمرار حالة الانقسام لفترة طويلة، ما يتطلب تغييرا من القوى السياسية لاستعادة الوحدة. وانعقد اجتماع الفصائل بدعوة من عباس في أعقاب هجوم إسرائيلي على جنين في الضفة الغربية مطلع الشهر الجاري أدى إلى مقتل 13 فلسطينيا وإصابة أكثر من 100 آخرين، بالإضافة إلى دمار كبير في البنية التحتية. وقال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، خلال كلمته التي ألقاها باجتماع الأمناء العامين "نحن أمام مرحلة استثنائية في مسار الصراع مع العدو بما يفرض علينا التفكير بشكل جماعي واتخاذ قرارات استثنائية في كيفية مواجهة ومقاومة هذه السياسات وكبح جماح هؤلاء المتطرفين". ودعا هنية إلى "إعادة بناء وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل مجلس وطني جديد يضم الجميع على أساس الانتخابات الديمقراطية الحرة، وتشكيل المؤسسات الفلسطينية في الضفة والقطاع على أساس الانتخابات الرئاسية والتشريعية". وطالب بالعمل على إنهاء الحصار عن قطاع غزة وإنهاء كل أشكال التنسيق الأمني مع إسرائيل ووقف وتحريم كل أشكال الملاحقة والاعتقال على خلفية المقاومة أو الانتماء الفصائلي أو العمل السياسي. ويعاني الفلسطينيون من انقسام داخلي منذ منتصف العام 2007 إثر سيطرة حركة حماس على الأوضاع في القطاع الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة بالقوة، فيما فشلت عدة تفاهمات في تحقيق المصالحة. حوار من أجل الحوار وقال الكاتب والمحلل السياسي هشام عبد الله، من رام الله إن ما تمخض عن الاجتماع الذي حضره 12 فصيلا فلسطينيا مجرد دعوة من الرئيس عباس لنفس الأشخاص الذين سبق أن شاركوا في اجتماعات الجزائر ومكة والدوحة والقاهرة وتمت بينها مجموعة من الاتفاقات ركنت على الرفوف. ورأى عبد الله أن الفصائل والحركات الفلسطينية تحاور من أجل الحوار فقط، وإلا لما كنا طوال هذه السنوات أمام هذا الوضع لاسيما أن الواقع الفلسطيني في تدهور مستمر، والقضية الفلسطينية تراجعت بشكل كبير. وأضاف أن الضفة الغربية قسمتها المستوطنات الإسرائيلية إلى كنتونات غير متواصلة جغرافيا، والقدس الشرقية أصبحت معزولة، وقطاع غزة يعيش في حصار من 16 عاما وليس هناك تواصل مع العالم الخارجي. وتابع عبد الله أن ممثلي الفصائل والحركات الفلسطينية لا زالوا يرددون نفس الخطابات والشعارات ببذل كافة الجهود للتوصل إلى وحدة وطنية في استهتار لعقول الجماهير، مشددا على ضرورة العمل على درب واحد وقلب رجل واحد لمواجهة التحديات الماثلة، لكن يبدو أن الأمور مازالت تراوح مكانها. غياب الاهتمام الشعبي وقوبل اجتماع الفصائل بفتور شعبي لدى الفلسطينيين الذين عانوا من خيبات أمل متراكمة بشأن إمكانية التوصل لاتفاق مصالحة فلسطينية ينهي حالة الانقسام الداخلي المتواصل منذ عام 2007. ورأى الكاتب والمحلل السياسي من غزة طلال عوكل، أن تجربة لقاءات واجتماعات المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام أبعدت كثيرا التفاؤل عن المجتمع الفلسطيني رغم أهمية اجتماع الأمناء العامين كونهم يمثلون قمة هرم أحزابهم. وقال عوكل إن حوارات واجتماعات الفصائل لم تعد تجذب اهتمام الجمهور الفلسطيني لأنها تترك في مكانها ولا تخلف سوى المزيد من الاتهامات والمناخات السلبية والمناكفات دون أن يفلح أي طرف في إقناع المجتمع بأنه لا يتحمل المسؤولية عن الفشل. وتابع "لا يبدو أن ثمة إمكانية لتوفير مساحات تتقاطع عندها الخلافات يمكن البدء بها والبناء عليها لإزالة بقية العقبات أمام إمكانية إنهاء الانقسام وإزالة آثاره العميقة، والاتفاقيات السابقة لم تترك مجالا لأي فكرة جديدة يمكن أن تشكل البداية بعد أن تم استنفاد كافة الزوايا والأفكار". وأعرب عوكل عن خشيته من أن تضاف هذه الجولة من الحوارات إلى سابقاتها، والسبب "غياب الإرادة واختلاف الحسابات الفئوية وعدم الرغبة في اتخاذ قرار إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة ودفع الثمن المطلوب وتجاوز الأهداف الاحتلالية".
مشاركة :