إن رأسمالية المشاريع الحرة لن تكون نتاجا حتميا لحكومة محافظة، بل منتجا سياسيا، ولا يمكن أن تتطور وتستمر إلا في ظروف محددة للغاية. وخلافا لذلك، فإن الحالة الطبيعية التي تميل إليها هي تفشي المحسوبية أو، في شكلها الأكثر اعتدالا، الرأسمالية الداعمة للأعمال التجارية، وليست الرأسمالية الداعمة للسوق. ورغم أننا ركزنا في كتابنا على تطوير الأسواق المالية وبقائها لأن هذه الأسواق ربما تكون الأكثر هشاشة، فإن الحجج التي أوردناها كانت أعم. وأشرنا إلى أن "أكبر الأعداء السياسيين للرأسمالية ليسوا أعضاء النقابات العمالية المثيرين للفتن الذين يوجهون انتقادات لاذعة للنظام، لكنه المدير التنفيذي الذي يرتدي البذلة المخططة، والذي يمتدح دائما مزايا الأسواق التنافسية بينما يحاول بكل أفعاله القضاء عليها". وبدلا من إنشاء الأسواق ودعمها، يقوض الرأسماليون عمل السوق لأنهم يشعرون بالتهديد ليس من السوق التنافسية نفسها فحسب، بل أيضا من المؤسسات التي تجعل الأسواق تعمل. و"يشعر الأقوياء اقتصاديا بالقلق إزاء المؤسسات التي تقوم عليها الأسواق الحرة لأنها تعامل الناس على قدم المساواة، ما يجعل القوة لا حاجة إليها". لقد أدركنا أن "الأسواق لا يمكن أن تزدهر دون المشاركة الواضحة جدا من الحكومة، وهي ضرورية لإنشاء وصيانة البنية التحتية التي تمكن المشاركين من ممارسة التجارة بحرية وثقة". لكن ذلك يثير التساؤل حول "من له مصلحة في دفع الحكومة لدعم السوق التنافسية؟ لأنه رغم الاستفادة المشتركة التي تعود على الجميع من تحسين السلع والخدمات، والمساواة في فرص الاستفادة التي تتيحها الأسواق التنافسية، فلا أحد على وجه الخصوص يحقق أرباحا ضخمة من الحفاظ على قدرة النظام على المنافسة وتكافؤ الفرص. وبالتالي هناك حافز لدى الجميع على الاستفادة بلا مقابل والسماح لشخص آخر بالدفاع عن النظام. إذن فرأسمالية المشاريع الحرة ليست المرحلة النهائية من عملية التطوير الحتمية. و"من الأفضل النظر إليها على أنها نبات حساس يحتاج إلى حماية من الهجوم المستمر من الحشائش الضارة ذات المصالح". المنافسة بين النظم تتعرض للتهديد بشكل متزايد من جانب الحمائية القديمة، والتي في الأغلب ما تختبئ وراء بواعث القلق الجغرافية ـ السياسية. وقد حددنا أربعة شروط ضرورية لتشجيع هذا النبات الحساس على النمو. أولا، ينبغي ألا تكون مؤسسات الأعمال القائمة قوية للغاية، بل يجب أن تكون محدودة القوة، حتى تحتاج من الدولة القيام بدور جهة الإنفاذ المحايدة. والشرط الثاني يتمثل في نظام فاعل للرعاية الاجتماعية. "فالمنافسة تؤدي إلى حالات فشل. وهذه الحالات ضرورية لعملية الهدم الخلاق، لكنها مؤلمة للغاية للأشخاص المتضررين. فكلما زادت تكلفة التكيف المفروضة عليهم، أو زاد عدد المعسرين، زادت قوة المطالبات السياسية بالتدخل"، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون عرضة للتلاعب بسهولة. وتتمثل إحدى طرق منع تسييس عملية الإنقاذ في وجود شبكة أمان صريحة تقدم الدعم الأساسي مباشرة للمتضررين من الأفراد. فالشركات هي التي ينبغي أن تفشل، أما الأفراد فلا ينبغي أن يفشلوا... يتبع.
مشاركة :