مع استمرار تطور القوى العاملة الحديثة، لم يعد دمج قيم ريادة الأعمال وتشجيع الابتكار محصوراً على القطاع الخاص. تدرك الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تعزيز ريادة الأعمال بين موظفي القطاع العام لا يعزز الاقتصاد فحسب، بل يزرع أيضاً ثقافة الابتكار داخل منظومة الحكومة نفسها. هذا التحول الجوهري مهم بشكل خاص لتوفير الفرص للموظفين الشباب لبدء أعمالهم ورسم طريقهم نحو ريادة الأعمال والابتكار. في هذا المقال، سوف نستكشف أهمية ريادة الأعمال لدى القوى العاملة الحكومية ونتعمق في دراسات الحالة الناجحة التي تعرض النتائج الإيجابية التي تحققت من خلال مثل هذه المبادرات. اكتسبت ريادة الأعمال في القوى العاملة الحكومية زخماً هائلاً في السنوات الأخيرة، مواءمة نفسها مع الاحتياجات المتغيرة لمجتمعاتنا. وتدرك الحكومات، التي كانت معروفة في السابق بأنظمتها البيروقراطية والتسلسل الهرمي، أهمية ضخ الطاقات ودفع عمليات الابتكار في منظوماتها، وذلك عن طريق تشجيع الريادية بين الموظفين. فمن خلال ذلك، لا تحفز الحكومات النمو الاقتصادي فحسب، بل ترسخ أيضاً سمعة لتعزيز الإبداع وتبني التغيير. هذا التحول مهم بشكل خاص في جذب المواهب الشابة والاحتفاظ بالذين يبحثون عن مسارات وظيفية غير تقليدية. في العصر الرقمي اليوم، حيث تشكل التكنولوجيا الاقتصادات والمجتمعات، يستوجب على الحكومات التكيف ودعم تطلعات ريادة الأعمال لقواها العاملة الشابة. يمكن لذلك أن يخلق بيئة تمكينية تدعم الموظفين الشباب في بدء أعمالهم التجارية الخاصة إلى ابتكارات رائدة، وذلك من خلال توفير برامج التدريب وفرص الإرشاد والمساعدة المالية والوصول إلى شبكة من الموارد. يزعم العديد دون حجة علمية أو برهان اقتصادي بأن هذه المبادرة سلبية على المجتمع والاقتصاد لأنها تجعل الموظفين الحكوميين يعطون المزيد من الاهتمام لأعمالهم التجارية ويهملون عملهم الحكومي، كما أنها تعطي أفضلية للقوى العاملة الحكومية بأن يحصلوا على وظيفتين ومصادر دخل أكبر من القوى العاملة في القطاع الخاص. إلا أن هذه الحجة غير صحيحة وغير واقعية! أولاً، لأن ريادة الأعمال مبنية على المخاطرة وعدم اليقين، فيمكن للموظف الحكومي أن يخسر أمواله نتيجة الاستثمار السيئ في قطاع الأعمال، وإن نجح الموظف الحكومي في عمله التجاري، فهذا يعني المزيد من فرص العمل والنمو والدخل الضريبي للدولة وغيره. وثانياً، يمكن للبعض الموازنة بين عملهم الحكومي وأعمالهم التجارية الأخرى، فالعاملون في القطاع الحكومي غير متجانسين في الشخصيات والتصرفات والريادية، فيمكن للبعض أن يكون من رواد الأعمال ويكتفي البعض الآخر بعمله. كما يمكن أن تساعد الأعمال التجارية الأفراد أن يكسبوا العديد من المهارات والخبرات الريادية التي قد لا يمكن اكتسابها في القطاع العام. الريادية في القطاع الحكومي ليست بعيدة عن الواقع في مملكة البحرين. فقد أطلق صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء برنامج «فكرة» وهو أحد البرامج التي تشجع العاملين في القطاع العام على الابتكار وتهدف إلى تحفيز الإبداع بين موظفي القطاع الحكومي وإتاحة الفرصة لهم للتنافس في تقديم مقترحات فعالة لتطوير الأداء الحكومي. وفي إحدى المبادرات الإقليمية - في دولة الإمارات العربية المتحدة - يمكن لمواطني دولة الإمارات العاملين في القطاع الحكومي الحصول على إجازة تصل إلى عام لبدء مشاريعهم التجارية الخاصة مع الاحتفاظ بوظائفهم الحكومية. الهدف هو تشجيع المزيد من المواطنين على بدء رحلاتهم الريادية طالما لا يوجد تضارب في المصالح بين الوظيفة الحكومية والعمل نفسه. وهناك مثال آخر جدير بالملاحظة من السويد، حيث تعاونت الحكومة مع شركات رأس المال الاستثماري لإنشاء برنامج فريد يسمى «ريادة أعمال القطاع العام». تشجع المبادرة الموظفين العموميين لأخذ ستة أشهر إجازة لفتح أعمالهم التجارية والبدء في ريادة الأعمال مع مواصلة خدمتهم الحكومية. من خلال الشراكة مع شركات رأس المال الاستثماري، تمكن الحكومة السويدية الموظفين الشباب بالدعم المالي اللازم والتوجيه لتحويل أفكارهم إلى أعمال مزدهرة. وقد أثار هذا البرنامج موجة من الابتكار في القطاع العام، ما سمح للأفراد ذوي التفكير الريادي بإحداث تأثير كبير على عملهم الحكومي. وإلى الآن، مازالت آثار هذه السياسات إيجابية على المجتمع والاقتصاد في كل من الإمارات والسويد والعديد من دول العالم التي سمحت بأن تكون الريادية والابتكار جزءا لا يتجزأ من المنظومة الحكومية. عندما تستثمر الحكومات في أفكار وطموحات ريادة الأعمال، وخصوصاً في موظفيها الشباب، فإن الفوائد تتجاوز قصص النجاح الفردية والنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وتحويل القطاع العام إلى قطاع أكثر ديناميكية يسهم في مجتمع مزدهر. ففي نهاية المطاف، تمكين وتشجيع ريادة الأعمال داخل القوى العاملة الحكومية يعتبر بمثابة حافز للتنمية المجتمعية والتحديث والتقدم. لذلك، يجب على الحكومات ألا تخجل من دعم الموظفين الشباب في مساعيهم الريادية، لأن القيام بذلك سيفتح إمكانات غير مستكشفة، ويولد حلولاً مبتكرة، ويخلق فرصاً لا حصر لها للنمو الاقتصادي. فمن خلال رعاية وتمكين روح المبادرة في القطاع العام، يمكن للحكومات إظهار التزامها بتبني التغيير، وتعزيز الابتكار، وتأمين مستقبل مشرق لمواطنيها. {مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة
مشاركة :