في 20 يوليو من عام 1969 حطت المركبة القمرية (مركبة النزول) على سطح القمر،في حين ظلت المركبة المدارية تحوم حوله وبداخلها رائد الفضاء الأميركي مايكل كولينز، خرج رائد الفضاء نيل آرمسترونغ ثم تبعه أدوين ألدرن، وكانت الخطوات الأولى لنيل آرمسترونغ تلك التي قال بشأنها (إنها قفزة بسيطة بالنسبة لي ولكنها قفزة عملاقة بالنسبة للإنسانية)، تجول رائدا الفضاء على سطح القمر وجمعا كميات هائلة من الأتربة والأحجار القمرية ليفحصها العلماء في المختبر على مرأى ومسمع من الملايين من البشر في شتى أنحاء العالم وكثير منهم لا يكادون يصدقون لولا الصور والحركة ومنظر المركبة الرابضة على سطحه، ثم انطلقت المركبة محلقة في فضاء القمر لتلتحم بالمركبة الأم ويعود رواد الفضاء الثلاثة إلى الأرض مسجلين بذلك سبق الولايات المتحدة في غزو القمر وإنجازا بشريا مذهلا كأحد أهم الإنجازات التاريخية السعيدة في القرن العشرين. توالت بعد ذلك رحلات برنامج أبولو (12،13، 14، 15، 16 ،17) ومشى على سطح القمر أكثر من عشرة رواد باستثناء رحلة أبولو 13 التي فشلت جزئيا فقد تعرضت المركبة لاهتزازات وانفجار وألغيت المهمة التي دار الرواد فيها حول القمر من دون النزول على سطحه وخلدت هذه الرحلة هوليود بفيلم كبير. دخلت أميركا سباق الفضاء متأخرة فقد فاجأها الاتحاد السوفيتي بتدشين أول رحلة غير مأهولة إلى الفضاء يوم 04 تشرين الأول عام 1957 وأطلق القمر الاصطناعي المداري سبوتنك1 وفي 03 نوفمير/تشرين الثاني من نفس السنة أطلق سبوتنك2مما جعل الأميركان يحسون بالتأخر والحرج الشديد والخطر المداهم ، فهاهو الاتحاد السوفيتي البلد الذي كان غارقا في الفقر والتخلف والظلم الطبقي وبعد نجاح ثورته البلشفية عام 1917 يحرز تقدما مذهلا قياسيا في سباق الفضاء، .واستطاع مهندسوه أن يسبقوا المهندسين الأميركيين ويصنعوا الصواريخ السوفيتية القادرة على التحرر من جاذبية الأرض وإطلاق أقمار اصطناعية، فهل هذا يعني أن البلشفية أصح وأجدى من الرأسمالية ؟، كيف تستطيع دولة لم تصنع ثورتها إلا متأخرة أن تلم شعثها وتتغلب على وضعها وتخوض في أدق العلوم وأحدث الهندسات مفاجئة العالم بغزو الفضاء؟ في حين تتأخر الدولة التي ترعرعت العلوم على أراضيها ويعيش بها أعظم العقول ولديها أكبر المختبرات يعضد ذلك كله ميزانية مرصودة للأبحاث العلمية والعسكرية تكاد تكون خيالية؟ هكذا كان كثير من الأميركيين من المثقفين وعامة الشعب يفكرون ومعهم كثير جدا من البشر في شتى أنحاء العالم وسجل الاتحاد السوفيتي أسبقية في غزو الفضاء مما أكسبه نقاطا إضافية في خضم الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي. عقب إطلاق القمر سبوتنك1 دشن الاتحاد السوفيتي رحلة ثانية إلى الفضاء وقدر للكلبة لايكا أن تكون أول رائد فضاء من الكائنات الحية وكان الغرض اختبار قدرة الكائن الحي على التعاطي مع حالة انعدام الوزن والأشعة الكونية والحياة القصيرة في الفضاء وأتى الخبر المدوي برحلة ثالثة للصارخ السوفيتي في 12 أبريل/نيسان عام 1961 حاملا يوري جاجارين إلى الفضاء كأول رائد فضاء من البشر دار حول الأرض ورأى سهول سيبيريا واليابان والمحيط الهادي وقال جملته المشهورة "السماء قاتمة والأرض زرقاء" وحين عاد إلى الأرض أطلق جملة ثانية مشوبة بالتهكم والتحدي للغرب( لقد ذهبت إلى الفضاء ولم ألتق بالله) وكان واضحا سخريته من الغرب ومن المسيحية ومن الليبرالية عامة وكأن المادية التاريخية هزمت ليبرالية آدم سميث ولا أدل على ذلك من هذا الإنجاز الذي فاجأ أمريكا نفسها وزاد الحرب الباردة اشتعالا بانفتاحها على غزو الفضاء الذي سيكون مضمارا للسباق والتنافس المحموم حتى يثبت طرف أسبقيته وصدارته وأفضليته. لقد كانت أميركا في سباق الفضاء مسبوقة وبعد تجارب بعضها فاشل نجحت في إطلاق القمر الاصطناعي إكسبلورر1في 01 فبراير/شباط من عام 1958 ثم في إرسال أول أميركي إلى الفضاء آلان شيبارد في 05 مايو/حزيران عام 1961 ثم أوكلت أمر صناعة صواريخ الدفع إلى العالم والمهندس الألماني المتأمرك فون براون صاحب صواريخ ف1 وف2 التي دوخت الإنجليز في الحرب العالمية الثانية والتي كانت ترسل إليهم من شواطئ نورماندي الفرنسية ودشن براون سلسلة صواريخ الدفع العملاقة ساتورن5 وكان منها الصاروخ ساتورن5 الذي حمل المركبة أبولو 11 في رحلتها القمرية الأولى ثم باقي الرحلات لبرنامج أبولو حتى عام 1972. ومما زاد الطين بلة والتنافس حدة في غزو القمر سبق السوفييت في الدوران حول القمر بمركبة غير مأهولة استطاعت فيها المركبة لونا3 أن تصور الجانب المخفي من القمر والذي لم يره إنسان قبل ذلك، ومن المعلوم أن القمر يبدي وجها واحدا فقط للأرض مما جعل البشرية تتساءل .عن كنه الوجه المخفي وتطلق العنان لخيالها ،والخيال لا حدود له وقد شكلت هذه الرحلة السوفيتية غير المأهولة جرس إنذار لأميركا حول احتمال نزول السوفييت على سطح القمر وتثبيت العلم البلشفي على سطحه مما يشكل ضربة قاصمة للعالم الحر، وتهكم السوفييت من الأميركان في تأخر برامجهم الفضائية على شاكلة (ذا فكرت أميركا في النزول على سطح القمر فسيجد رائد الفضاء الأميركي السوفييت قد سبقوا إليه ودعوه إلى تناول فنجان قهوة). هكذا فكر ساسة أميركا وعلماؤها وكأن كينيدي وضع في نفس الموقف الذي وضع فيه روزفلت حين تشكك في جدوى الانشطار النووي الذي يمكن الاستفادة منه في صنع قنبلة ذرية تحسم الحرب مما دفع بأينشتاين إلى كتاب رسالة مشهورة يؤكد له فيهال صحة الأمر وأن الألمان في الطريق لصناعتها مما دفعه إلى التعجيل بإطلاق المشروع ومثله بادر كينيدي بإطلاق مشروع غزو القمر وإنزال أميركي على سطحه قبل نهاية الستينيات حتى يسبق السوفيت ما داموا لفوا بمركبة غير مأهولة حوله ويستعدون لغزوه. نجحت أمريكا في غزو القمر بسلسلة من المركبات الفضائية المأهولة منذ عام 1969 حتى عام 1972 الذي كان تاريخ آخر رحلة للبرنامج ، وواضح من البداية أن أمريكا عام 1969 كانت تمتلك التكنولوجيات التي تسمح لها بإنزال إنسان على القمر وإنجاز هبوط سلس على سطحه، ثم خروج رواد الفضاء في كامل الحماية وجمع العينات والتحليق ثانية للالتحام بالمركبة الأم والعودة إلى الأرض وهي مهمة علمية تحتاج إلى آلاف العلماء والفنيين والمهندسين ومئات الكمبيوترات الإلكترونية وغلاف مالي كبير جدا، فمن المعلوم أن تكلفة رحلة أبولو 11 فاقت 25 مليار دولار في ذلك الوقت ،ناهيك عن حماية أرواح الرواد من خطر حزام فان آلن والأشعة الكونية وغياب الأكسجين وخطر الكويكبات التي هي أشد وطأة من الرصاص ومتاعب السفر في الفضاء وهي تكنولوجيا من الواضح أن السوفييت لم يصلوا إليها في ذلك الوقت، في حين أصابها الأمريكان، وقد صرح العالم المصري الأميركي فاروق الباز أنه شارك في برنامج رحلة أبولو 11 بتحديد مكان الهبوط على سطح القمر في منطقة تعرف باسم بحر الهدوء كونه عالما جيولوجيا وأنه أعطى نيل آرمسترونغ سورة الفاتحة لتكون معه أثناء خروجه للمشي على سطحه لما علم بقلقه وخوفه من فشل المهمة. في عام 1972 أغلقت أميركا ملف القمر بآخر رحلة مأهولة ومن ذلك التاريخ لم تطأ قدم إنسان سطح القمر وكأنه غدا ميدانا أميركيا بامتياز وأسبقية فالسوفييت منذ تصوير جانبه المخفي أقروا بأسبقية أمريكا وانصرفوا عنه وأمريكا انصرفت بعد ذلك إلى التفكير في غزو الكواكب ،وهي منذ ذلك التاريخ لا تني تدرس المريخ (الكوكب الأحمر) للتخطيط لرحلة مأهولة قبل أن ينتصف القرن الحالي معلنة بذلك أسبقية أمريكا في غزو الفضاء والكواكب. وأطل القمر اليوم بوجهه ثانية في إطار التنافس المحموم بين الدول فهاهي الصين ترسل مركبتين غير مأهولتين في رحلتين لتحطا على سطحه الأولى بتاريخ 14 كانون الأول 2013 والثانية بتاريخ 03كانون الثاني 2019 وترسل الهند بمركبة غير مأهولة يوم 14 يوليو 2023 من المنتظر أن تصل إلى القمر يوم 22 أو 23أغسطس 2023 وقال بشأن هذه الرحلة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (المهمة تحمل آمال أمتنا وأحلامها)،ومن ينجح في غزوه يشكل ذلك دعاية له لا مثيل لها . ومن المؤكد أن أمريكا لن تعود إلى غزو القمر لأن ذلك لم يعد مجديا بالنسبة إليها، فما جدوى الإنفاق الكبير على مشروع أنجز سابقا وتحصيل حاصل وتكرار إنجاز أنجز قبلا؟ فالصخور والأتربة القمرية فحصت وهي موجودة في المتاحف لمعرفة نشأة القمر وتاريخ المجموعة الشمسية والعلم الأميركي لازال منتصبا على سطحه وآثار الأقدام مثبتة على تربته. لهذا توجهت منذ عهد بعيد إلى التفكير في غزو الكواكب ووضعت كوكب المريخ ضمن أهدافها الكبرى في القرن الواحد والعشرين وسوف تكون رحلة معقدة وطويلة ومضنية ومكلفة للغاية ولكن لابد دون الشهد من إبر النحل، فأمريكا ستثبت جدارتها علميا وتقنيا وأسبقيتها في كافة المجالات ،ألم يعلن منظروها ومفكروها أن التاريخ انتهى وأن النسخة الأميركية منه هي الأخيرة ؟وهاهو النزول على سطح المريخ من قبل رائد فضاء أميركي يؤكد هذه النظرية التي أعلنت نهاية التاريخ وسوف يثبت رائد الفضاء علم بلاده على المريخ وسوف يمشي على سطحه ،وقد باشرت أميركا رحلا ت غير مأهولة إلى المريخ منذ فايكنغ 1 وافيكنغ 2 ثم باثفايندر وغيرها وكل ذك يؤكد قرب اللحظة التاريخية التي سيعلن فيها عن تاريخ الرحلة المريخية المرتقبة. بعد كل هذا السرد التاريخي لتاريخ غزو الفضاء بين السوفييت والأمريكان والتحاق دول عظمى أخرى والبرنامج المستقبلي لأمريكا لم يسلم غزو القمر من التشكيك في جدية الأمر وصحته، فما زال إلى اليوم من يشكك في الأمر ويعتبره خدعة سينمائية هوليودية ، والمتشككون ليسوا عندنا فقط بل في الغرب نفسه وفي أمريكا بالذات وصدرت كتب كثيرة تؤكد زيف قضية نزول الإنسان على سطحه عام 1969 والنافون والمتشككون ينقسمون إلى قسمين بين من ينكر النزول جملة وتفصيلا ومن ينكره في هذا التاريخ فقط ويصدق بحدوثه بعد ذلك التاريخ ، وحجتهم أن أمييكا في ذلك التاريخ لم تكن تمتلك التكنولوجيات الخاصة بذلك وفي السياق التاريخي كانت تتلقى الهزائم في حرب الفيتنام وخرجت شبه منكسرة من قضية الصواريخ السوفيتية في كوبا وأزمة خليج الخنازير فقد كانت في مرمى الصواريخ السوفيتية من الشواطئ الكوبية وكل ذلك شكل تحديا لسياسييها أمام الشعب الأميركي وكان لابد من غزو القمر لضرب عدة عصافير بحجر واحد كسبق السوفييت وإعلان الأسبقية للعالم وغسل عار أزمة خليج الخنازير وحرب الفيتنام ولما لم تكن مستعدة علميا وتقنيا موهت الأمر ليبدو حقيقة في إخراج هوليودي ولكن الأمر حصل بعد ذلك حقيقة، هكذا يزعم المتشككون ودون القارئ مواقع اليوتيب والمواقع الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية ليجد كما لا يصدق من المقالات والأفلام القصيرة التي تنفي الأمر وغيرها يثبته في غير هذا التاريخ وقد ساق المتشككون حججا كثيرة بعضها اضطرت الوكالة الأميركية للفضاء (ناسا) للرد عليه نظرا لجديته ومنها السؤال التالي: لم كان العلم الأميركي يرفرف بعد تثبيته على سطح القمر في حين لا يوجد هواء على سطحه؟ (هذا السؤال أجابت عليه ناسا) ومن الأسئلة كيف لم تظهر النجوم في سماء القمر السوداء القاتمة؟ (هذا السؤال أجابت عليه كذلك) ومنها أن الظلال على سطح القمر لماذا كانت من زوايا مختلفة في حين كانت الشمس في جهة واحدة من السماء ؟ ومنها لم تبدو مناطق الظلال مضيئة وهي في الأصل قاتمة لأن القمر لا يمتلك غلافا جويا لتشتيت الضوء في الجو؟ وكأن الأمر صنع في أستوديو، إلى غير ذلك من الأسئلة والغريب إعلان متحف هولندي كانت أمريكا أهدته قطعة صخرية قمرية أن هذه القطعة أرضية المنشأ وليست قمرية وكأن الخبر يؤكد شكوك المتشككين! ولكن هؤلاء جميعا فاتهم أن أميركا لا تستطيع فبركة الأمر لأن السوفييت والصينيين مثلا سيكشفون الأمر لأول وهلة، وهل هي من البلاهة إلى هذه الدرجة لتنخرط في لعبة مكشوفة أصلا؟ بينما يسعى الهنود والصينيون لاستدراك التأخر في غزو القمر طوت أميركا الملف عام 1972 واتجهت صوب الكوكب الأحمر الذي تخطط لغزوه قبل انتصاف القرن وسوف يكون حدثا مدويا أكبر من غزو القمر فالمسافة بعيدة والتقنيات أكثر تطورا والغلاف المالي المرصود مهول، ولاشك أن العلم الأميركي سوف يثبت على سطح المريخ لتؤكد أميركا لنفسها وللعالم أسبقيتها في غزو الفضاء الذي دخلته متأخرة.
مشاركة :