حملت أعلام روسيا، رفعها متظاهرون في النيجر أخيراً، والهتافات باسم موسكو، والتنديد بباريس ودورها في البلد الأفريقي، دلالة على صراع نفوذ ممتد في القارة السمراء، بين قوى دولية وأطراف إقليمية، في ضوء ما تزخر به من ثروات. ويأخذ الصراع طابعاً مختلفاً في المرحلة الراهنة، لاسيما في ظل تعقد العلاقات الروسية-الغربية، ضمن تبعات الحرب الأوكرانية، والعقوبات على روسيا، ما يزكي نيران المنافسة على جبهات أخرى. في وقت ذكر البيت الأبيض، منتصف الأسبوع الماضي، أنه ليس هناك ما يشير إلى دور روسي في أحداث النيجر، وتبدي موسكو نظرياً حرصها على الشرعية في البلدان الأفريقية، إلا أن الأمور في نتائجها تسير لمصلحة الروس، فـ«الانقلاب في نيامي، من شأنه أن يفتح الأبواب أمام روسيا في القارة السمراء»، طبقاً لتقرير نشرته صحيفة «تايمز» البريطانية، أشار بشكل لافت إلى زيادة ميول موسكو في المنطقة. فيما تعمل روسيا على توسعة نفوذها في أفريقيا، وعبرت عن ذلك بصورة مباشرة باحتضانها في سوتشي عام 2019 «القمة الروسية الأفريقية» الأولى، ثم القمة الثانية في سان بطرسبيرغ. وأبدت موسكو رغبة واسعة في تعزيز علاقاتها التجارية، والاقتصادية، مع دول غرب أفريقيا بشكل خاص، في خطٍ متوازٍ مع تعزيز وجودها العسكري من خلال مجموعة «فاغنر». يصرح عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الدكتور أشرف سنجر، لـ«البيان»، إن «الولايات المتحدة أعلنت أن روسيا ليس لها دور فيما يحدث في النيجر، ولكن بالنظر إلى ما تتمتع به النيجر من موارد، لاسيما المواد النادرة، فإنها تشكل حلقة في صراع النفوذ، وكانت أهميته تتمثل في إخراج فرنسا بشكل مُهين وإظهار أنها لا يمكن أن يكون لها دور في غرب القارة». ويضيف «مع تبني المؤسسة العسكرية الانقلاب، فالسؤال هنا: هل فعلاً روسيا بعيدة عمّا حدث في النيجر؟»، مستطرداً: «في تحليلي، روسيا ليست بعيدة، فهي تحاول في حالة الضغط الأمريكي-الأوروبي عليها في أوكرانيا، إظهار أدواتها وقدرتها على خلق مشاكل لتلك الدول في مناطق أخرى، وتمثيل نفسها دولة عظمى». بينما يعتقد خبير السياسات الدولية، سنجر، بأن موسكو «مستفيدة من النتائج» التي تقود إليها حالياً أحداث النيجر، مردفاً «لا نستبعد أن «فاغنر» ربما لها دور فيما حدث». لكن لا يعتقد بأن الولايات المتحدة سوف تقبل بهذا التحول، إذ تحاول أن تتواجد بشكل أكبر في غرب أفريقيا، وبالاعتماد على إنشاء نظم سياسية يقال عنها «ديمقراطية»، واختيار قيادات عسكرية على ارتباط وولاء لأمريكا. ويلفت سنجر إلى أن صراع النفوذ في أفريقيا، وهو صراع أمريكي-روسي في بعض الدول، وأمريكي-صيني في دول أخرى «ستدفع ضريبته الدول الصغيرة، في ضوء تنافس الدول الكبرى على تقاسم النفوذ والسيطرة على الثروات والمعادن الموجودة في تلك الدول». الحليف الأخير وسبقت كل من مالي وبوركينا فاسو في التقرب إلى روسيا، بعد الانقلابين العسكريين في البلدين، بينما النيجر تعد الحليف الأخير تقريباً للغرب -لاسيما فرنسا- في منطقة الساحل، وبالتالي فإن الباب مفتوحاً -وأمام أصوات شعبية هاتفة باسم الرئيس بوتين- كي تكسب موسكو ورقة في الصراع القائم مع الغرب على أفريقيا. ويقول نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، السفير صلاح حليمة، لـ«البيان»، إن منطقة الساحل يدور حولها صراع غربي-روسي، صراع واضح تماماً، مثلما حدث في مالي وبوركينا فاسو وحتى في تشاد، صراع بين قوى وأطراف قطبية وإقليمية، لاسيما في ظل ما تتمتع به تلك المنطقة من ثروات ذات أهمية بالغة، مثل: النفط، واليورانيوم، وغير ذلك، وهي سلع استراتيجية محل صراع وتنافس. ويشدد حليمة على أن «ثمة أوضاعاً داخلية لها تأثير على الصراع، تتعلق بالتنمية والأمن والاستقرار ومع نمو التنظيمات الإرهابية هناك»، لافتاً في الوقت نفسه إلى تصريح قائد قوات «فاغنر»، الذي رحّب بالأحداث في النيجر، ذاكراً أنه كان يتوقع ذلك، في وقت تتواجد فيه المجموعة في سبعة بلدان أفريقية. لكنه يشير في الوقت نفسه إلى الموقف الروسي الداعي للحفاظ على السلطات المنتخبة والديمقراطية، إلا أن ذلك الموقف «ربما يكون تكتيكياً»، لكنه مرتبط بشكل أو بآخر بالقمة الروسية-الأفريقية التي انعقدت أخيراً، وما أبدته موسكو من حرص على توطيد علاقاتها بدول القارة، وبما يفرض التماشي مع توجهات الاتحاد الأفريقي فيما يخص قضايا القارة. الموقف المناوئ للأحداث في النيجر. ويلفت إلى أن ذلك يأتي في ظل موقف متشدد يتخذه المجتمع الدولي بأسره من الحركة الانقلابية في النيجر، بما يتماشى مع مواقف الاتحاد الأفريقي و«الإيكواس». تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :