إن كل حوار يمكن أن يخضع إلى نظرتين مختلفتين، وأفكار أيضا مختلفة، ولكن في غالب الأحيان لا ينتهي ذلك الحوار بوجهات نظر موحدة أو مركزة على حقيقة ما، بل تظل النتائج تشتعل حسب العقول والأفكار الموجودة. ثم إن العديد من الكتب التي تصاغ في أغلب دول العالم اليوم، صياغة بحتة ترتكز على قواعد مادية خالصة، تؤمن بالضرورة وتسقط الركائز الأساسية من الأصول الثابتة. سأقدم اليوم نبذة عن هيئة الإعجاز العلمي، التي تأسست سنة 1406 هجرية، بناء على قرار المجلس الأعلى العالمي للمساجد والتابع لرابطة العالم الإسلامي، والتي اتخذت مبنى الرابطة بمكة المكرمة مقراً لها، وترأسها «أ. د. زغلول النجار» أستاذ علوم الأرض ورئيس لجنة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، والحاصل على جوائز وشهادات عديدة، وله حضور مكثف عظيم في جميع الدول العربية والإسلامية، وكتب قيمة في الإعجاز العلمي والاجتماعي وتفسير القرآن الكريم والبحوث. وقد روى العالم الجليل في كتابه مواقف عديدة من انبهار بلغاء العرب وفصاحتهم أمام روعة البيان القرآني وهم أصحاب اللغة وأرباب الفصاحة وحسن البيان تسجله تلك المواقف اللغوية والشعرية قبل الإسلام وبعده قائلا: (لقد فقد العرب اليوم في جملتهم الحس اللغوي الذي تميز به أسلافهم، وأن التحدي بالقرآن الكريم - تحدي مستمر قائم إلى يوم الدين - ما يؤكد أن ما في القرآن من أمور الغيب، وحقائق التاريخ الكثير المذهل، من فهم دقيق لمكنون النفس البشرية وحسن الخطاب في هدايتها وإرشادها وتربيتها). فعندما لجأ الإنسان إلى موارد الطبيعة المختلفة، ودفعته إلى الاشتغال بالحياة بعيداً عما يحتاجه من غذاء للروح، أصبح لا يملك إلا أن يعيش بين ثلاثة محاور كبيرة أهمها التوضيح ثم النقد ثم التأكيد، وترك الكفاية المطلوبة تعاني من إنتاجية وفاعلية ضعيفة، فعندما يجد الإنسان نفسه أمام تحديات كبيرة تراهن على فشله، فإنه حتما يعود إلى الكتاب ومحكم التنزيل، ويجد مبررات الاهتمام بقضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم كفيلة بعلاج هذا العجز، وإليكم ما يلي: حسب ما قرأنا للبروفيسور النجار، وهو أن الأصل في الحضارات أنها تتكامل فيما بينها ولا تتصارع، ولكن في عصر العولمة تجلت الحضارة المادية، وتعرض كل من الإسلام والمسلمين لهجوم شرس، وأما الحلقة الأخيرة التي حاصرت العالم، فهي التطور العلمي والتقني الذي يعمل أيضا على إبادة غيرهم في غياب الوعي الديني. وهنا أوشك الناس أن يعوا ما هم فيه من هموم وفرقة ومآس وكروب إلى جانب التطور والتقنية، فتغير الأثر التراكمي، وتضاعفت ضرائبه، وتعثرت مبادرات الناس لبعضها، فكانت العلاقات متباينة، وبذلك خفتت النقاط المضيئة، وتزايدت نسبة الأمراض النفسية، وسادت الوحشية حتى أصبحت مشروعا يتشارك فيه مجموعات من الطوائف والأحزاب، لكي يعملوا جاهدين على تفريق كلمة المسلمين وتسخير الدوافع إلى طرق غير مألوفة، وأما خلاصة القول فإن الاشتغال بالدنيا عن الدين خلّف صدعا كبيرا في السد الذي جمع شتات الأرواح. ولكن دعونا نأخذ بالأهداف البسيطة التي تؤدي إلى حياة أكثر استقرارا، وأعمق طمأنينة، قبل أن تتوطد العلاقة بين الأمل والثقة بعيدا عنا، ومما يفزع البعض من قول الحق، فلا يرى سبيلا إلى ذلك إلا مجاملة ضالة وأقوالا قديمة انتهجت السلبية، وحكمت بالظن والهوى، ولو قلنا إن للعلم خصائص واستعراضاً لكثير من الشواهد الكونية والعلمية قد وجدها الإنسان في الإعجاز القرآني قبل أي حضارة وتقنية وعولمة، لكانت الرؤى أكثر وضوحا، وقال ربنا تبارك وتعالى: (وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون..الآية).
مشاركة :