إعداد: عمار عوض في ليلة 30 يوليو من العام الماضي، كان عميرام بن اوليال، وهو ابن احد الحاخامات، ويبلغ من العمر 21 عاماً، ينتظر أصدقاءه في أحد الكهوف في قلب الضفة الغربية، حيث خططوا ليلتقوا هناك بين رام الله ونابلس قبل ان يتوجهوا الى قرية دوما الفلسطينية ومجدل بني فضل حيث رتبوا لارتكاب أكبر جريمة قتل هزت الضمير الإنساني في الفترة الأخيرة. وعندما لم يظهر أصدقاء ابن اوليال، واصل في السير وحده على الأقدام إلى قرية دوما وفقاً لملخص لائحة الاتهام الصادرة من الادعاء العام الإسرائيلي، والتي ورد فيها أنه قام بلف قميص على وجهه، وارتدى قفازات مع ملابس داكنة، وصار يتجول في القرية لوحده باحثاً عن أحد المنازل المأهولة بالسكان. أول بيت اختاره كان مملوكاً إلى مأمون دوابشة الذي يعمل في البناء وهو أب لخمسة أطفال، تصادف أنه وزوجته كانوا في نابلس في هذه الليلة، قام بن اوليال بالكتابة على حائط عبارات عنصرية تدعو إلى الانتقام وبعض الكلمات الممجدة للصهيونية، قبل أن يلقي اثنتين من قنابل مولتوف داخل المنزل لتنطلق بعدها ألسنة اللهب بسرعة، ويبدأ المنزل في الاشتعال، لكنه لحسن الحظ كان خالياً من السكان. ثم تحول بعدها الى احد المنازل المجاورة المملوك لسعد وريهام دوابشة، وهما زوجان شابان، كانت النوافذ مغلقة بإحكام، لكن الثالثة كانت مفتوحة قليلاً، ليقوم بإلقاء قنابل المولتوف، التي كانت بحوزته، لتشتعل النار في المنزل، ويقتل الزوجان الاثنان، جنباً إلى جنب مع الطفل (الشهيد علي دوابشة) البالغ من العمر 18 شهراً، وأصيب ابنهم أحمد دوابشة البالغ من العمر 4 سنوات بجراح بالغة للغاية وهو الناجي الوحيد من سكان المنزل. إرهاب منذ القدم واعتبر ميتش غونسبيرغ المراسل العسكري السابق لصحيفة إسرائيل تايمز، في مقاله بمجلة العلاقات الخارجية الأمريكية فورين افيرز واسعة الانتشار، والذي أتى بعنوان اللعب بالنار.. تصاعد الإرهاب اليهودي، أن عملية القتل البشعة هذه تعتبر نقطة فارقة في تاريخ الإرهاب اليهودي كما سماه، لكنه قال إنها لم تكن من دون سابقة في التاريخ، ففي مارس 1949 قبل احتفال إسرائيل بذكرى ما تسميها قيامها (اغتصاب فلسطين) قام مسلح يهودي متخلف كما سماه، وحريص على إعادة بناء الهيكل بتهريب مدفع رشاش إلى داخل الكنيست وحاول فتح النار على الموجودين بدوافع دينية. وفي العام التالي ظهرت مجموعات يهودية من المتعصبين بحشد الأسلحة النارية والمتفجرات، وقاموا باستهداف المؤسسات العلمانية، وفي عام 1995 قتل متطرف يهودي يميني رئيس الوزراء اسحق رابين والقائمة تطول من الإرهاب بحسب ما كتب غونسبيرغ، الذي تابع بالقول رغم أن هناك مشتركات بين الهجمات في إسرائيل، إلا أن الإرهاب اليهودي شكل المجتمع الإسرائيلي أيضاً هذه الأيام فإن الإرهابيين اليهود يأتي معظمهم من اليمين المتطرف مثل أسلافهم ولكنهم يختلفون في الوسيلة والأهداف النهائية ونجد أن اليمين المتطرف نفسه يتكون من معسكري البلطجية السفاحين والمتعصبين وإن كانا مختلفين اختلافاً جوهرياً. بلطجية في القدس الأوائل وهم البلطجية في المقام الأول هم يمنعون التزاوج والتكامل بين العرب واليهود، سواء في المدارس أو حتى في ملاعب كرة القدم، ويدعم العديد منهم فريق بيتار القدس لكرة القدم، والذي لايزال الفريق الوحيد في الدوري الممتاز الإسرائيلي بدون لاعب عربي واحد، وأنصار هذا المعسكر من البلطجية ينتشرون إلى حد كبير في القدس والأحياء اليهودية في الخليل ويشمل معسكر البلطجية هذا الناشط السياسي بينتزي غوبستين وأعضاء الجماعة اليمينية المتطرفة ليهافا. أما المعسكر الثاني المتمثل في المتعصبين هم الذين يعيشون في المستوطنات حول قمم التلال في الجزء الشمالي من الضفة الغربية المحتلة، ويسعون لإعادة بناء الهيكل المزعوم، ويتعصبون لفرض القانون اليهودي الصرف في جميع أنحاء البلاد، وكلا المعسكرين قادر على القيام بعمليات القتل ولكن الاختلاف فقط في الطريقة التي يعملون بها فهي مختلفة جداً بحسب بتسبيرغ. في أغسطس/آب 2014، تردد ان وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون، يسعى لتصنيف ليهافا كمنظمة إجرامية، بعد أن تسيدت نشرات الأخبار لبضع ليال، عندما احتج أعضاؤها خارج القاعة التي كان ينوي زوجان أحدهما يدين بالإسلام والثاني باليهودية الاقتران في يافا. وخلال حرب الخمسين يوماً على قطاع غزة صيف 2014، كان نفس أفراد هذا المعسكر يجوبون شوارع القدس، وبعد عدة أيام نفذوا عملية قتل بشعة للفتى الفلسطيني محمد أبو خضير الذي كان يبلغ من العمر 16 عاماً. وينقل كاتب المقال غيتس غنسبيرغ عن دفير كريف، وهو الذي تقاعد مؤخراً من وحدة الشين بيت (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي)، والذي كرس عمله لمكافحة التطرف اليهودي أنه قال له يوم 2 يوليو بعد يوم من استشهاد أبو خضير كان ملف القتلة الثلاثة الذين ارتكبوا الجريمة واضحاً جداً، وأضاف حقيقة أنهم كانوا من الغباء ما يكفي حيث نشطوا لتنفيذ جريمتهم في منطقة تعج بكاميرات المراقبة، وأنهم كانوا أيضاً حاولوا في اليوم السابق 1 يوليو لاختطاف طفل عمره سبع سنوات، ثم قاموا يوم الحادثة نفسه باختطاف أبو خضير وسكبوا عليه البنزين وأشعلوا فيه النار، عندما كان على قيد الحياة، وأن الجناة لم يكونوا من المتعصبين القادمين من قمم التلال في الضفة الغربية (المستوطنات) ولكنهم كانوا من معسكر البلطجية، ليختم دفير بقوله سكب البنزين أسفل شخص ما وإشعال النار فيه هو سلوك إجرامي وساكنو قمم التلال (المستوطنون) ليسوا مجرمين، ولكنهم في الوقت نفسه هم مجرمون أيديولوجيون وهو أمر مختلف. إرهابيو التلال قام شبان المستوطنين اليهود في بادئ الامر بالاستيلاء على عدد قليل من قمم التلال، في عقد التسعينات في انتهاك للقانون الإسرائيلي، ولكن عادة ما يكون هناك تعاون ضمني، وتنشط الدولة معهم في بعض الأحيان، كما يميل جيل آباء ساكني التلال على اعتبار إسرائيل أمراً مقدساً، ولكن هولاء المستوطنين الجدد يميلون إلى رؤيتها عقبة في طريق الخلاص الديني. في البداية، كان متعصبو التلال لديهم قادة من الرجال أمثال ران افيرا وهو ضابط سابق في الجيش، نشأ في أسرة علمانية قبل أن يصبح متديناً بشكل مخيف تحت رعاية الحاخامات. ووفقاً لبيان مجهول استولى عليه الشين بيت خلال التحقيق في العديد من الهجمات التي يقوم بها المتطرفون اليهود، وجد مكتوب فيه نقطة انطلاق الثورة ليس خروج إسرائيل إلى الوجود وأن الأهداف النهائية تتمثل في بتر الوثنية في إسرائيل وبناء معبد الملك وطرد جميع غير اليهود كخطوة أولى وفرض الزامية الشريعة اليهودية في الحياة العامة. وهذا ما يفسر لماذا استهدفوا مراراً بيوت العبادة المسيحية، على سبيل المثال هم يعتبرون الكاثوليكية نوعاً من الوثنية، وبالتالي هي هدف مشروع، وهذه واحدة من البراميل المتفجرة التي حاولوا إشعالها. الشيء نفسه ينطبق على قتل المدنيين الفلسطينيين: الذي يبدو سيئاً للحكومة ولكنهم يأملون في أن يعجل ذلك من هجرة غير اليهود من هذه الأرض. ويرى كاتب المقال غيتس غنسبيرغ العدد الإجمالي للأشخاص الذين هم على استعداد للعمل وفق هذا الفكر هو صغير جداً بحسب كريف الذي كان أول ضابط من الشين بيت تحدث مع قاتل رابين، وقد نشر كتاباً في الأيام القريبة عن هذا الاغتيال، والذي قضى عقدين من الزمان في ملاحقة المتعصبين الذين قال إنهم يمكن احتواؤهم في باصين ولكن لديهم حوالي 500 شخص يدعمونهم. لكن الكاتب غيتبيرغ يقول أن جريمة القتل التي تمت في دوما قتل اسرة دوابشة كانت دعوة لإيقاظ الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون الإسرائيلي، سواء كان ذلك للطبيعة العنيفة والمروعة للجريمة... وهكذا خلع الشين بيت القفازات فأثناء التحقيق في عملية القتل في دوماً حادثة الدوابشة سعى الأمن للحصول على إذن من النائب العام لاتخاذ إجراءات خاصة في عملية الاستجواب. في عام 1999 كان التعذيب مباحاً في الاستجواب وكذا الحرمان من النوم ومحاكاة الغرق، والتي كانت تطبق على الأسرى الفلسطينيين ولكن لم يسبق أن طبقت هذه الأساليب إلى أحد الإسرائليين. في الماضي ألقي القبض على العشرات من سكان التلال المتعصبين، ولكن كانوا يظلون صامتين طوال عمليات الاستجواب، مع أن في كثير من الأحيان كانت توجد أدلة جنائية ضدهم، من مشاهد الحرق أو الكتابة على جدران الفلسطينيين، ولكن غالباً ما كان يطلق سراحهم لعدم كفاية الأدلة، لكن هذه المرة أرغموا بن اوليل إلى جانب شريكه الغائب إلى إعادة تمثيل الجريمة ومن غير المعروف إلى أي مدى سيؤخذ اعترافه في محاكمته المرتقبة. حرب يأجوج ومأجوج ويقول غتسبيرغ من وحدة الشين بيت التي تتعامل مع الإرهاب اليهودي صغيرة جداً، ففي بداية الثمانينات كتب رئيس الشين بيت في مذكراته أن هذه الوحدة كاملة يمكن أن تجتمع على طاولة من أربعة كراسي بما في ذلك قائدها، مع أنها اليوم صارت أكبر قليلاً، ولكن لا يزال العمل الموكل إليها أكبر من طاقتها، فهي تقوم بحماية بعض المؤسسات وكذلك رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ويقول ضابط الشين بيت السابق كريف إن أي اغتيال سياسي آخر يقوم به المتعصبين (مثل اغتيال رابين) سيكون ضربة قاصمة ل إسرائيل، وأن السعي نحو إعادة بناء الهيكل المزعوم يمكن أن تقود إلى حرب إقليمية. من جانبه انتقد اليمين المتطرف الإجراءات الجديدة فيما دعا اوري ارئيل وزير الإسكان من حزب إسرائيل بيتنا إلى إغلاق وحدة الشين بيت المسؤولة عن مكافحة الإرهاب اليهودي. وقال بتلئيل سمورتيخ أكثر الأعضاء اليمينين المتطرفين في الكنيست: إن هذه الوحدة وجودها يعني أننا نقر بوجود إرهاب يهودي، لكن وزير التعليم نفتالي بينيت، الذي يرأس حزب البيت اليهودي، ويمثل الغالبية العظمى من المستوطنين في الضفة الغربية، عبر عن رفضه لهذا المنحى وقدم دعمه غير المشروط للشين بيت في مكافحة الإرهاب اليهودي. وقال لراديو جيش الاحتلال في ديسمبر الماضي ما نراه منهم هو الإرهاب، وهؤلاء الناس لا يعترفون باسرائيل، ويحاولون إشعال حرب يأجوج ومأجوج، ونحن بحاجة إلى استخدام أقوى عمل ممكن لمنع دوما ثانية في إشارة لجريمة قتل عائلة الدوابشة. من هنا يتضح أن الإرهاب المبني والقائم على تعاليم الديانة اليهودية، هو أمر موجود وواقع، وتسبب في كثير من الجرائم المروعة، وأن الجهد المبذول من أجهزة الكيان الإسرائيلي غير كاف بالمرة، فهل سينظر العالم بعين فاحصة لهذا النوع من الإرهاب، وما يمكن أن يجره من خراب وحروب في المنطقة؟.
مشاركة :