إن احتمال مواجهة الرئيس السابق، دونالد ترامب أخيراً للعدالة على أخطر جناياته المزعومة، المتمثلة في التآمر لتخريب الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020، أمر يثلج الصدور. ولسوء الحظ، استغرق الأمر أكثر من عامين ونصف العام لاستدعاء الرئيس السابق للمساءلة عن أفعاله بعد خسارته أمام الرئيس الحالي، جو بايدن. وقد مكّن هذا التأخير ترامب وأنصاره من ربط لائحة الاتهام الجنائية الأسبوع الماضي بالحملة الانتخابية لعام 2024. واستنكروا ذلك باعتباره محاولة ذات دوافع سياسية لنسف محاولة المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للعودة للبيت الأبيض. لقد نأى بايدن بنفسه عن التحقيقات المتعددة في سلوك سلفه لفترة طويلة، وفشل المدعي العام، ميريك جارلاند، الذي تعمل وزارته بشكل مستقل عن البيت الأبيض، في التحرك ربما كان يأمل في أن تتلاشى ظاهرة «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» التي يتشدق بها ترامب. ولكن هذا لم يحدث. ومع ذلك، لم يتم تعيين المدعي الخاص جاك سميث حتى نوفمبر الماضي. ويزعم سميث، أن ترامب تآمر لسرقة الانتخابات من خلال عرقلة تصديق الكونغرس على أصوات الهيئة الانتخابية في السادس من يناير 2021، والاحتيال على الحكومة التي قادها وإنكار حق الشعب الأميركي في فرز أصواته. المنطلق الأساسي الذي يربط بين هذه الاتهامات ليس أقل من غير عادي. لأول مرة في التاريخ، حاول رئيس في منصبه قلب المبدأ الدستوري الأساسي الذي قامت عليه الجمهورية الأميركية، وحاول ترامب بذلك قتل الديمقراطية. وتعكس لائحة الاتهام الجهود المتضافرة، بتوجيه من ترامب، لترهيب مسؤولي الانتخابات بالولايات والمحليات، وإنشاء قوائم مزيفة للناخبين، ورفع دعاوى قضائية لا أساس لها، والضغط على نائبه آنذاك، مايك بنس، لعرقلة الكونغرس ونشر العديد من الادعاءات غير النزيهة عن قصد بشأن تزوير الناخبين. ويقول سميث «كانت هذه الادعاءات كاذبة، وكان المدعى عليه يعلم أنها كاذبة». وكان هدفهم «خلق جو وطني قوي من عدم الثقة وتأجيج الغضب وتقويض ثقة الجمهور في إدارة الانتخابات». وقد نجح في ذلك. وللتاريخ، فقد فاز بايدن في عام 2020 بأكثر من سبعة ملايين صوت، اجتاح الكلية الانتخابية بنسبة 306 إلى 232. وتم إبلاغ ترامب من قبل بنس ومحاميه وأعضاء مجلس الوزراء ورؤساء المخابرات ومسؤولي الحزب الجمهوري في جميع أنحاء البلاد بأن بايدن قد فاز بشكل عادل. ولم ينجح أي اعتراض قدمه ترامب في المحاكم. ومع ذلك أصر ترامب على الترويج لـ«كذبة كبيرة» بأن بايدن غش في الانتخابات. ونتيجة لذلك، الحق ترامب ضرراً هائلاً بمصداقية الديمقراطية الأميركية. وتأثرت الثقة في الحكومة الفيدرالية، ما أثار حديثاً فضفاضاً عن حرب أهلية. لقد أضعف ترامب المكانة العالمية التي تتمتع بها الولايات المتحدة في وقت يتزايد فيه الاستبداد في العالم. ومع ذلك، ووفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإن ما يقرب من ثلث الأميركيين، وما يقرب من 70٪ من الناخبين الجمهوريين، مازالوا يعتقدون أن خيال ترامب ملتوٍ ويجنح للخداع. في الحقيقة، فإن التمرد هو الذي فضح هذا السلوك الغادر بدقة. بدأ دفاع ترامب متعدد المراحل يتشكل بالفعل. وبعد أن دفع بأنه غير مذنب، كرر تأكيده السابق بأنه ضحية اضطهاد سياسي. واتخذ من «سوء سلوك الادعاء» موضوعاً متكرراً. وثمة سبب آخر يتمثل في إصراره على أن تعديله الأول لقانون الحق في حرية التعبير قد أضفى الشرعية على كل الأكاذيب التي ساقها بشأن تزييف الانتخابات، ويعتقد بصدق أنها صحيحة. هذا سخيف بشكل واضح. ترامب كاذب سيئ السمعة. وخلال أربع سنوات في المنصب، قدم أكثر من 30 ألف ادعاء كاذب أو مضلل، بمعدل 21 ادعاء في اليوم، حسب تقديرات مدققي الحقائق في واشنطن بوست. وتزعم لائحة الاتهام بشكل مقنع أنه كان يعلم جيداً كذب ما قاله، واستخدم «وسائل غير قانونية» للترويج لآرائه الشخصية. الحق في الحديث عن حرية التعبير لا يسوغ له التعدي على حقوق الآخرين. فقد فعل ترامب ذلك، عمداً وبشكل متكرر، من أجل غايات أنانية. ومع ذلك، فإن إثبات النية الخبيثة بما لا يدع مجالاً للشك سيمثل تحدياً للمحكمة. وبغض النظر عن السير القانوني للدعاوى، وما يستتبعها من استئناف، فإن الأمر قد يستغرق سنوات، ومع ذلك لن تستطع المحاكمة أن تحسم الجانب السياسي إلا قليلاً. وقد يؤدي إلى انقسام الأمريكيين بشكل أعمق؛ وكثير منهم بالفعل لا يثقون في نظامهم الحاكم. وأن ترامب ليس هو السبب الوحيد، إنها مجرد ظاهرة قبيحة. فهو ليس الشخص الوحيد الذي يروج الأكاذيب، لكن غطرسته استثنائية. الأسبوع الماضي تجاهل تحذير القاضي، واستأنف على الفور تكتيكاته الهدامة، وهدد بالانتقام مثل مافيا كابو على أولئك الذين يشهدون ضده. ربما يكون هذا التكهن قاتماً للغاية. وربما يرفضه القادة الجمهوريون. وربما سيصوت الناخبون غير المنتمين إلى جماعة «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، للديمقراطيين بأعداد أكبر مما كانت عليه في عام 2020 بعد أن أذهلهم المشهد المهين للقائد العام السابق وهو يتلوى ويصرخ لإنقاذ نفسه. ربما يستطيع بايدن التغلب على معدلات التأييد المنخفضة، والبقاء واقفاً على قدميه، والفوز بانتصار منقذ للأمة. سوف يأمل أصدقاء أميركا وحلفاؤها بصدق أن يخسر ترامب. وسواء وصل ترامب للمكتب البيضاوي أو سجن سان كوينتين أو معتقل خليج غوانتانامو، فإن فترة ولاية ثانية لترامب، والتي تصاحبها خلافات دولية، وفوضى داخلية وتصفية حسابات، تشكل كابوساً. عندها نادراً ما يتم تحقيق العدالة ونادراً ما يُنظر إليها بحيادية وموضوعية، دون خوف أو محاباة. • بايدن نأى بنفسه عن التحقيقات المتعددة في سلوك سلفه لفترة طويلة، وفشل المدعي العام، ميريك جارلاند، الذي تعمل وزارته بشكل مستقل عن البيت الأبيض، في التحرك ربما كان يأمل في أن تتلاشى ظاهرة «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» التي يتشدق بها ترامب. • يزعم سميث، أن ترامب تآمر لسرقة الانتخابات من خلال عرقلة تصديق الكونغرس على أصوات الهيئة الانتخابية في 6 يناير 2021، والاحتيال على الحكومة التي قادها وإنكار حق الشعب الأميركي في فرز أصواته. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share طباعة فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :