عندما سألت الطلبة قبل نهاية المحاضرة، التي تطرقت فيها إلى القوى الخفية والأمور غير المفهومة إلى الآن في إطار علوم الطبيعة وغير الخاضعة للمنطق العقلي، عن مدى إيمانهم بقوة الضرر الذي تحدثه العين الحارّة (عين الحاسد القادر على إلحاق الضرر بالآخرين)، وعن تجارب الآخرين الفعلية مع مثل تلك الحالات؛ فاجأتني الإجابات بالتنوع، وكنت مستغرباً كمية الحماس، التي صاحبت إجاباتهم في هذا الشأن خلافاً للموضوعات العلمية التي كنا نناقشها قبل ذلك. ما الذي قاله هؤلاء عن الموضوع، وما توقعاتهم بشأن أسبابه ودوافع أصحابه؟ بدأت أطروحاتهم تستعرض حالات يقولون إنها تجارب حدثت معهم، أو مع من يعرفونه من أقاربهم ومعارفهم. لا أدري -صراحة- كيف كان استقبالي للأمر لأول وهلة، لكنني بدأت أتساءل في وقت لاحق، بعد أن خلوت بنفسي عن أسباب تواجد هذه الظاهرة فقط في البيئات الشرقية، والإسلامية منها على وجه الخصوص، ولم أهتد إلى إجابات شافية. غير أن أكثر ما استوقفني تعليق أحدهم: إذا كانت تلك الحالات تمثل قوة دمار شامل لا يرد، ولا يمكن مقاومته بسهولة، فلماذا لا توجه إلى أعداء الأمة بإصابة مؤسساتهم أو طائراتهم العابرة بالعطب المباشر، كما يصيبون ممتلكات المقربين منهم؟ بالطبع، كانت تحليلات هذه الحالة تتجه إلى أن ضرر تلك العين الحاسدة لا يتجه إلا إلى من يؤمن بها، أو إصابة الناس المقربين من مصدر الضرر. وهو أمر محير فعلاً، ويضيف مزيداً من الغموض إلى هذه الظاهرة؛ مما يشي بأن بعض أولئك الناس لا يملكون التحكم في مدى تأثير قواهم السلبية في الآخرين، بما في ذلك أحياناً إصابة أولادهم أو ممتلكاتهم الخاصة، إذا أحسوا بانجذاب نحوها، أو كان مظهرها مغرياً لنظراتهم بالتحول إلى مصدر دمار لتلك الممتلكات، أو حتى إصابة الأشخاص بأمراض غير معروفة، وغير مقدور على علاجها. وفي أوضاع تحوّط من الإصابة المحتملة بالعين من أي حاسد، بدأ عدد كبير من الناس في هذه المنطقة العربية على وجه الخصوص، بمحاولات إخفاء أطفالهم الصغار عن الآخرين، خاصة إن كانوا بصحة جيدة ومظهر مغرٍ للفت النظر، أو إن كان يُشك في أحد الناس، أنه من ذوي العيون الحارّة. كما بدأوا في عدم الإفصاح عن بعض ممتلكاتهم الثمينة، وربما التي قد تكون مصدر جذب لأصحاب تلك العيون الحادّة، أو إعطاء معلومات مغلوطة عن حيواناتهم المتميزة سابقاً، أو عن سيارة جديدة أو منزل متميز في العصر الحديث. بل إن بعض ما يُحكى من الحكايات الغريبة عن بعض العائلات، التي تصف أوضاع أولادها في المدارس بالكارثية، وربما أخبروا عنهم بأنهم في صفوف أدنى مما هم فيه. كما سمعت عن حكايات عن إنكار بعض النساء الحوامل لحملهن، وأن ما يشاهده الناس من تغير لديهن هو زيادة في الوزن؛ وإن وصل الأمر إلى مرحلة لا يمكن إنكارها، فيقال إنه في الأشهر الأولى، إمعاناً في التقليل من إمكان الحسد عند من لم تحمل من نساء أخريات، أو تفادياً لمصدر الحسد بصورة عامة. هل يمكن أن تفكر شركات التأمين في توفير بوليصة حماية من مثل تلك الآثار، لمن أراد أن يشتريها تحوطاً من فقدان بعض ممتلكاته، التي قد تصاب من أحد أولئك الحسّاد دون سابق إنذار؟ أم إن هذه المخاطر ستصبح مثل حالات الكوارث الطبيعية والحروب غير خاضعة لمدفوعات شركات التأمين؟ وقبل كل شيء هل هي ظاهرة ثقافية، أم بيولوجية - نفسية، أم إن لها ارتباطاً بتاريخ البشر؟
مشاركة :