رحاب حسين العريفاوي ترصد تداخل الأجناس الأدبية في رواية "أموات بغداد"

  • 8/10/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تمكنت الرواية من أن تكون الجنس الأدبي الأكثر مقروئية في العالم العربي، وذلك لقدرتها على دمج مختلف الأجناس الأدبية والفنية وقيامها على أساليب تجريبية متنوعة تحتاج إلى الوعي بها. وفي تفكيك لأساليب وتقنيات كتابة الرواية قدمت الأكاديمية والكاتبة والناقدة العراقية رحاب حسين العريفاوي قراءة تفكيكية في واحدة من أبرز الروايات العراقية. في آخر إصدارتها تقدم الأكاديمية والكاتبة والناقدة العراقية رحاب حسين العريفاوي قراءة في السرد العراقي المعاصر، في كتاب بعنوان "نظرية القراءة وجماليات التلقي: دراسة في رواية ‘أموات بغداد‘ لجمال حسين علي". وترصد الناقدة من خلال مؤلفها ما تميزت به الرواية من التعبيرات الشعرية الساحرة المؤثرة، وتداخل للأجناس الأدبية، وقيامها على الأساليب الانزياحية والبلاغية العالية التي تمثلت عن طريق الفجائية والإثارة والمسافة الجمالية والكشف والشمولية. ترى العريفاوي أن رواية “أموات بغداد” للدكتور جمال حسين علي تعد من أهم الروايات العراقية المعاصرة، وأن الرواية تجاوزت حد التأثير مما أحدث خللا في أفق توقعات القارئ، فجمالية هذه الرواية – بحسب قولها – وسعة أغوارها، واشتمالها على علوم وفنون قولية عديدة، واختلاطها بالجوانب الفلسفية والعلمية والفنية والتراثية، والطبية والفيزيائية والتاريخية، صيرت الرواية من النوع الذي يتطلب قارئا متخصصا لخوض غمارها، فالتقنيات والآليات التي اتبعها الروائي في بناء نصه أحبطت القارئ العادي؛ لذلك يمكن عدها من الأعمال التي تحتاج إلى زمن يستقر معها المتلقي ثم يقوم باستقبالها وأن قارئها في حاجة إلى تعديل أفق توقعاته بصورة مستمرة. صفحات الكتاب وفصول، الصادر عن مؤسسة دار الصادق الثقافية للطبع والنشر والتوزيع، بمدينة بابل العراقية، تشير إلى أن الأدب العراقي المعاصر تميّز بنوع من الرواية توجهت بشكل واضح نحو التعبير عن كل مكبوت من الممنوعات، إذ أعربت بحرية كبيرة عن الموضوعات السائدة كالواقع السياسي والاجتماعي الذي عاشه الشعب العراقي قبل الاحتلال الأميركي للعراق وبعده، إذ بدأ الروائي يلج مساحات جديدة يتضح عن طريقها تفاعله مع الواقع الذي عاشه، لاسيما الروائي المغترب؛ لأنه استطاع الكتابة فيما لا يجرؤ الأديب الذي يستوطن بلده كتابته، فقد كشف الأدب العراقي المعاصر الممارسات القمعية المنتهكة لحقوق الإنسان بعد زوال النظام السابق في أبريل 2003. الرواية وأساليبها ترى العريفاوي أن رواية “أموات بغداد” للدكتور جمال حسين علي تعد من أهم الروايات العراقية المعاصرة، وأن الرواية تجاوزت حد التأثير مما أحدث خللا في أفق توقعات القارئ ◙ العريفاوي ترى أن رواية "أموات بغداد" تجاوزت حد التأثير مما أحدث خللا في أفق توقعات القارئ تؤكد نصوص الكتاب على أن الروائي جمال حسين علي يعد في صدارة هؤلاء الروائيين خصوصا في ملحمته الروائية التي مثلتها رواية “أموات بغداد”، فقد عرف منذ بداياته تناول الموضوعات التي تعبّر عن وحشية الوضع السائد في العراق بنواحيه جميعها، وبطريقة فنية بالغة الشعرية، إذ لمع اسمه من أشهر الرواد في النتاجات التي غلب عليها طابع الحزن الوطني المأساوي فضلا عن الشعرية والشمولية والتنوع في الأساليب الفنية والموضوعات وبالتحديد في موضوعاته التي ضمت الحديث عن الشهداء ثم دخوله إلى تجارب مختلفة أكثر شمولية وتخصصه في فن الأدب والحياة والتنمية البشرية. وقد تناولت رحاب حسين العريفاوي الرواية من زاوية نقدية مهمة سلطت من خلالها الضوء على آليات السرد الروائي وأساليبه المتنوعة التي اتبعها الروائي في بناء نصه، والمتمثلة في التعبيرات الجمالية الساحرة المتصفة بالبلاغة الفخمة والدلالة الإيحائية العميقة، والتعالق النصي مع أشهر الأعمال الأدبية. وتوقفت عند توظيف السياق بجميع أنواعه، سواء أكان لغويا أم ثقافيا أم عاطفيا أم موقفيا، ما جعل الرواية تبدو قصيدة نثرية تتبدى فيها الصور الشعرية المتلاحقة التي خرق الروائي عن طريقها أفق توقع المتلقي ولأن الرواية لم تحض بدراسة واسعة جاء هذا الكتاب ليغطي النقص في هذا النوع من الدراسة. كما سعت الكاتبة من خلال محاور كتابها إلى التقريب بين أفق النص الروائي مع أفق توقع المتلقي عن طريق التحليل النقدي الذي اعتمدت فيه على منهج نظرية القراءة وجماليات التلقي التي تركز على المتلقي بعده المنتج الآخر للنص لما يصدره من فعل قراءة وتأويل. وقد ركز الكتاب – فضلا عن الآليات السياقية والتعبيرية الجمالية في النص الروائي عند جمال حسين علي – على أثر العلامة الثقافية المتمثلة بالتناص والمعجم الأدبي في توجيه المتلقي نحو النص، إذ تعالق الروائي نصيا مع مختلف النصوص الدينية والتاريخية والعلمية والأسطورية، والنصوص الأدبية الذاتية وغير الذاتية، التي عدّت أكثر أنواع التناص تمثلا في الرواية، لاسيما التناص مع الروايات الأجنبية. ◙ الأدب العراقي المعاصر تميز بنوع من الرواية توجهت بشكل واضح نحو التعبير عن كل مكبوت من الممنوعات كما بيّنت فصول الكتاب أثر العتبات النصية في توجيه المتلقي والتي تتمثل بالأغلفة والعناوين والمقدمة والإهداء والهوامش واللقاءات الصحفية، التي اتضح أنها لم تكن عشوائية وإنما مخطط لها من قبل الروائي، ودلالتها لا يمكن أن تنفصل عن النص، بل إن جانبا كبيرا من الفهم والتأويل يتم عن طريقها، ما جعل الرواية من النوع الذي يتطلب قارئا خاصا متخصصا لخوض غمارها؛ لأن التقنيات والآليات التي استعملها الروائي في بناء نصه أحبطت القارئ العادي لذلك يمكن عدها من الروايات التي تحتاج إلى زمن يستقر معها المتلقي ثم يقوم باستقبالها. خرجت العريفاوي، من خلال دراستها الشاملة لرواية “أموات بغداد” بعدد من النتائج التي منها: تميز لغة هذا النص بالانسجام والتماسك، ويرجع ذلك إلى إحساس الروائي العميق بأهمية تقديم الجمل وأثرها في نفس المتلقي من جهة، ومن جهة أخرى ليخلق معادلا للبنية النصية الروائية. كما أن السياق اللغوي بأنواعه المختلفة مثل ميزة جمالية واضحة في الرواية حيث نوّع الروائي في أساليب سياق النص، لاسيما الصوتية التي ارتسمت بوساطة السجع والجناس بنوعيه التام وغير التام حيث أعطت النصوص طابع الموسيقى الواضحة ذات التأثير البالغ في توجيه المتلقي نحو النص. كما بينت أن أدب جمال حسين علي يمثل أرضية خصبة صالحة لتطبيق نظرية جماليات التلقي، ومفاهيمها المركزية؛ لما تتميز به نصوصه من خصائص شعرية تجعله منفتحا على الآراء القرائية العديدة، وهذه الخاصية تتمثل في استعماله لآليات الشعرية من رموز، وصور وانزياحات، وتجسيم وتشخيص وإطناب ورؤى وأساليب، ومواقف مدهشة. البناء الروائي الكتاب النقدي يتناول الرواية من زاوية مهمة سلط من خلالها الضوء على آليات السرد الروائي وأساليبه المتنوعة ◙ الكتاب النقدي يتناول الرواية من زاوية مهمة سلط من خلالها الضوء على آليات السرد الروائي وأساليبه المتنوعة كما أظهرت كثافة الآليات الشعرية التي اعتمدها الكاتب للوصول إلى إستراتيجية تتيح لأدبه سعة المقروئية، فهناك النصوص المفاجئة لأفق توقع القارئ، وهناك النصوص الموافقة لأفق توقع القارئ، كما ترك الروائي كثيرا من الفجوات والبياض التي على القارئ أن يملأها؛ ليخلق المسافة الجمالية فتتسع وتضيق بحسب تفاعل القارئ مع النص، فالكاتب يستحضر قارئا ضمنيا في نصوصه، ويعطي إشارات وإيماءات لقارئ النصوص تساعده في فك شفرات النص وضم بنياته ودلالاته. وكذلك تقر بسيادة التعبيرات الجمالية والبلاغية التي صاغ بها الروائي نصه، ما جعله يبدو قصيدة نثرية تتبدى فيه الصور الشعرية المتلاحقة، التي يخترق الروائي بتوظيفها آفاق المتلقي، ولاسيما في بعض المقاطع التي تداخلت فيها الأجناس الأدبية، بفعل تأثر الروائي بمختلف التراث والثقافات والأعمال الأدبية أهمها الكلاسيكيات الروائية الروسية (لإتقانه اللغة الروسية) والرواية الفرنسية الحديثة ومدرسة تيار اللاوعي الأدبية التي ظهرت في أعمال فرجينيا وولف وجيمس جويس على وجه الخصوص. ولفتت الكاتبة كذلك إلى أن الروائي استند على معجم الألوان لرسم صور شعرية واضحة جسد عن طريقها حال العراقيين بمختلف طوائفهم وتعدد هوياتهم، لذا نجد أن اللون لم يأت عنده بطريقة الدلالة الأحادية وإنما كان اللون الواحد يعطي مدلولات متنوعة دالة على حال الشعب في تلك الأزمات وبحسب وروده في سياق النص، حيث احتلت الألوان السوداء والرمادية وألوان التراب النصيب الأوفر ليرسم الروائي بعدا عاما عن خفوت العراقيين وغياب كل ألوان الحياة في معيشتهم. إن اختصاصات الروائي العديدة انعكست على الرواية ما جعلها حافلة بالتقنيات الفنية الإبداعية التي مزج الروائي عن طريقها قدراته المتنوعة، التي استوحاها من مجتمعات شرقية وغربية عديدة، اكتسبها عن طريق الاحتكاك بنوعيه: المباشر حيث إجادته أكثر من لغة، وغير المباشر في سعة اطلاعه على الكتب الأدبية الأجنبية المترجمة، ما جعل نصوصه الروائية ذات قيمة ثقافية ثرة بإمكانها أن تصب في جوانب النقد الأدبي المختلفة. بالإضافة إلى ذلك فإن أنواع التناص التي عمد الروائي على الاستعانة بها تكشف عن عمق ثقافته واختلاطه بالمجتمعات وإتقانه لغات أخرى جعلته، مطلعا على تراث غيره من اليابانيين والأميركان والمصريين والهنود وغيرهم. يذكر أن الدكتور جمال حسين علي، روائي عراقي حاصل على الدكتوراه في الفيزياء والرياضيات، أصدر روايته الأولى عام 1983 تلتها ثماني روايات ونحو 30 كتابا في مجالات أدبية متنوعة، بالإضافة إلى الكثير من الترجمات والبحوث العلمية. وفاز بجائزة الصحافة العربية عام 2005، واختير صحافيا عام 2014 في مجال حقوق الإنسان تقديرا لكتبه في مجال الأدب الوثائقي في المناطق الساخنة، كما فاز بالعديد من الجوائز التقديرية عن رواياته وقصصه. انشرWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :