تقاسيم (إبرة للتخدير.. «تسوية الأزمة السورية»)

  • 3/6/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

< من الثوابت القطعية المتفق عليها - عقلياً - في محيط الشرق الأوسط للأعوام الخمسة الفائتة أنه لا تفاؤل بمستقبل مشجع لسورية إلا برحيل كامل تام للرئيس الطاغية، وأي حل على طاولات التشاور والتفاهم في غير هذا الشأن لا يعدو أن يكون ذراً للرماد في العيون العربية، وما أكثر ما تم ذر الرماد في عيونها، فما سكب من الدماء وأهلك من الأرواح ومَر من الزمن الأسود الكارثي كافٍ وكفيل بأن تكون سورية بلا بشار عاجلاً غير آجل، ومن دون الرضوخ لسطر من المفاهمة أو الارتخاء في الحلول واستعراض الخيارات السائرة ببطء، مع ضرورة أن نشير في مجمل الحكاية الدموية العربية الأبرز إلى أكذب جملة تدور ويقذف بها فم لآخر وترمى من طاولة لأختها وهي «تسوية الأزمة السورية»، إذ إن هذه التسوية لم تغادر حبرها الأسود سوى إلى حبر أسود آخر يوصف بالهدنة الهشة المختلة. الوطن العربي مثخن بالجراح حد الخيبة، وتجاربنا في معالجة هذه الجراح تجارب مشوبة بالقلق والتكاسل والعرج والحضور الموقت بمفردات الشجب والاستنكار والرفض الشفوي، وهي المفردات التي تجعل كل من يتابعنا ويقيس مؤشر غضبنا ويقترب من حرارة دمائنا يؤمن أننا شعوب مكسورة مستسلمة منشغلة بتصفية بعضها، وإشعال الحرائق على حكايات مدفونة ومسلسلات خلافية وبكاء متواصل متصل على الألبان المسكوبة بأيدينا لا بأيدي غيرنا، وهل ينفع بكاء في هذه المواقف!. عصابات الجرم والقتل والسفك لا يجب أن تذهب إلا لمزبلة التاريخ، ليس من أجلنا فقط بل من أجل أن تثق فينا الأجيال القادمة وتعرف أننا قادرون على فعل شيء، وشجعان في وضع الأجساد المناسبة بالمكان المناسب نيابة عن أن نترك لها المساحة فتعبث بنا وتحرك وتدحرج الرؤوس وتمرر الخيانات وتبيع أوطانها، سورية هُدِمَ ماضيها وحاضرها وصار مستقبلها مجهولاً مخيفاً، وماذا يمكن للغة أن تقول إزاء مليون سوري ما بين قتيل وجريح وتشريد لنصف سكان البلد. يكفي ما تقطّع من أوصال الدول العربية، وما رافق التقطيع من التشتيت الفظيع للأفراد والعقول، لن تنتهي مدارات الرعب التي تمزقنا من الوريد إلى الوريد حتى تكون رؤوس الأفاعي مفصولة عن أجسادها أو منزوعة السمية بالطريقة التي نعلنها ونختارها، الحلول السياسية المطروحة لا تستحق أن تأخذ وقتاً أكثر ممَّا مضى لأن الصراع أكثر تعقيداً، وكثيرون فشلوا في التعاطي مع هذه المأساة الفظيعة، والخسائر على مختلف الأصعدة سيعجز أي نظام قادم جديد ومختلف عن تحويلها لأرباح إلا بما يشبه المستحيل إن لم يكن المستحيل بعينه، أمر قاسٍ وفظيع أن يعاني شعب كامل ولا يجد من يعينه من شركائه في الدين والهوية والانتماء، على رغم أن الخصم قاتل سفاح تمددت جرائمه هنا وهناك تحت لوازم المصالح المشتركة والموقتة الماضية للتخريب والتفكيك والتدمير على أكثر من صعيد، وللعرب كونوا على موقف واحد رجولي باعث للاطمئنان الوقتي يقول أنه لا حل سوى أن تصبح «سورية بلا بشار»، حتى نقفز ولو لمرة واحدة في التاريخ من غبن «أن العرب كشعرائهم يقولون ما لا يفعلون»، وأؤكد أنَّا لن نقفز لخانة أكثر تفاؤلاً إلا متى اتفقنا على بضع كلمات «من هم أعداؤنا بالمقام الأول؟ ومن ثم نسمي الأشياء بمسمياتها من دون نفاق ولا بيع للمبادئ».   alialqassmi@

مشاركة :