فوجىء يوسف شهوان من شرق مدينة القدس بينما كان يستعد للالتحاق بالفصول التحضيرية في الجامعة العبرية، بقرار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش تجميد المنح التعليمية التى كانت مخصصة لدمج الطلاب العرب في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. وأعلن سموتريتش يوم أمس (الثلاثاء) نيته تجميد 200 مليون شيقل إسرائيلي (54 مليون دولار أمريكي) كانت مخصصة للطلاب العرب من سكان شرق مدينة القدس للمشاركة في الفصول التحضيرية في الجامعة العبرية بالقدس وكليتين بالمدينة قبل التسجيل في الدراسات الأكاديمية. وتهدف الأموال لتقديم منح دراسية للطلاب العرب من ذوي الدخل المنخفض الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التعليم العالي. وقال سموتريتش للإذاعة العبرية العامة إنه من المحتمل أن "يسيء الإرهابيون" استخدام الأموال المخصصة للمنح الدراسية داخل الحرم الجامعي، مؤكدا أن أولويات الحكومة الحالية تختلف عن أولويات الإدارة اليسارية السابقة، على حد قوله. وكتب سموتريتش عبر حسابه على موقع التواصل الإجتماعي (فيسبوك) بأنه يحتاج أولا لمعالجة الخلايا المتطرفة في الكليات والجامعات الإسرائيلية قبل وقف تجميد الأموال. وقوبل القرار بانتقاد من قبل زعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد، واصفا إياه بالعنصري، وكتب عبر حسابه على موقع (تويتر) "أشعر بالخجل من أن العنصرية أصبحت سياسة رسمية لدولة إسرائيل". وقال شهوان بينما بدا الحزن مسيطرا على وجهه لوكالة أنباء ((شينخوا)) "كنت أستعد للالتحاق بالفصول التحضيرية، ومع القرار الجديد، لا أعلم كيف سأستطيع أن أكمل دراستي الأكاديمية". واعتبر شهوان القرار "غير عادل" ويهدف إلى "الانتقام من كافة الفلسطينيين في القدس ومحاولة التضييق عليهم على اثر التوترات المستمرة بين الفلسطينيين والجيش الاسرائيلي في القدس ومناطق الضفة الغربية". المصير ذاته تواجهه الطالبة هبى العفيفي التي كانت تستعد للالتحاق بالفصول التحضيرية عقب حصولها على موافقة مبدئية بمنحة تعليمية. وتقول العفيفي (18 عاما) لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لطالما سعيت أن أنهي دراستي الجامعية وأن ألتحق بسوق العمل من أجل الحصول على المال وتحسين الوضع الاقتصادي لنفسي وعائلتي التي بالكاد تستطيع توفير المستلزمات الاساسية لنا مثل الطعام والمنزل والمصاريف اليومية". إلا أن الرياح تسير بعكس ما تشتهي السفن، تشتكي العفيفي، قائلة "ببساطة، إن جميع أحلامي بمستقبل واعد قد تبددت بلحظة". أما الطالبة فاطمة السعيدي فتنفست الصعداء بأن الحظ حالفها أنها أنهت الفصول التحضيرية قبل أشهر قليلة للالتحاق بالدراسة الأكاديمية في الجامعة العبرية، معبرة عن حزنها على مصير الطلبة الجدد بسبب القرار. واعتبرت السعيدي في حديث مع ((شينخوا)) أن القرار "سيحرم العديد من الطلاب الذين يبحثون عن مستقبل أفضل من فرصة التعليم". وقالت إن "القرار سيدفع بالعديد من الطلاب العرب إلى ترك الدراسة بسبب التكاليف المرتفعة، وسيجعلهم يتجهون إلى العمل بدلا من ذلك". كما أثار القرار مخاوف لدى المنظومة الأمنية والسياسية في إسرائيل من زيادة حدة العنف في شرق مدينة القدس. وذكرت صحيفة ((هآرتس)) الإسرائيلية الناطقة باللغة العبرية أن رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار التقى بسموتريتش وطلب منه عدم تجميد مخصصات المنح الدراسية، مشيرا إلى أن زيادة عدد الطلاب العرب في مؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية أظهر تأثيرا إيجابيا على الحد من العنف في القدس الشرقية. من جهته، قال وزير القدس والتعليم العالي السابق عضو الكنيست زئيف إلكين عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) إن "سموتريتش يدفع الطلاب من القدس الشرقية إلى أحضان الإرهاب". وأضاف أن "هؤلاء الطلاب من سكان دولة إسرائيل وبدلاً من الدراسة في مؤسسات إسرائيلية معترف بها، سيذهبون للدراسة في مؤسسات في نابلس ورام الله، وبدلا من المشاركة في الدراسات في دولة إسرائيل، سيعملون ضد الدولة". وتمت الموافقة على تخصيص 200 مليون شيقل (54 مليون دولار) للبرنامج التحضيري الأكاديمي لأول مرة كجزء من الخطة الخمسية السابقة للقدس الشرقية، في ظل حكومة بنيامين نتنياهو في العام 2018، ثم تم ترحيلها خلال حكومة نفتالي بينيت - يائير لابيد في 2021 - 2022 ، وانتهت صلاحيتها في يونيو 2023. وتباينت آراء الطلاب من الإسرائيليين في الجامعة العبرية بشأن القرار الذي اعتبره البعض بأنه يثير الجدل وآخرون بأنه عادل ويحمي المجتمع الاسرائيلي من أي محاولات لتنفيذ عمليات ارهابية تستهدف مواطنيه. وأبدى إلياهو الطالب الإسرائيلي في الجامعة العبرية تأييده لقرار الوزير سموتريتش بوقف التمويل للطلاب العرب. وقال إلياهو في حديث مع ((شينخوا)) "لا نريد تكرار ما حدث في عام 2021 وأن نرى العلم الفلسطيني يرفع في الجامعة مرة أخرى"، في إشارة إلى احتجاجات الطلاب العرب في الجامعة العبرية خلال عملية حارس الأسوار على قطاع غزة في عام 2021. فيما اعتبرت سارة شماريز (19 عاما) أن القرار به ظلم خاصة وأن الكثير من الطلبة العرب هم مسالمون وتربطنا بهم علاقة زمالة وصداقة وتعاون أكاديمي. وقالت شماريز لـ((شينخوا)) "صحيح هناك بعض العرب الذين يريدون ابادة اسرائيل ولكن هناك نسبة كبيرة منهم يتعايشون معنا بسلام ونحترم بعضنا البعض ومن المهم أن ننمي هذه الفئة من العرب بدلا من محاربة الجميع"، على حد قولها. وسيطرت إسرائيل على شرق مدينة القدس في العام 1967 ثم ضمتها في وقت لاحق في خطوة لم يعترف فيها المجتمع الدولي. ويشكل العرب في إسرائيل 20 بالمائة من إجمالي سكانها البالغ 9.7 مليون نسمة، وهم أبناء وأحفاد من الفلسطينيين الذين بقوا في المنطقة بعد حرب العام 1948، وغالبا ما يشتكون من العنصرية في فرص العمل وانخفاض الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة والبنية التحتية. وفي هذا الصدد، قالت منى خوري نائبة رئيس الجامعة العبرية للتنوع والإستراتيجية إن القرار "مؤسف جدا، لأن هذه المخصصات مهمة جدا لمستقبل الشباب في شرق مدينة القدس". وأضافت مني في حديث مع ((شينخوا)) "هناك رابط بين عدم التعليم والعنف"، مشيرة إلى أنه إذا لم يكن هناك مكان للطلاب العرب في المقاعد الدراسية سواء الجامعية أو الكليات الأخرى "فسيجد نفسه في طريق سيء وعلى الأغلب سيتورط في العنف". واعتبرت أن "التعليم وقاية من الانحراف نحو العنف"، مطالبة الوزير سموتريتش بالتراجع عن قراره. ووفقا لمني خوري فإن نسبة الطلاب العرب في الجامعة العبرية بلغ 21 بالمائة، الثلث منهم من مدينة القدس، مشيرة إلى أن هناك تراجعا كبيرا في عدد الطلاب العرب الذين يتركون الدراسة حيث وصل خلال السنتين الأخيرتين إلى أقل من 10 بالمائة. وشددت على أنه بالرغم من قرار سموتريتش إلا أنه سيتم الاستمرار في البرنامج بالسنة التحضيرية التي ستبدأ في الأسبوع المقبل، موضحة أنه لا يوجد "أي دليل على إدعاءات الوزير سموتريتش، وأن التحاق الطلاب العرب بالجامعات الإسرائيلية يأتي في إطار الحصول على تعليم أفضل والاندماج في سوق العمل". وبحسب مني خوري، فأن كل عام هناك من 400 إلى 500 طالب عربي من شرق القدس ينضمون إلى برنامج السنة التحضرية الذي يؤهلهم للدراسة في الجامعة العبرية. وأوضحت أن قرار الوزير "سيحكم على شباب شرق القدس بمصير الكسل، دون وعد بالتوظيف وبدون القدرة على العيش في مجتمع مشترك".
مشاركة :